حتى في الموت لا نخلو من العبث

الأحد، 07 مايو 2023 01:06 م
حتى في الموت لا نخلو من العبث

 

كلنا سنموت ولن ينال أحد الخلود، وكل الكائنات والمخلوقات إلى زوال "ثمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إن اللَّهَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

ولا أظن أن عاقلًا ينكر ذلك أو يتشك فيه، ثم الموت مصيبة، بل هو مصيبة تقصم الظهور، وبها يبدأ تاريخ جديد، فتقول وأنت صادق: قبل موت فلان وبعد موت فلان. وكل وجع يأتي بعد مصيبة الموت يجعل الكلام عن تلك المصيبة مشتمل على معنى من معاني الابتذال بل والتفاهة، فليس أحسن من الصمت والتسليم بحكمة قضاء الله وقدره، أما غير ذلك فحرث في البحر.

قبل أيام توفى الفنان الشاب الأستاذ مصطفى درويش، رحمه الله، مات في ريعان شبابه ولم يكن يشكو من مرض أو ضعف.

ما الذي كان يجب علينا نحن جماهير العريضة وقد عرفنا بالخبر؟

لا يجب علينا شيء سوى الدعاء للراحل بالمغفرة ولأهله بالصبر والسلوان، ولكن هذا كان زمن السوشيال ميديا التي تفتي فيما هو فوق العرش ولا تفوتها الفتوى فيما هو تحت الثرى.

الفنان الشاب مات بنوبة قلبية تصيب الشيوخ والشباب وليس هناك أدنى شبهة جنائية في موته، فلماذا يشوش بعضهم على الرسالة الوحيدة الصادقة في الأمر كله وهى التي نص عليها خالق الموت والحياة: "وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ".. هذه هي الرسالة وهى أمر إلهي لا يقبض نقضًا ولا شفاعة، وهى رسالة متى تدبرناها نجونا من فتن كثيرة فوق العد والحصر.

بدأت التشويش بلقطة لم تستغرق من عمر الزمن أكثر من ثانية، اللقطة كانت لفتاتين شابتين تبتسمان وهما تلتقطان صور موكب جنازة الفنان الشاب رحمه الله.

الذي تعرضت له الفتاتين شيء فوق الوصف، وقالوا: إن جريدة تعمل بها إحدى المصورتين قد قامت بفصلها!

ثم هناك تحقيق ستجريه نقابة الصحفيين مع رئيس شعبة المصورين، ثم هناك شتم لعموم الصحافة والصحفيين، ثم هناك تجاهل لرأس الدمل، ألا وهو حق الصحفي في التصوير وحق المواطن في احترام خصوصيته، لا أحد يناقش الأمر من هذه الزاوية ولا أحد يستطيع فرض قانون يحترم الصحفي ويحترم المواطن، ولأن التجاهل أصبح في حد ذاته قانونًا قائمًا راسخًا فلم يسأل أحد عن فرض الجرائد والمجلات والمواقع والفضائيات على الصحفيين العمل في ظروف لا يمكن احتمالها والتعامل معها وفق ضوابط مهنية، الصحفي ـ وكلامي للذين يشتمون الصحافة والصحفيين ـ يعمل تحت وقع ضربات كرباج الوقت وسوط كشف الإنتاج، فمن الذي في ظروف كتلك يستطيع التجكم في سلوكه وأعصابه على مدار الساعة.

بعض مشكلة المصورتين، أدخلونا في مشكلة الحلال والحرام، فالشائع أن الفنان الشاب رحمه الله، كان من المتصدقين، فتنطع بعضهم وسأل عن قبول الرحمن الرحيم لصدقاته!

ثم أوغل في البلادة فقال: إن صدقات الفنان ليست مقبولة لأن ثروته جاءت من الفن، والفن كله حرام.

لا أظن أن أحدًا بمفرده يستطيع التصدي لهذه الموجة العاتية من التألي على الله الرحمن الرحيم الذي بيده الأمر كله وإليه المصير، إسكات هؤلاء لن يكون إلا من المجتمع وليس من الشيخ فلان أو علان.

ثم تحدثوا عن موت الفجأة ودلالاته، حديثهم عن موت الفجأة مرعب، لأن الواحد منهم لم يفتح الله عليه بشيء من علم الحديث الشريف ومع ذلك يقول بأعلى صوته:" قال الرسول..".

أنقل عن متخصص وهو الأستاذ محمد صالح المنجد: "لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة ، وما ينتشر في المنتديات عن ذلك الدعاء الذي يكتب لمن قاله أجر (360) حجة ، ويحفظ من موت الفجأة وغير ذلك ، إنما هو كذب موضوع لا أصل له في كتب السنة.

والأولى أن يدعو الإنسان بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:

كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ).

وبعدُ فقد قال الشاعر العربي:" إن يحسدوني على موتي

 فوا أسفي / حتى على الموت لا أخلو من الحسد"

وليقبل الشاعر اعتذارنا عندما نقول: "حتى في الموت لا نخلو من العبث".

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق