يوسف أيوب يكتب: الاحترافية عنوان عمل أجهزة الدولة لإجلاء المصريين بالسودان وسط مشهد شديد التعقيد.. ما يحدث في السودان اليوم رسالة للجميع بأن المصرى خلفه دوماً دولة تحميه وتحفظ حقوقه أينما كان
الإثنين، 24 أبريل 2023 12:59 م
من يعرف السودان، يدرك جيداً أن ما تشهد اليوم من صدام عسكرى، بين الجيش السودانى، وقوات الدعم السريع التي تمردت على الجيش الوطنى، زاد من تعقيدات المشهد الداخلى، فالدولة الشقيقة لنا، تعانى منذ فترة أزمات سياسية كان لها تبعات اقتصادية شديدة الوطأة، أثرت بشكل مباشر على البنية التحتية، وعلى حياة السودانيين بشكل عام، وهو وضع شديد التأثير والتعقيد أيضاً، خاصة على الجاليات المتواجدة بالسودان لأسباب متعددة.
وسط كل هذه التعقيدات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وغلق لمدن وتحويلها إلى مسرح لمواجهات عسكرية، وتعليق للطيران وإقفال للحدود، وغيرها من التداعيات الكثيرة التي تفرضها أية مواجهة عسكرية على الأرض، وسط كل هذا كان السؤال الذى يتردد القاهرة، ما مصير المصريين المتواجدين في السودان؟.. والسودان هنا المقصود بها كل الدولة السودانية، وليس العاصمة الخرطوم فقط، فالمدن السودانية مترامية الأطراف، ويفصل بينها مئات الكيلومترات، وفى كل مدينة مئات المصريين المتواجدين لأغراض تعليمية أو تجارية. فما مصير كل هؤلاء؟.
بدأ هذا السؤال يتردد في الأوساط الشعبية والإعلامية أيضاً بعد أيام من اندلاع المواجهة العسكرية في السودان، وغاب عن الجميع حقيقة واحدة، أن هذا السؤال كان أول ما طرأ على ذهن القيادة السياسية المصرية، التي وقفت لترصد ما يحدث في السودان، واضعة أمامها كل السيناريوهات وخطط التحرك التي تستهدف في المرتبة الأولى العمل بكل ما أوتيت الدولة المصرية من قوة لحقن دماء الأشقاء السودانيين، من خلال حشد كل الجهود لحث الأشقاء على وقف أطلاق النار بأقصى سرعة والعودة إلى طاولة المفاوضات لأنها هي الحل الوحيد.
ومع كل التحركات المصرية كان القرار من القيادة السياسية، هو تأمين المصريين، كل المصريين على الاراضى السودانية، ووضع الخطط اللازمة لإجلائهم أذا لزم الأمر.
القرار اتخذ منذ اللحظة الأولى، والتوجيه الذى أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسى لأجهزة ومؤسسات الدولة المصرية وتحديداً "القوات المسلحة والمخابرات العامة والخارجية" هو العمل على مدار اللحظة وتوفير كافة الإمكانيات في الوقت المناسب لإجلاء المصريين من السودان أذا ساءت الأمور على الأرض.
كان واضحاً منذ البداية أمام أجهزة الدولة المصرية أنها تتعامل مع وضع بالغ التعقيد، وهو أمر يحتاج إلى العمل بمنتهى الحكمة وصولاً إلى تحقيق الهدف، وهو إعادة نحو 10 الاف مصري من الأراضى السودانية أذا تطلب الأمر ذلك.
في هذه الأوقات كانت هناك دعوات دولية ووساطات انتهت إلى الاتفاق على هدن إنسانية، لكن على الأرض تم خرقها أكثر من مرة، ويوماً تلى الأخر ازداد الوضع على الأرض سوءاً، فكان القرار تنفيذ خطة الإجلاء للمصريين، التي تتضمن توفير ممرات آمنة حتى وصولهم إلى أرض الوطن سالمين.
وبالفعل بداية من الأحد الماضى، تم تنفيذ الخطة بحكمة شديدة، وتناغم واضح وتنسيق بين أجهزة الدولة المصرية "القوات المسلحة وجهاز المخابرات العامة ووزارة الخارجية" بالتعاون مع السلطات السودانية، وكانت البداية بإجلاء 436 مواطناً من السودان عبر الإجلاء البري، لتكون هذه العملية هي نقطة الإعلان عن ساعة الصفر لبدء عملية الإجلاء، اتى تم وضعها منذ اللحظة الأولى لبداية الأزمة في السودان وتحسباً لأى طارئ قد يحدث، وتضمنت الخطة أن تتولى السفارة المصرية فى الخرطوم والقنصليات في الخرطوم وبورسودان والمكتب القنصلي في وادي حلفا التنسيق مع المواطنين المصريين فى السودان لتأمين عملية إجلائهم تباعاً، ثم توفير مناطق آمنة لهم داخل الاراضى السودانية تمهيداً لبدء عملية الإجلاء البرى.
ومن يتابع عملية الإجلاء سيجد نفسه أمام حقيقة واحدة، أن ما حدث ويحدث على الأرض في السودان من جانب أجهزة الدولة المصرية لتأمين إجلاء الجالية المصرية هناك، هو عمل احترافى بل شديد الأحترافية، من دولة تضع مواطنيها أولوية.
نعم عمل احترافى، خاصة اذا علمنا أن أعداد المصريين في السودان تتجاوز العشرة الاف مصري، موزعين في مدن مختلفة، وهو أمر يحتاج إلى عملية تخطيط محكمة وآمنة ومنظمة لضمان سلامة ودقة عملية الإجلاء، خاصة في ظل التصاعد الخطير في حجم المخاطر، التي وصل مداها إلى أن أحد افراد السفارة المصرية بالخرطوم أصيب بطلق ناري بالفعل، في إشارة واضحة إلى خطورة الوضع الميدانى، بما يؤكد أن الاحترافية في التعامل مطلوبة، لأن الوضع حرج ودقيق ويتطلب ضرورة توخي أقصى درجات الحذر حفاظا على سلامة مواطنينا وأعضاء بعثاتنا في السودان.
بالتأكيد فإن ما نراه يحدث اليوم هو تأكيد على أن الدولة المصرية خلف أبنائها أينما تواجدوا وايا كانت الطروف المحيطة بهم، بما يؤكد قوة الدولة وقدرتها على حماية أبناءها في الداخل والخارج، وهو أمر اعتدنا عليه منذ 2014 وحتى اليوم، فكلما وجد المصريين في الخارج أنفسهم وسط أزمات سياسية أو اقتصادية أو حتى صحية في البلدان المقيمين بهم، وجدوا الدولة المصرية خلفهم مباشرة، توفر لهم الخروج الآمن، وهو ما حدث مؤخرا في دول مثل ليبيا وأفغانستان وأوكرانيا واليمن والصين، فكلها دول شهدت أزمات متعددة، ووجد المصريين في هذه الدول، الدولة المصرية خلفهم، وتمت عمليات الإجلاء الآمن في وقت قياسى، بل أن المصريين في هذه البلدان كانوا أوائل الجنسيات مغادرة.
كل هذه السوابق، ويضاف إليها ما يحدث في السودان اليوم، هو رسالة للجميع بأن المصرى خلفه دوماً دولة تحميه وتحفظ حقوقه أينما كان. دولة أقسم رئيسها على ضمان سلامة وأمن أبناء الوطن في الداخل والخارج، وها هو يبر بقسمه.