"الصحة" تحاصر "القاتل الصامت"
الإثنين، 22 مايو 2023 02:25 مأحمد سامي
خطة تنفيذية لحوكمة استخدام المضادات الحيوية بشكل آمن وتشجيع الاستخدام الرشيد ومراقبة مقاومة مضادات الميكروبات
يسارع أغلب الأشخاص إلى تناول المضادات الحيوية، بمجرد الإصابة بأي ألم أو دور برد، معتقدين أنها قد تساهم في تخفيف الأعراض والقضاء على مسببات المرض، ولكن لا يعلم هؤلاء أنه "إذا زاد الشيء عن حده، انقلب إلى ضده"، فالمضادات الحيوية بمثابة سم قاتل ينهش أجسادنا في صمت، نتيجة المضاعفات التي تنجم عنها عند الإفراط في تناولها، والعديد منها مضاعفات جسدية والأخرى آثار نفسية، بحسب دراسات طبية حديثة كشفت عن الوجه القبيح للمضاد الحيوي وما يفعله في جسم الإنسان.
وتشير التقديرات العالمية إلى أن الميكروبات المقاومة لمضادات الميكروبات تتسبب بشكل مباشر في وفاة 1.3 مليون شخص حول العالم كل عام، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن مقاومة مضادات الميكروبات يمكن أن تسبب ملايين الوفيات بحلول عام 2050 إذا لم يتم اتخاذ أي إجراءات لمواجهتها للحد من تلك الظاهرة التي تتسبب في مشاكل صحية كبيرة على مستوى العالم، وتؤدّي مقاومة المضادات الحيوية إلى تمديد فترة الرقود في المستشفى، وارتفاع التكاليف الطبيّة، وزيادة معدّل الوفيات.
وأطلقت وزارة الصحة والسكان الأسبوع الماضى، العمل بالخطة التنفيذية لحماية المواطنين والأجيال القادمة من الأمراض المقاومة لمضادات الميكروبات، لما تشكله من تهديد حقيقي لأرواح ملايين البشر في جميع دول العالم، حال عدم التصدي للاستخدام العشوائي وبدون استشارة الأطباء، لمضادات الميكروبات وخاصةً المضادات الحيوية، والذي قد يتسبب في ظهور سلالات جديدة من الميكروبات المقاومة لمضادات الميكروبات المتاحة، مما يعيد العالم إلى زمن ما قبل ظهور مضادات الميكروبات، حين كانت الإصابة بالعدوى تهدد حياة الإنسان.
وكشف الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة، أن الوزارة أطلقت الخطة التنفيذية لمكافحة المقاومة لمضادات الميكروبات، حرصاً على سلامة وأمان المواطنين، وسيتم تكثيف الجهود والتنسيق بين كافة القطاعات والإدارات المعنية بالوزارة، لتحقيق المستهدف، والحد من الميكروبات المقاومة لمضادات الميكروبات، بالتنسيق مع وزارات التعليم العالي، والزراعة والبيئة، تطبيقا لـ«الاستراتيجية القومية للصحة الواحدة» والتي ترسم خارطة طريق وطنية لتوحيد الجهود نحو تحسين صحة الإنسان والحيوان مع سلامة النبات والبيئة.
وأكد عبد الغفار أن البرنامج الوطني لمقاومة مضادات الميكروبات، يسعى إلى تشجيع الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية، وتعزيز جهود مراقبة مقاومة مضادات الميكروبات، والارتقاء بمستوى الالتزام بمعايير مكافحة العدوى، من خلال التعاون بين المواطنين ومقدمي خدمات الرعاية الصحية، سيركز على التثقيف ورفع مستوى معرفة المواطنين ومقدمي الخدمات الطبية، بالاستخدام الرشيد لمضادات الميكروبات، إلى جانب تعزيز مراقبة مقاومة مضادات الميكروبات لرصد انتشارها في المجتمع ومرافق الرعاية الصحية، لتحديد اتجاهات مقاومة مضادات الميكروبات، والاستراتيجيات الفعالة لمكافحتها.
من جانبه أكد الدكتور عمرو قنديل مساعد وزير الصحة والسكان لشؤون الطب الوقائي، أن الخطة تشمل تحسين ممارسات منع ومكافحة العدوى، وتعزيز قدرات معامل الميكروبيولوجي لضمان سرعة وكفاءة التشخيص المعملي، والاستخدام الرشيد لمضادات الميكروبات، وذلك لحوكمة استخدام المضادات الحيوية بشكل آمن وفعال، لافتاً إلى أن الأهداف تتمثل أيضًا في تحسين الوعي بأهمية استخدام المضادات الحيوية بشكل مسؤول وتحفيز الأطباء والممرضين والصيادلة على استخدامها بشكل صحيح، مشيرا إلى أهمية وضع الاستراتيجيات والخطط الداعمة لنشر الوعي البيئي والمجتمعي بمخاطر الإفراط في تناول المضادات الحيوية، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة على استخدام المضادات الحيوية في المستشفيات والعيادات، كما تشمل الخطة تعزيز الأبحاث العلمية وتطوير الابتكارات التكنولوجية لتطوير علاجيات جديدة للأمراض المقاومة للمضادات الحيوية.
أضرار جانبية على الكبد والكلى
من جانبه قال الدكتور أمجد الحداد استشاري الحساسية والمناعة بهيئة المصل واللقاح، أن المضادات الحيوية عند أخذها دون داعي تسبب أضرار جانبية على الكبد والكلى، ونمو البكتريا الضارة، وقتل البكتريا النافعة داخل الجهاز الهضمي للإنسان التي لها دور مناعي وغذائي وتحسسي يساعد بنسبة كبيرة على ظهور الأمراض المناعية للطفل، وظهور أعراض الحساسية بصورة مبكرة، وتساعد في هضم الطعام، ونمو البكتريا الضارة، فضلا عن نمو جيل من البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية.
وأضاف حداد في تصريح خاص لـ"صوت الأمة"، أن الشخص البالغ يصل إلى مرحلة مناعية تكون فيها كل أجهزته اكتملت بما فيها الجهاز المناعي الذي هو عبارة عن منظومة من عدة أجهزة، وبالتالي فإن مصطلح تقوية المناعة غير طبي لكن يمكن الحفاظ على الجهاز المناعي بأجهزة تحت إشراف طبي، مؤكدا على عدم وجود أي داعٍ للحصول على المضادات الحيوية لعلاج الأمراض الفيروسية، لان الافرط في استخدامها يؤدي إلى قتل البكتيريا في الجهاز الهضمي ونمو البكتيريا الضارة وهو ما يؤثر على مناعتنا.
وأوضح حداد، أن المضادات الحيوية هي مواد كيميائية لها أضرار وتأثير على الجهاز الهضمي خاصة عند الأطفال دون العامين، وتناولها بشكل عشوائي يقتل البكتيريا المفيدة في الجسم ويفقد الطفل فيتامين كاف فيصاب بنزيف بمجرد التعرض إلى كدمات ويصل لنزيف في المخ ويقود تناولها دون داع أيضًا إلى إصابة الطفل بالأنيميا ويؤثر على الجهاز المناعي ويسبب الإسهال، محذرا من الانسياق وراء طلبات المرضى في كتابة علاج المضادات الحيوية لهم، مشيرا إلى أن العلاجات لها استخدامات وجرعات تختلف من شخص لآخر، ولا يجب أن نتعامل بشكل من العشوائية فيها.
وأشار استشاري الحساسية والمناعة بهيئة المصل واللقاح إلى أن نسبة كبيرة من المرضى يحصلون على المضادات الحيوية خارج المستشفيات ودون وصفة من الطبيب، لافتا إلى أن الإسراف في المضادات الحيوية يؤدي إلى نتيجة عكسية، ولابد من الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية والرجوع إلى الطبيب المختص، مضيفا أنه جرى وضع الأدلة الإرشادية الكاملة الخاصة ببروتوكولات العلاج الخاصة بالمضادات الحيوية، لكن على المواطنين الحذر ومعرفة كيفية استخدام العلاج وطلب الرعاية.
توقف وسائل الدفاع الطبيعية في الجسم
وكشف الدكتور كريم مصباح عضو مجلس نقابة الأطباء، أن الإفراط في تناول المضادات الحيوية بشكل عشوائي، دون استشارة الطبيب المختص، يحفز الجسم على إنتاج نوع محدد من البكتيريا، يقاوم تأثير المضادات الحيوية، ويفقدها فاعليتها، ما يصعب من علاج أبسط أنواع العدوى، حيث إن وسائل الدفاع الطبيعية في الجسم تتوقف عن العمل وتضعف قوتها وتصبح غير قادرة على مقاومة الجراثيم، وبالتالي يزداد فرص الإصابة بالعديد من المشكلات الصحية، التي قد تصل إلى حد الوفاة.
وأضاف مصباح في تصريح خاص لـ" صوت الأمة"، أن المضادات الحيوية من الأدوية المحظورة على الحامل، خاصةً في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، لأن المواد الفعالة بهذه الأدوية قد تصل إلى الجنين عن طريق المشيمة، ما يعرضه لمخاطر جسيمة، أبرزها العيوب الخلقية، كما يحظر تناول المضادات الحيوية بشكل عشوائي بعد الولادة، لأنها تؤثر سلبًا على لبن الأم، ما يقلل من التغذية الواصلة للرضع، مؤكدًا على الحرص على اتباع نظام لـ"التغذية السليمة المتوازنة"، التي تحتوي على جميع العناصر الغذائية.
وحذر عضو نقابة الأطباء، الأمهات من التسرع في منح الطفل المضادات الحيوية، مناشدًا بإعطاء فرصة لجسده لمقاومة المرض، مثل التهاب اللوزتين وعدوى الأذن الوسطى، لمدة تتراوح من 24 إلى 48 ساعة، ومراجعة الطبيب، لتحديد المضادات الحيوية المناسبة للطفل والجرعة الآمنة، حسب المشكلة الصحية التي يعاني منها ونوع البكتيريا، مؤكدًا أن لكل مرض مضاد حيوي يختلف عن الآخر.