مسارات ثلاثة متزامنة ومتوازية، تتبناها الدولة المصرية فى التعامل مع الأزمة السودانية، منذ اندلاعها فى الشهر الماضى، حيث تعتمد خطوات سياسية تهدف إلى الوصول إلى تهدئة الأوضاع، والعمل على إرساء هدنة، بين الأطراف المتصارعة، تزامنا مع مسار إنسانى، يقوم فى الأساس على إجلاء المئات سواء من الأجانب المتواجدين بالخرطوم، بالإضافة إلى المصريين، ناهيك عن السودانيين أنفسهم ممن يرغبون فى الفرار من نار الحرب الدائرة، بينما يبقى المسار الثالث خدميا قائما على توفير أكبر قدر من الخدمات، على المناطق الحدودية، للقادمين من الأراضى السودانية.
فعلى الجانب السياسى، تحركت مصر منذ اللحظة الأولى للأزمة، الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين، فى 16 أبريل الماضى، لمناقشة التطورات التى شهدها السودان، بينما اتخذت طريقا إضافيا يعتمد منهج التشاور مع الجوار السودانى، يتجلى بوضوح فى الجولة التى يجريها حاليا وزير الخارجية سامح شكرى، والتى تشمل كلا من تشاد وجنوب السودان، والتى تأتى بعد يوم واحد من اجتماع لوزراء الخارجية العرب حول الأزمة، أمس الاحد.
الوزير شكرى يقوم برحلته الدبلوماسية حاملا رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى كل من الرئيس محمد إدريس ديبى رئيس جمهورية تشاد، والرئيس سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان، وذلك فى ضوء إدراك الدولة المصرية الواسع لأهمية الامتداد الأفريقى لمصر -وفى القلب منه السودان- وارتباطه بالأمن القومى المصرى والعربى، وما يصاحب استمرار الاقتتال من تداعيات خطيرة لدول الجوار السودانى.
ويستهل سامح شكرى جولته من تشاد، حيث تربطها بالسودان روابط اجتماعية وثقافية تتمثل فى المد القبلى، وتوجد العديد من القبائل المشتركة بين الدولتين، فضلا عن أن الدولتان تجمعهما روابط اقتصادية، وتأتى العديد من البضائع التشادية من السودان، ويستعمل التجار التشاديون ميناء بورتسودان فى عملية استيراد بضائعهم من الخارج.
وعلى المسار الإنسانى، لم يجد الأشقاء السودانيين أمامهم سوى بلدهم الثانى مصر، والذى وجدوه كسابق عهده، فاتح ذراعيه للجميع، ليس ذلك فحسب، فقد أقامت جمعية الهلال الأحمر المصرى مركزا إغاثيا إنسانيا فى معبر أرقين لتقديم الخدمات الانسانية والإغاثية للنازحين، والتى شملت خدمات الدعم النفسى والأدوية والوجبات الغذائية الخفيفة ووسائل الاتصال التليفونية والشبكية للعابرين من المعبر، كما أجلت مصر 436 مواطنا من السودان برا بالتنسيق مع السلطات السودانية بحسب وزارة الخارجية.
وبخلاف ذلك ساعدت العديد من البلدان لإجلاء رعاياها، وبحسب بيان الخارجية المصرية أنه تم إجلاء أكثر من 16 ألف مواطن من غير المصريين إلى داخل مصر حتى اليوم 27 أبريل الماضى، كما قدمت سفارات بعض البلدان رسميا الشكر لمصر على مساهمتها فى إعادة مواطنيها كان فى مقدمتها السفارة الألمانية والصينية وجنوب أفريقيا وباكستان.
بينما يبقى المسار الخدمى أحد أهم المحاور التى سعت الدولة المصرية إلى تعزيزها فى التعامل مع الأزمة فى السودان، عبر توفير أكبر قدر من الخدمات إلى ألاف الفارين من نار الحرب المستعرة، سواء من المصريين أو السودانيين أو الأجانب، وهو ما يمثل أهمية كبيرة، فى ظل المعاناة الكبيرة التى يشعرون بها.
فى هذا الإطار، قال ممثل الينويسيف فى مصر جيريمى هوبكنز: "نحن هنا على الحدود لنوفر الخدمات الصحية ومياه الشرب، وكذلك دورات المياه المتنقلة وأدوات العناية الشخصية والدعم النفسى الاجتماعى، وقد توافد على الحدود المصرية السودانية الآلاف من الأسر النازحة الذين تعرضوا إلى ظروف قاسية جدًا حتى وصلوا إلى الحدود".
وأضاف: "مدينة الخرطوم تبعد ما يقرب من 1000 كم والرحلة خطرة وشاقة، والوضع فى السودان كارثى فيجب علينا تقديم الخدمات العاجلة للأطفال والأسر النازحة وبالفعل نحن موجودين هنا".
وثمن جيريمي الجهود التى تقودها الحكومة المصرية، قائلاً: "نشكر الحكومة المصرية على الاستجابة السريعة وتسهيل عملنا على الأرض، وأود أيضًا أن أشكر الهلال الأحمر المصرى على ما يقوموا به من جهود".