الداخلية توسع مظلة العدالة الإصلاحية
السبت، 25 مارس 2023 09:00 مدينا الحسينى
ارتفاع عدد مراكز الإصلاح والتأهيل إلى 5 وغلق 27 سجنا قديما
استغلال القيمة السوقية لأراضي السجون المغلقة فى انشاء المراكز الجديدة.. والبرلمان العربى يضع التجربة المصرية ايقونة "دليل السجون بالدول العربية"
الثلاثاء الماضى أعلنت وزارة الداخلية بدء التشغيل التجريبي لثلاث مراكز للإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان بمحافظة بالشرقية، وأخميم الجديدة بمحافظة سوهاج، و15 مايو بمحافظة القاهرة، كبديل لعدد من السجون، لتنتهى بذلك المرحلة الثانية من خطة انشاء مراكز متقدمة للإصلاح والتأهيل، ليصل عدد المراكز فى المرحلتين الاولى والثانية إلى خمسة، حيث شملت المرحلة الاولى افتتاح مركزى وادى النطرون وبدر نهاية 2021.
هذه المراكز التى تأتي استكمالا للاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان، تعبر أيضلً بشكل واقعى عن تغيير مفهوم السياسة العقابية فى مصر إلى مفهوم العدالة الاصلاحية، من خلال إعادة شخصية المحكوم عليه ودمجهم فى المجتمع بعد الافراج عنهم، فالأمر لم يقف عند التحولات الشكلية بتغيير بعض المسميات مثل السجون الى مركز اصلاح وتأهيل، والسجين يصبح نزيل، بل ان الخطة الجديدة تعتمد فلسفة نسف الفكر والمعتقد القديم عن السجون ووضع فلسفة عقابية جديدة تتناسب مع الرؤية المصرية لمسألة العقاب، التى راعت المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وزادت عليها بأن حولت المراكز الجديدة إلى اماكن لتدريب وتأهيل النزلاء نفسيا، ويكونوا قادرين على الاندماج فى المجتمع بعد انقضاء العقوبة، ولديهم ايضا مصدر للدخل يساعدهم على تحمل متاعب الحياة، وعدم العودة مرة أخرى الى طريق الجريمة.
هذه الفلسفة العقابية التى تنتهجها الدولة المصرية وتعتمد على استبدال مراكز الاحتجاز الاعتيادية بتشييد مراكز تأهيل واصلاح جديدة، أصبحت نموذجا لدول أخرى ترغب فى الاستفادة من التحريك المصرية فى هذا الاطار، وهو ما أكده على سبيل المثال عادل العسومى، رئيس البرلمان العربى الذى كشف عن اعداد البرلمان العربى دليل لتحديث وتطوير منظومة السجون بالدول العربية، مؤكدا ان التجربة المصرية ستكون هى الايقونة الرئيسية لهذا الدليل.
وبإتمام المرحلة الثانية من عملية انشاء مراكز الاصلاح والتأهيل يكون قد تم رسميا اغلاق 27 سجنا قديما فى المحافظات، حيث شملت المرحلة الاولى اغلاق 12 سجنا، فيما تم اغلاق 15 سجنا فى المرحلة الثانية.
وربما يتبادر الى الاذهان هنا سؤال.. ما مصير السجون التى تم اغلاقها؟.. الاجابة على هذا السؤال رصدتها "صوت الامة" من خلال متابعة دقيقة لما حدث فى السجون المغلقة، ففور اعلان اغلاق هذه السجون تم الشروع فى هدمها وتسليمها إلى الصندوق السيادي لتحقيق اقصى استفادة استثمارية من قيمة الارض المقامة عليها، وفق القيمة السوقية، اخذاً فى الاعتبار ان غالبية هذه السجون كانت متواجدة وسط كتل سكانية فى العديد من المدن وعواصم المحافظات، وتتمتع اراضيها بقيمة استثمارية عالية، وهنا تبرز أحد الاوجه الايجابية لمسألة اغلاق السجون التقليدية والانتقال بالمحكوم عليهم إلى مراكز للإصلاح والتأهيل، وهو القيمة الاقتصادية، فتكلفة المراكز الجديدة يتم تغطيتها بالكامل من قيمة اراضى السجون القديمة التى تحظى بقيم استثمارية عالية.
والثلاثاء الماضى شاركت "صوت الامة" فى الجولة التى نظمتها وزارة الداخلية داخل مركز الاصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان بعد افتتاحه التجريبي، بحضور اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، وعدد من الوزراء وكبار المسئولين، وأعضاء المجالس النيابية، والبعثات الدبلوماسية، والمنظمات الحقوقية والمعنيين بحقوق الإنسان، ووسائل الإعلام الوطنية والدولية، وحشد من الفنانين؛ للاطلاع على ملامح التجربة المصرية الرائدة في مجال تطوير منظومة التنفيذ العقابي، من خلال مراكز الإصلاح والتأهيل.
ووفقا لما أكده اللواء طارق مرزوق مساعد لوزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية، فإنه تم انجاز مراكز إصلاح وتأهيل العاشر من رمضان و 15مايو وأخميم بسوهاج، عبر جهود مخلصة وفى فترة زمنية قياسية، إنفاذاً لثوابت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، واستكمالا للخطة الطموحة التى أعدتها وزارة الداخلية، باستبدال أماكن الاحتجاز التقليدية، بتشييد مراكز للإصلاح، تعد نموذجاً تأهيلياً وإنتاجياً متكاملاً، وفقاً للمواصفات والمقاييس العالمية، الأمر الذى كان موضع اهتمام وإشادة منظمات دولية وإقليمية معتمدة.
وترتكز خطط إعادة التأهيل على برامج متكاملة تعتمد على إنشاء سجل لكل نزيل يتضمن بحثاً شاملاً عن حالته من النواحي الاجتماعية والنفسية وما يطرأ عليها من متغيرات، مع مراعاة الاحتفاظ بالسرية التامة لتلك الأبحاث، فى إطار حماية سرية البيانات، فضلاً عن دراسة شخصية النزيل دراسة شاملة لمعرفة ميوله واتجاهاته، تمهيداً لتحديد الأسلوب الملائم لتقويم سلوكه ومفاهيمه، بالاستعانة بخبراء علم النفس والاجتماع وعلماء الدين، بما يؤهله للتآلف مع المجتمع بصورة إيجابية عقب الإفراج عنه.
ويلاحظ أن عملية تطوير منظومة العمل بالمؤسسات العقابية تتسم بإدارتها بشكل علمى يحقق أهدافها فى رعاية وتأهيل النزيل وصون كرامته الإنسانية، دون الإخلال بالثوابت الأمنية داخلها، حيث تتضمن أبرز برامج إعادة التأهيل والإصلاح التعليم وتصحيح المفاهيم والأفكار وضبط السلوكيات وتعميق القيم والأخلاقيات وتوظيف الطاقات فى المهن والحرف المتوافرة داخل المراكز، فضلاً عن ممارسة الأنشطة الرياضية المتنوعة.
ولا تكتفى هذه المراكز على فترة العقوبة فقط، لكنها تأخذ مفهوما اوسع يعتمد فى الاساس إعادة صياغة شخصية المحكوم عليهم وتأهيلهم لإعادة الاندماج بصورة إيجابية مع المجتمع، عقب انقضاء مدة العقوبة، لذلك تم استحداث برامج علمية مدروسة لتنمية المواهب وتنوعها ورفع المستوى الثقافى وإتاحة الفرصة للنزلاء لإطلاق طاقاتهم الإبداعية فى مجالات الفنون المختلفة، ومنها الرسم والنحت والموسيقى، بما ساهم بشكل ملحوظ فى الارتقاء بالمستوى السلوكى والأخلاقى للنزلاء وتعزيز القيم الإيجابية لديهم.
وأكد مساعد وزير الداخلية ان قطاع الحماية المجتمعية يحرص على تقديم أوجه الرعاية الطبية للنزلاء بمستوى متميز، عبر إجراء مسح طبى شامل لهم، للتأكد من خلوهم من الأمراض المزمنة، فضلاً عن تقديم كافة سبل الرعاية الصحية لذوى الإعاقة، وتزويد المرافق والمنشآت بأحدث الأجهزة المناسبة للتعامل مع إعاقتهم، وقال: "أثبتت التجربة بعد مرور عام ومن خلال المؤشرات الإحصائية والدلائل الرقمية، نجاح برامج الإصلاح التى تم تطبيقها فى تحقيق نتائج متميزة فى إعادة تقويم شخصية النزيل وتحصينه من الإنحراف مرة أخرى، بمعدلات فاقت المتوقع لها الأمر، الذي يؤكد أننا نسير على الطريق الصحيح".
الملاحظ ايضا فى المراكز الخمسة التى تم افتتاحها حتى الآن انها تتيح التوزيع الجغرافى المتوازن لأماكن الاحتجاز، بما يكفل الاستجابة الإنسانية لمتطلبات أسر النزلاء فى تيسير زياراتهم لذويهم من المحكوم عليهم.
وتحدث اللواء طارق مرزوق مساعد لوزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية عن تطوير منظومة الرعاية الصحية المقدمة للنزلاء، وقال إن المراكز الطبية المتكاملة والمجهزة بأحدث التجهيزات الطبية بمركزى إصلاح وتأهيل وادى النطرون وبدر ساهمت فى تقديم العديد من الخدمات الطبية سواء الوقائية أو التشخيصية أو العلاجية؛ حيث تم إجراء 1270 عملية جراحية خلال 2022، منها عمليات ذات مهارة خاصة تم إجراؤها بمعرفة أطباء قطاع الحماية المجتمعية، مع الاستعانة باستشاريين فى التخصصات الطبية الدقيقة، بالإضافة لإجراء 27088 تحليل وأشعة مختلفة خلال ذات الفترة، كما روعى إنشاء وحدات طبية مركزية متخصصة فى تلك المراكز، منها وحدة جراحة المخ والأعصاب وجراحة القلب والصدر بالمركز الطبى بوادى النطرون، ووحدة صحة المرأة بالمركز الطبى ببدر، ووحدة للعناية بالحروق بالمركز الطبى بــ 15مايو، ووحدة الأورام وتجهيز العلاج الكيماوى بأخميم بسوهاج، وكذا وحدة للأمراض المعدية والمتوطنة بطاقة استيعابية 13 سريرا بالمركز الطبى بالعاشر من رمضان؛ وذلك بهدف توفير أفضل خدمة طبية متكاملة للنزلاء .
وتشهد هذه المراكز استحداث مشروعات إنتاجية جديدة صناعية وحيوانية وداجنة وزراعية، لتحقيق منظومة إنتاجية متكاملة، تسهم فى تلبية إحتياجات مراكز الإصلاح وتوفير مصدر دخل للنزيل ومنحه حرية التصرف فيه، فضلاً عن طرح تلك المنتجات عبر منافذ قطاع الحماية المجتمعية بأسعار مخفضة.
السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان، علقت على مراكز الإصلاح التأهيل بقولها إنها تتفق مع المعايير العالمية في مجال حقوق الانسان، وتأتي انعكاسا لرؤية الرئيس السيسي، بأن من يحرم من حريته لقضاء عقوبة، يجب الا يعاقب على جرمه مرتين، لكن لابد أن يتمتع بكافة حقوقه داخل المؤسسات العقابية، وفقا لما كفله له الدستور والقانون.
كما قالت نائب المدير الاقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة المنظمة ميرنا بوحبيب، أن مراكز الاصلاح والتأهيل التي تم تشييدها مؤخرا، اعد نموذجا رائعا لتأهيل السجناء، وتعكس رؤية واضحة من الدولة في مجال الاهتمام بحقوق الانسان.
وأشار مساعد وزير الخارجية السفير خالد البقلي، إلى ان افتتاح مراكز الاصلاح والتأهيل، يؤكد احترام وزارة الداخلية بثقافة حقوق الانسان، وعدم اكتفاءها بتغيير المسميات فقط من قطاع مصلحة السجون الى قطاع الرعاية المجتمعية، والسجون الى مراكز الاصلاح والتأهيل، والسجناء الى نزلاء، بل تغيير الفلسفة العقابية الى أحدث الاساليب والبرامج التي تضمن اعادة دمج النزلاء في المجتمع.
وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب طارق رضوان، إن وزارة الداخلية بادرت باعتماد برامج اصلاح وتأهيل متطورة تتواكب مع المعايير الدولية وتتسق مع مبادئ حقوق الانسان على المستوى الدولي، معربا عن شكره لوزارة الداخلية لجهودها الكبيرة في مجال اعلاء قيم وثقافة حقوق الانسان.