جدلية السكان بين الثروة والنقمة

السبت، 15 أبريل 2023 10:39 م
جدلية السكان بين الثروة والنقمة
يوسف أيوب يكتب:

توسيع دائرة التنمية وتوزيع السكان خارج شريط النيل أحد الحلول لمواجهة الزيادة السكانية  

 

لازال الخلاف الجدلى قائماً، حول قضية الزيادة السكانية، فرغم شبه الاتفاق حول خطورتها على معدلات التنمية، خاصة في دولة مثل مصر، قليلة الموارد، فإن الخلاف مستمراً حول آليات التعامل معها أو مواجهتها، ما بين طرح حلول طويلة الأجل، وأخرى قصيرة الأجل، وآخرين لازالوا على نهجهم في استدعاء حلول من الماضى، علها مفيدة لمشاكل الحاضر.

القضية بالفعل خطيرة، ومصدر خطورتها ليس فقط في وصول عدد السكان إلى ما فوق الـ104 مليون نسمة، لكن المشكلة الأكبر في معدل النمو السكانى المتسارع، والذى تجاوز المعدلات العالمية المتوافق عليها، لدرجة أن الدولة المصرية في العشر سنوات الماضية زاد عدد سكانها قرابة الـ25 مليون نسمة، أي أن الدولة زادت بنسبة 25% فقط خلال عشر سنوات، وهو معدل خطير، واذا استمر الوضع على ما هو عليه سنتخطى التوقعات التي تقول أننا في 2050 سنصل إلى 160 مليون نسمة، لأننا في هذه الحالة ربما نتخطى حاجز الـ200 مليون نسمة، ومكمن الخطورة هنا أن الزيادة السكانية المضطردة تتطلب زيادة الإنتاج والموارد، وكلنا نعرف حجم الموارد المتاحة للدولة التي لا تستطيع تلبية احتياجات هذه الأرقام المتوقعة.

والفترة الماضية عمدت الدولة إلى طرح المشكلة للحوار المجتمعى، ليس فقط استناداً إلى حملات إعلامية تستهدف دفع المواطنين إلى تنظيم النسل وليس تحديده، وإنما من خلال خطابات رئاسية موجهه مباشرة إلى المواطنين، مدعمة بالأرقام والأسانيد والأدلة التي تكشف لهم الخطورة التي تنتظرهم في مستقبل الأيام اذا سارت معدلات النمو السكانى على النهج الحالي، ودخل على هذا الخط كافة مؤسسات الدولة الدينية والاجتماعية والسياسية، لكن لا يزال هناك من يحاول دفع المجتمع إلى التمسك بمقولة "الأولاد عزوة"، ورفض أي محاولات لتنظيم النسل.

وسبق أن أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية في فبراير 2022، بهدف تحسين الخصائص الديموغرافية مثل التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي والثقافة، بالإضافة إلى ضبط النمو السكاني.

بالتأكيد فإن أيه حلول ستواجه بالكثير من العراقيل، خاصة إذا ما نظرنا إلى تجديد البعض لجدلية هل السكان ثروة يجب استغلالها أم عبء على التنمية، طارحين بعض الأمثلة مثل الصين والهند، فرغم وصول السكان في الصين على سبيل المثال إلى قرابة المليار ونصف مليار نسمة، لكن الصين استطاعت تحويل هذه الطاقة البشرية إلى قوة دفع لعجلة التنمية، وكذلك الهند، لكن تناسى هؤلاء أمران في غاية لأهمية، الأول أن معدلات الفقر في الهند والصين لا تزال مرتفعة، مقارنة بدول أخرى تقترب من معدلات النمو الاقتصادى للهند والصين، والأمر الثانى أن البلدان لا يعانيان من النمو السكانى المتسارع كما هو الحال لدينا في مصر، لذلك استطاعوا وضع خططهم المستقبلية وفقاً لقاعدة سكانية معروفة سلفاً.

يبقى السؤال الآن.. ما هو الحل؟

الحل بالتأكيد يحتاج إلى تغيير كبير في الثقافة الشعبية والموروثات التي تنظر للكثرة على إنها عزوة، وهذا الأمر بحاجة إلى وقت، وهو أمر تدركه الدولة جيداً، لذلك فإنها بدأت المسار الثانى، الذى يعتمد الواقعية، من خلال توسيع دائرة التنمية وفتح آفاق جديدة لتوزيع السكان خارج شريط النيل، لإن أحد مشاكل الزيادة السكانية هو التكدس فى شريط طولى، لذلك بدأت الدولة خططها العمرانية التوسعية، من خلال إنشاء مدن جديدة مؤهلة لاستيعاب مئات الالاف من المواطنين سوياً، في مناطق لديها مؤهلات لاستقبال المزيد من السكان، وأقرب مثال على ذلك المشروعات التنموية التي تشهدها سيناء اليوم، والتي تستهدف من خلالها الدولة إلى استيعاب أكثر من مليون ونصف المليون مواطن خلال الفترة المقبلة، مستفيدين من الموارد المتاحة في أرض الفيروز، وأيضاً الرغبة في أن تمتد يد التعمير والتنمية إلى كل بقاع الجمهورية، والأمر نفسه يتكرر في مناطق مختلفة في مرسى مطروح والوادى الجديد وغيرها من المناطق التي يجرى تحويلها اليوم من صحراء إلى أرض زراعية وصناعية تنبض بالحياة.

هذا هو أحد الحلول المهمة، التي تؤكد أن الدولة تتعامل بجدية مع هذه القضية، يضاف إلى ذلك الجهد المطلوب من المجتمع المدنى والإعلام والأحزاب، لإن القضية كما سبق الإشارة تحتاج إلى جهد مضاعف من الجميع.

من ضمن هذه الجهود، الحلقة النقاشية التي عقدتها مكتبة الإسكندرية الأسبوع الماضى، حول السكان والتنمية في بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب، بحضور الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، والأنبا أرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، والشيخ محمد أبو اليزيد الأمير، نائب رئيس جامعة الأزهر، وعدد كبير من الأكاديميين ورجال القضاء والصحفيين، الذين تحدثوا كثيراً عن الزيادة السكانية وارتباطها بالتنمية، وقد تباينت الأراء وتنوعت، لكنها اتفقت في النهاية على ضرورة مساندة جهود الدولة في تصديها لهذه القضية، باعتبارها قضية شديدة الدقة وتمثل قضية أمن دولة، لأن المتعارف عليه عالميًا أن الزيادة السكانية يمكن أن تكون معول هدم أو بناء، وذلك يتوقف على تناسبها مع حجم التنمية المحقق، لذلك اقترح البعض إعادة تشكيل لوائح وقوانين، بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل لتجسيد احتياجات المواطنين تكون مشروعات قوانين وأصل تشريعي كامل ويتم رفع هذه الاقتراحات إلى الجهات المختصة.

واستوقفنى في الكلمات ما قاله الأنبا ارميا؛ بأنهم "كرجال دين نقول أن تنظيم الأسرة لا يتعارض مع الدين، ولكن نحتاج نشر الثقافة والتنوير من خلال التعليم والإعلام"، وهو نفس ما قاله الشيخ محمد أبو اليزيد الأمير، نائب رئيس جامعة الأزهر، بأن الدين الإسلامي يؤكد على المقاصد وهو بقاء النوع وليس إنجاب 10 أطفال، بعيدًا عن الفهم الخاطئ للحديث النبوي، مضيفًا أن الزيادة السكانية قضية شائكة ولذلك ضرورة تكاتف المجتمع بأكمله للاستثمار في الأولاد واستشراق المستقبل، مؤكداً في الوقت نفسه أن المشكلة السكانية لا تخص بلد بعينها ولكن تعتبر من تداعيات هذا العصر، ولصق هذه القضية بالأديان هي حيلة العاجز، حيث يوجد أعراف وتقاليد تعد عامل مؤثر في هذه القضية وعقب ذلك يتم إلصاق النتائج في الدين.

حديث الأنبا والشيخ، فيه تأكيد على أهمية التصدي بالفعل للموروثات الشعبية لإنها نقطة الانطلاق اذا ما أردنا بالفعل المواجهة الناجزة، وهو أمر شديد الأهمية، وعلينا جميعاً الانخراط في هذه الانطلاقة بقوة واليوم قبل الغد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق