حمدي عبد الرحيم يكتب: بنات النبي "3-4".. أم كلثوم.. أحداث عاصفة في عمر قصير

تزوجت عثمان أم كلثوم بوحي من السماء بعد وفاة شقيقتها وطلاقها من عتيبة بن أبي لهب

ولدت السيدة ام كلثوم عليها وعلى سيدات البيت الشريف السلام، في العام التاسع عشر قبل الهجرة النبوية، عاشت طفولة سعيدة بين أبويها الكريمين وشقيقاتها الكريمات، ثم لاحت معالم أنوثتها فتقدم إليها عتيبة بن أبي لهب، وهو ابن عم والدها، ويجمعهما النسب الهاشمي القريشي.

مع هذا الزواج بدأت معاناة السيدة أم كلثوم، والحقيقة أن آل هاشم جميعًا لم يعرفوا الراحة قط منذ نزل قوله تعالى: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، فالذين أمنوا برسالة المصطفى دفعوا ثمن إيمانهم والذين كفروا بها دفعوا ثمن كفرهم، فأين الراحة في حالة رجل كأبي لهب الذي خسر ابن شقيقه الحبيب ولم يربح شيئًا سوى اللعنات في الدنيا والأخرة؟

نزلت سورة المسد، فأجبر أبو لهب ولديه عتبة وعتيبة على أن يطلقا بنتي محمد رقية وأم كلثوم، عتبة كان هادئًا فلم ينطق سوى بكلمة الطلاق، أما عتيبة فكان شرسًا، فالسورة الكريمة نالت من والده ووالدته حمالة الحطب، وزوجته أم كلثوم على دين أبيها عاقدة العزم على التمسك بالدين الجديد حتى تدخل به قبرها.

قال البيهقي: "وَطَلَّقَ عُتَيْبَةُ أُمَّ كُلْثُومٍ، وَجَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَارَقَ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَقَالَ: كَفَرْتُ بِدِينِكَ، وَفَارَقْتُ ابْنَتَكَ، لاَ تُحِبُّنِي وَلاَ أُحِبُّكَ. ثُمَّ تَسَلَّطَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَقَّ قَمِيصَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا إِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ". فَخَرَجَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَزَلُوا فِي مَكَانٍ مِنَ الشام يُقَالُ لَهُ الزَّرْقَاءُ لَيْلاً، فَأَطَافَ بِهِمُ الأَسَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَجَعَلَ عُتَيْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلُ أُمِّي هُوَ وَاللهِ آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ عَلَيَّ، قَتَلَنِي ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَأَنَا بِالشَّامِ، فَعَوَى عَلَيْهِ الأَسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَضَغَمَهُ ضَغْمَةً فَذَبَحَهُ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَحَدَّثَنَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ الْعَلاَءِ الْعَبْدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الأَسَدَ لَمَّا طَافَ بِهِمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ، فَنَامُوا وَجُعِلَ عُتَيْبَةُ فِي وَسْطِهِمْ، فَأَقْبَلَ الأَسَدُ يَتَخَطَّاهُمْ حَتَّى أَخَذَ بِرَأْسِ عُتَيْبَةَ، فَفَدَغَهُ (أي شَقَّه).

أرض جديدة

نجا المسلمون من الحصار المتوحش القاتل الذي فرضته عليهم قريش وقد خسروا أبا طالب ومعهم أم المؤمنين السيدة خديجة، كانت أم كلثوم منفردة ليس معها سوى شقيقتها الصغرى فاطمة، فزينب متزوجة من ابو العاص ابن الربيع، ورقية بعد طلاقها من عتبة بن ابي لهب تزوجت عثمان بن عفان وهاجرت معه إلى الحبشة، والأب الكريم مشغول بالليل والنهار بأعباء الدعوة وبالتصدى لعدوان قريش.

جاءت الهجرة إلى المدينة المنورة لتنقذ ما بقى من المسلمين، فهاجرت السيدة أم كلثوم لتنعم بالقرب من الوالد الكريم، فجأة رحلت شقيقتها ورفيقة صباها رقية، لقد رحلت رقية في يوم النصر الأكبر على قريش، في غزوة بدر، وذلك النصر وإن كان قد جعل قريشًا تكف عن النظر للمسلمين بعين الاستهتار والتحقير، فهو جعلها من ناحية أخرى تصر على دحرهم بأي ثمن كان.

في شهر شوال من العام الثالث الهجري تجددت المواجهة المسلحة بين المسلمين بقيادة الرسول وبين قريش بقيادة أبي سفيان، فكانت غزوة أحد التي خسرها المسلمون ومات منهم شهيدًا طائفة من عظمائهم على رأسهم أسد الله ورسوله حمزة ابن عبد المطلب عم الرسول.

البشرة

الأحزان تتوالى ولكن دائمًا هناك ضوء في آخر النفق، ففي أحد الأيام رأى الرسول عثمان بن عفان مهمومًا لهفان فقال له: "ما لي أراك مهمومًا". قال: يا رسول الله، وهل دخل على أحد ما دخل علي، ماتت ابنة رسول الله التي كانت عندي وانقطع ظهري، وانقطع الصهر بيني وبينك. فبينما هو يحاوره إذ قال النبي: "يا عثمان هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها". فزوجه إياها.

لما زوج النبي بنته أم كلثوم بعثمان قال لها: "إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد".

وتقول أم عياش: إن رسول الله قال: "ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء".

وعن أبي هريرة أن رسول الله قال لعثمان: "يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن أم كلثوم بنت النبي أنها قالت: يا رسول الله، زوجي خير أو زوج فاطمة؟ قالت: فسكت النبي ثم قال: "زوجك ممن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"، فقال لها: "هلمي ماذا قلت؟"، قالت: قلت: زوجي ممن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: "نعم، وأزيدك دخلت الجنة فرأيت منزله، ولم أر أحدًا من أصحابي يعلوه في منزله".

الفرحة الكبرى

عاشت السيدة أم كلثوم مع زوجها عثمان بن عفان كل الأحداث الكبرى التي شهدتها أعوام الهجرة الأولى، إلى أن جاء العام الثامن فدخل الناس في دين الله أفواجًا، فقد تم فتح مكة المكرمة وأصبح أعداء الأمس حلفاء اليوم، فقد أسلم أولاد أبي لهب وهم عتبة، معتب، درة، خالدة وعزة.

ونقل صاحب ذخائر العقبى عن الدار قطني أن عتبة ومعتب ودرة وخالدة وعزة بنو أبي لهب قال: ولا رواية لهما يعنى عزة وخالدة.

وروى ابن سعد عن ابن عباس عن أبيه رضي الله عنهما قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح قال لي: أين ابنا أخيك عتبة ومعتب ابنا أبي لهب؛ لا أراهما ؟ قلت: تنحيا فيمن تنحى من مشركي قريش، قال: ائتني بهما، فركبت إليهما بعرنة فاتيت بهما، فدعاهما إلى الاسلام فأسلما وبايعا.

لعل سنة فتح مكة كانت هى أسعد سنوات السيدة أم كلثوم، التي عاشت لدينها ولزوجها لأنها لم ترزق الذرية، وكما فارقت شقيقتها رقية الحياة فجأة، فارقت أم كلثوم حياتنا وهى في ريعان شبابها.

توفيت أم كلثوم في حياة النبي في شعبان سنة تسع من الهجرة وجلس رسول الله على قبرها ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة.

عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله ونحن نغسل ابنته أم كلثوم. فقال: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني "فلما آذناه فألقى إلينا حقوه، وقال: "أشعرنها إياه".

وعن أبي أمامة قال: لما وضعت أم كلثوم ابنة رسول الله في القبر قال رسول الله : "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى"، ثم لا أدري أقال: "بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله" أم لا.

وعن أنس: رأيت النبي جالسًا على قبرها -يعني أم كلثوم- وعيناه تدمعان فقال: "فيكم أحد لم يقارف الليلة". فقال أبو طلحة: أنا قال: "انزل".

وبعد هذه الرحلة التي كلها جهاد ومكابدة نجد بعضهم يخوض في نسب بنات النبي، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار.