بنات الرسول "1-4".. زينب الكبرى.. سيدة الحب المتوجة

السبت، 25 مارس 2023 08:37 م
بنات الرسول "1-4"..  زينب الكبرى.. سيدة الحب المتوجة
حمدي عبد الرحيم

 
عرفت الحب من سيرة أمها وعاشت مع زوجها ابن خالتها وتحملت صابرة كارثة المواجهة بين والدها وزوجها
في لحظة قاسية تخلت عن قلادة أمها لتفتدي زوجها.. وفقدت جنينها وهى في طريقها للهجرة
 
 
قبل أن قوله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا". كان الله عز وجل برحمته ولطفه قد هيأ وأعد أهل البيت عليهم جميعًا السلام، ليوم الامتحان الأكبر والأصعب، يوم أن يقول لهم رب الأسرة: أنا محمد بن عبد الله رسول من رب العالمين.
 
عندما تزوجت الأم المباركة خديجة بالأب العظيم محمد، لم يكن يجمع بينهما سوى الحب والانتساب لصفوة قريش، غير ذلك لا يوجد شيء يجمع بين ثرية مترفة ذات تجارب عظيمة في الحياة، وشاب وسيم فقير أمين صادق وشريف.
 
أولاد وبنات النبي كانوا ثمرة الحب ولا شيء غيره، لقد طهرهم الله بالحب قبل الإسلام وبعده، الحب مأكلهم ومشربهم، لا يعرفون الحقد ولا الضغينة ولا الحسد، إنهم ثمار الحب العبقري الذي ربط بين أمهم الجليلة ووالدهم العظيم.
ثمرة الحب
ولدت السيدة زينب قبل نزول الوحي على والدها بعشر سنوات، كان الوالد في عنفوان شبابه وكذا كانت الأم، فذاقت زينب الحب مع حليب الرضاعة.
كبرت زينب، ويجمع المؤرخون على كونها جميلة، بل ربما كانت أجمل أخواتها.
في صباها ظهر ابن خالتها الحبيبة هالة بنت خويلد، إنه الشاب الوسيم التاجر الثري، أبو العاص، واسمه كاملًا هو: أبو العاص لقيط بن الربيع بن عبد العُزّى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، العبشي القرشي الكناني.
وهذا يعني أنه ابن عم للرسول، فهما يلتقيان في الجد عبد مناف، ثم هو ابن الخالة الحبيبة.
عندما راهقت زينب، بدأ شبان قريش يلتفتون إليها، فهي صبية مليحة وهى ابنة محمد وخديجة، وهى هاشمية في الذروة من قريش.
أبو العاص خاف من المنافسة فهرع إلى خالته السيدة خديجة لكي تمهد له الطريق وترفع عنه حرج طلب يد زينب من والدها.
قبلت زينب بابن خالتها زوجًا وقبل والدها ووالدتها به صهرًا كريمًا.
أقامت زينب معززة مكرمة في بيت زوجها، وإن كانت تكثر من زيارة بيت والدها لكي تساهم في تربية أخواتها الصغيرات أم كلثوم ورقية وفاطمة.
لاحظت زينب أن والدها الحبيب يكثر من الاختلاء بنفسه في غار حراء، ولكنها لاحظت رضا أمها عن سلوك والدها، ثم في سفر لزوجها، عاد والدها من الغار خائفًا مرتعشًا طالبًا الغطاء ليخبر أهل بيته بنزول الوحي عليه وبأنه قد أصبح رسول رب العالمين.
ماذا هذا الاختبار الصعب القاسي؟
أهل البيت أهل الحب، سارعوا جميعًا بإعلان إسلامهم، بدأت السيدة خديجة بأن قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
هذه الكلمة البسيطة كانت سببًا كافيًا لكي تقتل دولة قريش المتلفظ بها.
البنات كن مع أمهن وكذا ربيب الرسول الإمام علي وكذا صاحبه زيد بن حارثة وصديق عمره أبو بكر الصديق، هؤلاء كانوا أول المسلمين وأول المؤمنين برسالة محمد.
عاد أبو العاص من سفره فأخبرته زوجته بخبر والدها، وأبلغته بأنها قد أسلمت لله رب العالمين.
أبو العاص رجل عاقل، تاجر يعرف الدنيا وثري يعرف الترف وشريف يعرف الشرفاء، هو لم يجرب على حماه وابن عمه كذبًا، وهو يحب زوجته الحب كله، لكن الأمر أمر عقيدة، هل يلحق بزوجته وحماه فتعيره قريش بأنه تابع لرأي زوجته أم يظل على التزامه بدين قريش الذي لا يعرف غيره؟
قالت له زوجته وهى تدعوه للإسلام: لقد صدق أبي ابن عمك عثمان بن عفان وابن خالك الزبير بن العوام، ونسابة قريش أبو بكر بن أبي قحافة.
سكت ولم يرد بكلمة.
حانت المواجهة
ثم حدثت المواجهة الوحشية الدامية، فقد قررت قريش عقاب المسلمين وحصارهم في شعب أبي طالب.
ولنتخيل معًا حال زينب، والدها ووالدتها وأخواتها وكل الذين أمنوا برسالة والدها في قبضة الحصار، وهى بعيدة عنهم لأن الحصار لم يشملها فهى زوجة لواحد من المتلزمين بعبادة أصنام قريش.
بعد ثلاث سنوات من الحصار المتوحش المميت، فقد المسلمون أكبر الداعمين، لقد رحل أبو طالب المدافع الأول عن الرسول، وبعده بثلاثة أيام فقد المسلمون وزيرتهم الأولى وداعمتهم الأولى أم المؤمنين خديجة علها السلام.
لم تستسلم زينب لأحزانها، وحاولت مع زوجها كثيرًا، ولكنه لم يستجب، كان يسكت في لطف، لم يعنفها قط ولم يحاول ردها عن دينها الجديد ولكنه لم يقل بالتوحيد قط.
ولدت زينب لأبي العاص ولدهما علي ثم ابنتهما أمامة، الولد وشقيقته هونا شيئًا من اضطراب الأحوال، فالأب محمد صلى الله عليه وسلم في طريق، والزوج في طريق معاكس، ولكن ظل الحب يربط بينها وبين زوجها، ومن الواضح أنه كان حبًا عميقًا جدًا وراسخًا جدًا حتى أنه وقف في وجه انهيار طبيعي يحدث بين المختلفين في العقائد.
جاءت الطامة الكبرى وخرج الزوج لحرب صهره وحماه، أبو العاص الآن مع قوات قريش في معركة بدر الكبرى.
كيف قلب زينب الآن؟
زوجها وأبو أولادها في مواجهة والدها، إن انتصر الأب ترملت وإن خسر الأب تيتمت.
بفضله تعالى فاز الأب ولم يقتل الزوج، لقد وقع في قبضة المسلمين حيًا.
كانت قريش تدفع فدية ليعود لها أولادها، وكانت تبالغ في دفع الفدية في الدلالة على عظمتها وكثرة مالها.
القلادة الحبيبة
زينب تعرف رقة قلب والدها وتعرف الطريق إلى قلبه ولذا بعثت في فداء زوجا بقلادة، مجرد قلادة.
عندما وقعت القلادة بين يدي الرسول، عرفها، إنها قلادة حبيبته العظيمة خديجة كانت قد أهدتها إلى زينب يوم عرسها.
هل أمطرت عينا الرسول دموع الحنان والذكريات؟
ولأنه الرسول القائد فلم يستبد بالقرار لقد نظر إلى أصحابه وأركان جيشه قائلًا: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا إن شئتم".
ولأن أركان جيشه كرماء فقد ردوا قائلين: "نعم يا رسول الله".
تم تحريرالزوج وإرجاع القلادة العزيزة إلى السيدة زينب.
للحق كان يجب أن يعلن أبو العاص إسلامه، في تلك الايام على وجه التحديد، ولكنها إرادة الله.
لم تستسلم قريش لهزيمتها العسكرية الساحقة، فقد وسوس لها شيطانها بأن تشغل محمد ببناته، فقامت بتخريب بيتي ابنتيه أم كلثوم ورقية وقررت طرد زينب لتلحق بوالدها في أرض الهجرة.
جاء قرار الطرد بعد أن رفض أبو العاص تطليق زوجته، فهو يحبها ولم يرى منها إلا كل خير.
كارثة الإجهاض
مكرهًا وافق أبو العاص على مغادرة زوجته مكة لتذهب إلى المدينة، كان القرار صعبًا وكانت الزوجة تحمل طفلًا ثالثًا.
قال أبو العاص لأخيه كنانة بن الربيع: ستأخذ زينب إلى منطقة "بطن ياجج" وهناك سيقابلك زيد بن حارثة وواحد من المسلمين، سلم لهما زينب وعد.
خرج كنانة بزينب جهارًا نهارًا وهذا غاظ قريشًا وحرك أحقادها، فأرسلت نفرًا لمضايقة زينب وشقيق زوجها.
كان كنانة راميًا لا يشق له غبار فتوعد قريشًا إن هى لمست زينب، خافت منه قريش ولكن أثناء المطاردة، قام شقيان بإسقاط زينب من فوق جملها لتطرح جنينها.
بعد رحلة عناء وشقاء دخلت زينب المدينة، تبكي جنينها وفراق زوجها وتحمد الله على سلامة والدها وأصحابه وأخوتها.
لماذا لم يطلق أبو العاص زوجته؟
لماذا لم يتزوج عليها؟
لماذا لم يعنفها؟
إنه الحب ولا شيء غيره.
الآن زينب في أرض الهجرة وزوجها وحبيبها في ديار الكفر والعناد والأحقاد والضغائن، فكيف سيكون جمع الشمل؟
أهل المحبة
خرج أبو العاص في تجارة لقريش وفي طريق عودته تصدى له جماعة من المسلمين يقودهم زيد بن حارثة الذي تعرفه زينب أخًا لها وذلك قبل أن يبطل الله التبني في الإسلام.
ظفرت جماعة زيد بكل القافلة، ومات نفر من قريش وهرب آخرون.
في قلب الليل سمعت زنيب طرقًا على بابها، فتحت فرأت زوجها الحبيب، سألته بفرحة غامرة: هل جئت مسلمًا؟
رد: بل جئت هاربًا.
قص عليها قصة المواجهة مع زيد بن حارثة.
كانت زينب تعلم أن زوجها قد أصبح مطاردًا من قبل قوات المسلمين، فخرجت إلى المسجد النبوي، كان والدها والمسلمون يؤدون صلاة الفجر، صاحت بأعلى صوتها: أنا أجرت العاص بن الربيع.
بعد الصلاة قال الرسول للمسلمين: لقد سمعتم ما سمعت.
قال الكرماء أهل المحبة والحب: لزينب ما تريد.
قرأتُ في ترجمة السيدة زينب بقلم الجليلة بنت الشاطئ عليها الرضوان، أن الرسول قال لأصحابه مشيرًا لأبي العاص: "إن هذا الرجل منا، حيث قد علمتم، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنّا نحب ذلك، وإن أبيتم، فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فأنتم أحق به".
رد الكرماء قائلين: "يا رسول الله، بل نرد عليه ماله".
الجليلة بنت الشاطئ تنقل عن أمهات الكتب المعتبرة، فلا يظنن أحد أن في الأمر مجاملة لكرماء المسلمين.
بعد كل هذا الكرم هل أسلم أبو العاص؟
لا، لم يسلم.
عاد بقافلته كاملة إلى قريش، وأدى لكل ذي مال ماله، ثم صاح: "هل بقى لأحد منكم عندي مال؟"
قالوا جميعًا: "لا، قد وجدناك وفيًا كريمًا".
هنا باغت الجميع، فقد قال: "وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. والله ما منعني من الإسلام إلا تخوف أن تظنوا أني أريد آكل أموالكم".
عاد أبو العاص إلى المدينة المنورة، لقد عاد مسلمًا مؤمنًا بالله ورسوله، والعلماء على فريقين في خبر عودته لزوجته: فريق يقول: إن الرسول قد عقد له عقدًا جديدًا لأن الإسلام فرق بين المسلمة والمشرك. والفريق الآخر يقول: لقد أقر الرسول العقد الأول.
الذي يهمنا هنا أن أبا العاص قد عاد لزوجته ولولده علي وابنته أمامة.
نعم الزوجان قليلًا بثمار حبهما ثم تجددت متاعب الاجهاض على السيدة زينب فسقطت مريضة وفاضت روحها الطاهرة في العام السابع من الهجرة الشريفة، لقد ماتت وهى في ريعان شبابها.
ثم مات على أصح الروايات ولدها علي، وبقي أبو العاص يرعى حبه لزوجته الراحلة ويرعى كريمته أمامه.
ثم قبض رسولنا الكريم وجاء حكم الصديق وفي العام الحادي عشر أو الثاني عشر من الهجرة لحق أبو العاص بحبيبته، وبقيت أمامة التي تزوجت الإمام علي بن ابي طالب بعد رحيل خالتها السيدة فاطمة.
وعاشت مع الإمام حتى لقي ربه شهيدًا، وقالوا إنها قد ولدت له ولده محمد الأوسط!
وقالوا إنها بعد رحيل الإمام قد تزوجت المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
وقالوا أنها ولدت له ولدًا يدعى يحيي.
الأستاذة بنت الشاطئ تشك في صحة تلك المرويات، وتختم كتابها عن السيدة زينب بقولها: "بموت عليّ وأمامة انقطع عقب زينب الكبرى".
وأختم مقالي هذا: انقطع العقب وبقي الحب، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق