بنات النبى "2-4".. السيدة رقية.. المهاجرة دائمًا
السبت، 01 أبريل 2023 11:18 م
في صباها وقعت بين أنياب حمالة الحطب لكن الله أنقذها.. طلقها زوجها الأول عتبة بن أبي لهب انتقامًا من والدها وأمها
هاجرت إلى الحبشة وإلى المدينة ومات وحيدها ثم لحقت به وهي لم تبلغ الثلاثين من عمرها.. وحينما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر ذهب إلى قبرها
وأنا أجمع مادة هذه السلسلة قرأت شيئًا في غاية النكارة، هذا الشيء هو تشكيك في نسب الكريمات بنات سيد الخلق إلى والدهما العظيم ووالدتهما أم المؤمنين السيدة خديجة.
قرأت: "يعتقد الباحث الشيعي السيد جعفر مرتضى العاملي والعالم الشيعي في القرن الرابع الهجري أبو القاسم الكوفي، أن رقية وزينب وأم كلثوم لسنَّ بنات الرسول وخديجة، بل هن ربائبه، وألّف جعفر مرتضى كتاب بنات النبي أم ربائبه لهذا السبب".
هذه النكارة تسعى بين الناس بالفتنة والشر منذ ألف عام، وسببها معروف لنا، وهو أن تكون ذريته صلى الله عليه وسلم من السيدة فاطمة فقط ومن الإمام علي بن أبي طالب فقط!
وهؤلاء الذين فعلوا هذه الجريمة النكراء فاتهم أن أولاد وبنات زينب الكبرى ورقية وأم كلثوم، ماتوا في طفولتهم والذي عاش منهم مثل السيدة أمامة بنت زينب ابنة الرسول تزوجت بالإمام علي بن أبي طالب، ولم يكن لها دور في شئون الحكم أو العمل السياسي الذي مزق أمتنا التي جسد عملاقًا متماسكًا، ثم بفعل الفتن والأهواء صارت إلى ما صارت إليه.
إن التلاعب ـ لأي سبب كان ـ بنسب الناس ـ أي ناس كانوا ـ لهو أمر في غاية الخطورة ولهو جريمة من الكبائر، ويكفينا حديث رواه الإمام مسلم عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
وروى الإمام البخاري ومسلم وروى البخاري ومسلم عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار".
وقال الإمام ابن حجر: "إن المراد بالكفر هو كفر النعمة وأن ظاهر اللفظ غير مراد، وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك".
هذه العقوبات للذي ينتسب إلى غير ابيه، فما بالنا بالذي ينسف نسب الناس لهوى في نفسه.
البيت السعيد
كان بيت محمد وخديجة مضرب المثل في السعادة والهدوء والاستقرار، وكانت قريش تتعجب لحال ذلك البيت الذي لا يعرف القلق أو النكد أو الجحود، في هذا البيت وفي ريعان شباب محمد ولدت كريمته رقية، كان الوالد في الثالثة والثلاثين من عمره، وكانت زوجه الجليلة ما تزال تتمتع بصحة الشباب وعنفوانه.
عندما أكرم الله رسولنا بالرسالة الخاتمة كانت رقية في السابعة من عمرها، لقد تمتعت بطفولة نادرة بين أبوين عظيمين ذاقا نعمة الحب ولم يفرطا في بركتها قط.
كانت دولة قريش تعرف من هو محمد بن عبد الله ومن هي زوجه خديجة بنت خويلد، ولذا كان فتيان الدولة وشبابها يتمنون مصاهرة هذه الأسرة الكريمة، فرب الأسرة في الذروة من قريش وربتها كذلك.
هنا تقدم عبد العزى عم الرسول الذي نعرفه بأبي لهب، لكي يطلب رقية لولده عتبة وشقيقتها أم كلثوم لولده عتيبة.
هذا زواج صالونات بالمعنى الحديث أو زواج العشيرة بالمعنى القديم، فأختهما زينب الكبرى فاز بها ابن أخت خديجة فلماذا لا يفوز بنو هاشم بالأختين رقية وأم كلثوم.
وفي هذا الزواج مشكلة تنبهت إليها الأستاذة عائشة عبد الرحمن، رحمها الله، أم عتبة وعتيبة هى أروى بنت حرب، أخت رئيس دولة قريش أبو سفيان بن حرب، نحن نعرفها بأم جميل حمالة الحطب.
هذه المرأة، لا تحب عشيرة زوجها، بنو هاشم، هى أموية حتى النخاع، وبين العشيرتين ما بينهما من صراع بلغ حد العداوة، ثم هى لا تحب السيدة خديجة، فخديجة مثال لما نطلق عليه الآن مجتمع الهوانم، سيدة جميلة رقيقة ثرية هادئة متعلمة حكيمة، وأروى على العكس من كل ذلك، قوية حادة الطباع سليطة اللسان لا ترى سوى أنفها الذي تشمخ به.
ابنتا خديجة ستكونان تحت سيطرتها، تستطيع التنكيل بهما متى أرادت!
بداية الحرب
تم الزواج الذي تؤكد الأستاذة عائشة عبد الرحمن أنه تم في هدوء وغاب عنه السرور الذي كان ظاهرًا ومسيطرًا على أحداث زواج زينب الكبرى بأبي العاص بن الربيع.
كانت بنات النبي وأمهن السيدة خديجة أول من أسلم، ثم نزل قوله تعالى: "وأنذر عشيرتك الأقربين". فقامت قيامة قريش.
عن ابن عباس عليهما الرضوان قال: "صعد النبي على الصفا فجعل ينادي:" يا بني فهر، يا بني عدي - لبطون قريش - حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال الرسول: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟
في بدء الأمر كان عبد العزى "أبو لهب" يحب محمد بن عبد الله، ولكن عندما أصبح رسولًا كرهه أبو لهب أشد الكره.
كأن أبو لهب كان يعرف ما بعد الدعوة إلى التوحيد، سيدعو محمد إلى المساواة فيصبح أبو لهب سيد قريش مثله مثل بلال بن رباح، العبد الحبشي!
وسيدعو محمد إلى المكارم فلا زنا ولا سرقة ولا عدوان ولا ربا ولا خمر ولا جشع ولا أنانية، فلو ترك أبو لهب وسادات قريش كل هذا فماذا سيبقى لهم من مظاهر السيادة وهم القوم الذين يفعل الواحد منهم ما أردا متى أراد وكيف أراد؟
أم جميل الحقود دعت والدها عتبة وعتيبة إلى تطليق ابنتي محمد، فعادت رقية وشقيقتها إلى بيت أمهما ووالدهما.
عتبة طلق رقية في هدوء أما عتيبة فله موقف شائن سنرويه في موضعه عن الحديث عن السيدة أم كلثوم.
الهجرة الأولى
بعد طلاق السيدة رقية، تزوجها الكريم الحسيب النسيب عثمان بن عفان، ولكن حرب قريش لم تهدأ فقد نزلت سورة المسد:" تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَب وَتَبَّ (1) مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (2) سيصطلي نَارا ذَاتَ لَهَب (3) وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبۡل مِّن مَّسَدِۭ (5)".
جن جنون قريش، فهذا هجاء صريح لسيد من ساداتها ولسيدة من سيداتها.
لماذا لم ينسف أبو لهب الرسالة كلها ويكذب القرآن كله، بأن يصيح: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله؟
يا رجل إنه القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لقد اختار أبو لهب وزوجه الكفر وما كانا لهما أن يعرفا الهداية والتوحيد.
تعاظم أذى قريش للرسول ولصحابته، فأشار الرسول على جماعة من أصحابه بالهجرة إلى الحبشة حيث النجاشي الملك الذي لا يظلم عنده أحد.
هاجرت السيدة رقية بصحبة زوجها سيدنا عثمان، لقد تركت الأم والأب والشقيقات لتحتفظ بدينها.
في سنوات الهجرة الشاقة ولدت السيدة رقية ولدها "عبد الله" فخفف مولده بعض أحزانها، ثم سمع المهاجرون كلامًا عن إسلام قريش ففرحوا، فعاد بعضهم إلى مكة، وكان من العائدين عثمان ورقية.
عندما دخل العائدون أرض مكة، شاهدوا الحقيقة المرة، قريش كما هى بل تشتد في عداوتها، والمسلمون قلة تعذبهم قريش بشتى أصناف العذاب، وقد يصل التعذيب إلى القتل.
الهجرة ثانية
كانت قريش تحاصر المسلمين أشد الحصار وكان أبو لهب يشن حرب تجويع على المسلمين، فيقول للتجار: "يا معشر التجار، غالوا على أصحاب محمد، حتى لا يدركوا مما معكم شيئًا، فقد علمتم نالي ووفاء ذمتي ، فأنا ضامن ألا خسار عليكم".
أما أم جميل فقد أتَتْ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو جالِسُّ في الْمَسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكرٍ الصديق، وفي يدها فِهْرٌ - يعني: حجَرًا مستطيلاً - فلمَّا وقفَتْ عليهما أخَذ الله بِبَصرِها عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا ترى إلاَّ أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحِبُك؟ قد بلغَنِي أنَّه يَهْجوني، والله لو وجدْتُه لضرَبْتُ بِهذا الفِهْر فاه، أمَا والله إنِّي لَشاعرة، ثم قالت: "مُذَمَّمًا عصَيْنا، وأمْرَهُ أبَيْنا، ودِينَه قَلَيْنا"، ثُمَّ انصرفَتْ، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أمَا تراها رأَتْك؟ فقال: "ما رأتْنِي؛ لقد أخذ الله بِبَصرها عنِّي".
وكانت تَحْمل الشَّوك، وتضَعُه في طريق النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى بابه ليلاً، وكانت امرأةً سليطةً تبسط فيه لسانَها، وتطيل عليه الافتراءَ والدسَّ، وتؤجِّج نار الفِتْنة، وتثير حربًا شعواءَ على النبِيِّ.
والحال كما نرى، عاد المسلمون إلى الهجرة، ولكن إلى يثرب هذه المرة، فهاجرت رقية مع زوجها عثمان ابن عفان.
هذه السيدة العظيمة قدرها هو الاغتراب، مرة إلى الحبشة ومرة إلى يثرب التي ستصبح المدينة المنورة زادها الله تشريفًا وتكريمًا.
وجع الوحدة
كانت الأم العظيمة خديجة قد رحلت، وكان الأب العظيم لا يكاد يجد ساعة من زمان ليريح جسده، إنه يبني دولة الإسلام ويحارب على كل الجهات، فبعد أن كانت حربه مع قريش فقط، زاد الأعداء، فهناك المنافقون في المدينة بقيادة عبد الله بن أبي بن سلول، ويهود يثرب الذين يخونون كل عهد وميثاق.
في تلك الايام العصيبة مات ابن رقية، لقد مات عبد الله وله من العمر ست سنوات.
ثم حدثت المواجهة الكبرى بين قريش وبين الإسلام، إنها معركة بدر الكبرى.
سمع عثمان النفير العام، ولكن زوجه الحبيبة كانت في أشد حالات المرض، قيل مرضت حزنًا على رحيل وحيدها، وقيل هاجمتها الحصبة، كانت لا تقوى على الحركة، فمكث عثمان يمرضها ولم يشارك في المواجهة المسلحة.
سبحان الله، أين الفرح الغامر في حياة السيدة رقية؟
باستعراض حياتها الكريمة القصيرة فقد رحلت في ريعان شبابها وهي فوق العشرين بقليل، لن نجد الفرح إلا في سنوات الطفولة ثم فرحة الإسلام وحلاوة التوحيد، غير ذلك فالسيدة في عناء متواصل، بداية من مكائد حماتها القديمة حمالة الحطب وصولًا إلى موت وحيدها وأمها.
في نشوة الانتصار العظيم الذي حققه المسلمون على قوات قريش، فاضت روحها الطاهرة.
عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر فعلم بموت ابنته رقية، فذهب إلى قبرها ووقف عليه ودعا لها بالرحمة والمغفرة.
وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آلة الأطهار.