مصر بوابة سوريا للعودة إلى الحضن العربي

السبت، 08 أبريل 2023 11:00 م
مصر بوابة سوريا للعودة إلى الحضن العربي
محمود علي

وزير الخارجية السورى في القاهرة بعد غياب 10 سنوات.. والثوابت المصرية مع الحفاظ على وحدة البلاد وحماية المؤسسات السورية

حملت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى القاهرة الأسبوع الماضى، دلالات عديدة وهامة تشير بوضوح إلى الانطلاقة القوية التي تشهدها العلاقات المصرية السورية في إطار تعزيز قواعد الارتباط التاريخي بين البلدين، والتنسيق فيما يخص قضايا الأمن العربي من خلال توسيع قنوات الاتصال بينهما على مختلف الأصعدة.

وجاءت هذه الزيارة بعد نحو شهر من زيارة لوزير الخارجية سامح شكري إلى دمشق التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد، حيث عززت هذه الزيارات الحراك الإقليمي الساعي إلى تعزيز العلاقات العربية مع سوريا وعودتها إلى الحضن العربي.

ولا يمكن إبعاد زيارة وزير الخارجية السوري إلى القاهرة عما تشهده المنطقة من مساعي عربية تستهدف تخفيف التوتر الإقليمي، والمضي نحو تعزيز العلاقات العربية، وعلى رأسها إعادة بناء العلاقات مع سوريا، وهو ما ظهر جلياً في أعقاب الزلزال المدمر الذي  ضرب سوريا وتركيا، حيث توجه وزراء خارجية الأردن والإمارات بجانب مصر في زيارات منفصلة إلى دمشق وكان في استقبالهم بشار الأسد، وفي أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، لم تتأخر القاهرة في مد يد العون لتخفيف آلام السوريين في محنتهم، حيث أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً بنظيره السوري بشار الأسد مقدماً له التعازي والتمنيات بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين، مؤكداً على تضامن مصر مع سوريا وشعبها في هذا المُصاب الأليم، موجهاً حكومته بتقديم كافة أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة في هذا الصدد إلى سوريا.

وتعتبر زيارة المقداد هي الأولى من نوعها لوزير خارجية سوريا إلى القاهرة منذ أكثر من عشر سنوات، حيث كان في استقباله الوزير سامح شكري، الذي عبر في أكثر من مناسبة عن دعم مصر للأشقاء في سوريا قائلا "دمشق حاضرة في الضمير المصري والعربي وأزمتها لابد أن يكون لها نهاية".

ومن قراءة تفاصيل الزيارة وبيانات الجانبين التي تلتها، سنلاحظ مدى الجهود المصرية الكبيرة الساعية إلى تماسك الكيان العربي وصونه حمايته، تماشياً مع تصريحات الرئيس السيسي في القمة العربية الأخيرة  بالجزائر التي أكد خلالها أن "مصر ستبقى على أبوابها مفتوحة أمام كل أبناء العرب في سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة".

ولم تتوانى القاهرة ولو للحظة عن مد يد العون إلى أي دولة عربية أو شعب في العالم، حريصة كل الحرص على تقوية علاقات التعاون والشراكة مع الجميع، وهو ما أكده الوزير شكري خلال استقباله نظيره السوري، مجدداً دعم مصر الكامل لجهود التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية في أقرب وقت بملكية سورية وبموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254 تحت رعاية الأمم المتحدة.

وأكد شكري مساندة مصر لجهود المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ذات الصلة، وعلى أهمية استيفاء الاجراءات المرتبطة بتحقيق التوافق الوطني بين الأشقاء السوريين، وبناء الثقة، ومواصلة اجتماعات اللجنة الدستورية السورية.

ولعل ما تناوله اللقاء السوري المصري الأخير يؤكد على طبيعة الدور الذي تتبناه القاهرة من أجل عودة الاستقرار إلى سوريا وتحقيق الأمن بداخلها، حيث شهدت زيارة المقداد للقاهرة عقد جلسة محادثات موسعة شملت الوفدين المصري والسوري، تناولت مختلف جوانب العلاقات الثنائية وسبل دفعها وتعزيزها بما يعود بالنفع والمصلحة على الشعبين الشقيقين، بالإضافة إلى عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

كما تناولت المباحثات سبل مساعدة الشعب السوري على استعادة وحدته وسيادته علي كامل أراضيه ومواجهة التحديات المتراكمة والمتزايدة، بما في ذلك جهود التعافي من آثار زلزال السادس من فبراير المدمر، بالإضافة إلى جهود تحقيق التسوية السياسية الشاملة للأزمة السورية.

وفي الملف السوري، تتحرك مصر وفقا لثوابت أكدت عليها مرارا وتكرارًا برفضها التدخل الخارجي والانخراط في أي صراع عسكري بشكل مباشر، معلنة دعمها لكافة الجهود المبذولة من أجل حماية المدنيين، و الحفاظ على وحدة  البلاد وحماية المؤسسات السورية، والدعوة إلى مفاوضات جادة وصريحة من أجل حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية والسياسية.

هذه المبادئ والثوابت المصرية أشار إليها شكري خلال لقاءه نظيره السوري، لافتاً إلى "أن التسوية السياسة الشاملة للأزمة السورية من شأنها أن تضع حداً للتدخلات الخارجية في الشئون السورية، وتضمن استعادة سوريا لأمنها واستقرارها الكاملين، وتحفظ وحدة أراضيها وسيادتها، وتصون مقدرات شعبها، وتقضي على جميع صور الإرهاب والتنظيمات الارهابية دون استثناء، وتتيح العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين"؛ بما يرفع المعاناة عن الشعب السوري وينهي أزمته الممتدة، الأمر الذي سيعزز من عناصر الاستقرار والتنمية في الوطن العربي والمنطقة.

وامتلكت مصر خلال العقد الماضي، من القوة والمكانة والموقع الجغرافي، التي مكنها من لعب دور رئيسي تجاه الأزمة السورية نابع من التزامها التاريخي بسلامة الأمن القومي العربي، التزاماً بمقولة "الأمن القومي المصري واستقراره يبدأ من سوريا".

من هنا كانت القاهرة راعية العديد من اتفاقات المصالحة السياسة في سوريا كخطوة يمكن البناء عليها من أجل تسوية شاملة؛ ففي عام 2017 كانت القاهرة على موعد من نجاح دبلوماسيتيها في الوساطة بين الأطراف السورية، حيث وقعت اتفاقات هدن في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ،أدت الى وقف الأعمال القتالية والعدائية والسماح بوجود ممرات أمنة وإدخال المساعدات والمعونات الإنسانية من قبل هيئات دولية، كما استضافت القاهرة في ذات العام العديد من المؤتمرات والاجتماعات التشاورية لعدد من القوى السياسية والقبائل المقيمة في مناطق الشرق السوري، كما رعت  في ذلك الوقت اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب العاصمة دمشق.

كما أن القاهرة كانت حاضرة وبقوة في رعايتها عدداً من اتفاقات المصالحة بين المعارضة والحكومة السورية نصت على وقف إطلاق النار، ومشاركة الفصائل في محاربة الإرهاب، ودعم الاستقرار في مناطقها عبر تشكيل قوة أمنية من أهالي المناطق التي يشملها الاتفاق، على أن يتم ذلك برعاية الحكومة السورية وضمان العودة الآمنة للنازحين واللاجئين إلى ديارهم وأراضيهم، والإفراج عن المعتقلين.

من جانب آخر كان هناك ثقة من السوريين بأن القاهرة لا يمكن أن تتنازل عن دورها المحوري لحل الأزمة، وهو ما نقله الوزير السوري فيصل المقداد خلال زيارته للقاهرة معبراً عن تقدير بلاده لدور مصر الداعم والمساند لسوريا وشعبها على مدار سنوات الأزمة، مقدماً الشكر للمساعدات الاغاثية الانسانية التي قدمتها مصر في أعقاب الزلزال، وأعرب المقداد عن "تطلعه لأن تشهد المرحلة القادمة المزيد من التضامن العربي مع سوريا كي تتمكن من تجاوز أزمتها وتضطلع بدورها التاريخي الداعم لقضايا أمتها العربية".

وتوجت الزيارة بالاتفاق بين الوزيرين على تكثيف قنوات التواصل بين البلدين على مختلف الأصعدة خلال المرحلة القادمة بهدف تناول القضايا والموضوعات التي تمس مصالح البلدين والشعبين المصري والسوري الشقيقين.

وعلى المستوى الإقليمي كان لهذه الزيارات السورية المصرية المتبادلة، صدى واسع ملقية بظلالها على المشهد العربي قبل نحو شهر من قمة عربية بالمملكة العربية السعودية متوقع أن يحضرها عدد كبير من القادة العرب، وعلق المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش على الزيارة بقوله إنها "خطوة إيجابية في اتجاه عودة سوريا إلى محيطها العربي".

وفي خطوة من شأنها أن تعزز عودة سوريا إلى الحضن العربي، أكدت تقارير إعلامية أن السعودية ستتوجه إلى دعوة للرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية، ووفق ما نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، يجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان زيارة إلى دمشق في الأسابيع المقبلة لتسليم الرئيس السوري دعوة رسمية لحضور القمة المقرر عقدها يوم 19 مايو.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق