يوسف أيوب يكتب: كيف نجحت مصر في القضاء على الإرهاب؟
السبت، 25 فبراير 2023 10:00 م
- المواجهة الفكرية والتنمية الاقتصادية والتنسيق الدولى لاجتثاث الشبكات الإرهابية وملاذاتها الآمنة ومنع تحركات الإرهابيين عبر الحدود
الأسبوع الماضى، شهدت العاصمة الهندية «نيودلهي» الدورة الثالثة لمجموعة العمل المشتركة المصرية الهندية لمكافحة الإرهاب، التي انتهت إلى التأكيد على موقف البلدين الثابت فيما يتعلق بإدانة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وضرورة التزام كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة باحترام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالامتناع عن تقديم أي من أشكال المساعدة للعناصر الإرهابية، بما في ذلك توفير المأوى أو السلاح أو الدعم اللوجيستي أو تيسير انتقال تلك العناصر عبر الحدود.
الاجتماع وفقاً لما أكدته وزارة الخارجية، تضمن استعراضا للتجارب الوطنية في مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث اتفق الجانبان على أهمية مواجهة الإرهاب من خلال مقاربة شاملة ومتكاملة تعالج جذوره، تشمل الأبعاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، كما تم تبادل وجهات النظر بخصوص أبرز التهديدات الإرهابية على المستويين الإقليمي والدولي، وسبل مجابهة استغلال الجماعات الإرهابية لاستخدامات التكنولوجيا الحديثة في تجنيد الكوادر والترويج للخطاب المتطرف وتوفير التمويل اللازم لها، وقد اتفق الجانبان خلال الاجتماع على أهمية مواصلة التنسيق على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، وتبادل الخبرات والدروس المستفادة فيما يتعلق بمكافحة التطرف والتهديدات الإرهابية؛ بما يعزز من الجهود الوطنية.
هذا الاجتماع جاء بعد شهر تقريباً من الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الهند، تلبيةً لدعوة ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند، والتي شهدت في ختامها إصدار بيان مشترك، ضمن ما جاء به تحت عنوان "مُكافحة التطرف والإرهاب": أعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء ناريندرا مودي عن قلقهما من انتشار الإرهاب في جميع أنحاء العالم، واتفقا على أنه يُشكل أحد أخطر التهديدات الأمنية للإنسانية. ودان الزعيمان استخدام الإرهاب كأداة للسياسة الخارجية، داعين إلى عدم التسامح مُطلقًا مع الإرهاب وجميع من يشجعونه ويدعمونه ويمولونه أو من يوفرون ملاذات للإرهابيين والجماعات الإرهابية، مهما كانت دوافعهم. وشددا على الحاجة إلى قيام المُجتمع الدولي بتنسيق العمل بهدف القضاء على الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، بما في ذلك الإرهاب العابر للحدود. وكررا إدانتهما لكافة جهود استخدام الدين – من قِبَل دول أو جماعات – لتبرير أو دعم أو رعاية الإرهاب ضد دول أخرى. ودعا الزعيمان جميع الدول إلى العمل على اجتثاث الشبكات الإرهابية وملاذاتها الآمنة والقضاء على بنيتها التحتية وقنوات تمويلها ومنع تحركات الإرهابيين عبر الحدود.
وأضاف البيان: كرر الزعيمان عزمهما المُشترك على تعزيز قيم السلام والتسامح والشمولية وبذل جهود مُتضافرة لمُكافحة الإرهاب والأيديولوجيات التي تحض على العنف والتطرف. وشددا على الحاجة إلى نهج شامل لمُكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، على أن يشتمل – من بين أمور أخرى – على منع استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من قِبَل المراكز الدينية لزرع التطرف بين الشباب وتجنيد الكوادر الإرهابية. واتفقا على الحاجة إلى عقد اللجنة المُشتركة حول مُكافحة الإرهاب على نحو مُنتظم لتبادل المعلومات وأفضل المُمارسات. واتفق الجانبان أيضًا على تعزيز التفاعُل بين مجلسي الأمن القومي في الدولتين.
من نيودلهي إلى القاهرة، حيث حل الأسبوع الماضى شوكت ميرضياييف، رئيس أوزبكستان ضيفاً عليها في أول زيارة يقوم بها للقاهرة، وفى أعقاب مباحثاته مع الرئيس السيسى والتوقيع على عدد من مذكرات التفاهم المشتركة بين البلدين، تم إصدار "بيان مشترك حول تعزيز التعاون الشامل بين جمهورية مصر العربية وجمهورية أوزبكستان"، ضمن ما جاء فيه: "أكّد الرئيسان ضرورة دعم الأمن والاستقرار في أفغانستان، وعدم السماح بوجود ملاذات آمنة للإرهابيين والمتطرفين فيها، وأكدا ضرورة استمرار الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب".
كما جاء في البيان: " أعرب الرئيسان عن قلقهما العميق إزاء انتشار ظاهرة الإرهاب باعتبارها تمثل أحد أخطر التهديدات الأمنية للإنسانية. كما أدان الزعيمان استخدام الدين لتبرير أو دعم أو رعاية الإرهاب. وشددا على أهمية قيام المجتمع الدولي بتنسيق العمل بهدف القضاء على الإرهاب. ودعا الرئيسان إلى العمل على اجتثاث الشبكات الإرهابية وملاذاتها الآمنة والقضاء على بنيتها التحتية وقنوات تمويلها ومنع تحركات الإرهابيين عبر الحدود، ومواجهة محاولات التنظيمات المتطرفة استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لزرع التطرف بين الشباب وتجنيد الكوادر الإرهابية، وأكّدا على أهمية تعزيز التعاون الثنائي بهدف مواجهة تلك المخاطر والتحديات.
وأضاف البيان: أكد الجانب الأوزبكي أهمية الدور الذى تقوم به المؤسسات الدينية المرموقة في مصر؛ وعلى رأسها الأزهر الشريف، في مكافحة الفكر المتطرف ومحاولات ربطه بالدين الإسلامي. كما أعرب عن تقديره لدعوة أوزبكستان للمشاركة في المؤتمرين اللذين استضافتهما جمهورية مصر العربية حول "التطرف الديني: الأساس الفكري والاستراتيجي للتغلب عليه" (7-9 يونيو 2022) و"الفتوى وأهداف التنمية المستدامة" (17-18 أكتوبر 2022). ورحّب الجانبان بتوسيع إطار التعاون بين المؤسسات الدينية في البلدين للعمل على منع انتشار الأفكار المتطرفة، بما في ذلك دراسة تأسيس تعاون بين دار الإفتاء المصرية ومركز الفتوى بإدارة مسلمي بأوزبكستان؛ وتعزيز مشاركة الأئمة والوعاظ الأوزبك في الدورات التدريبية التي تنظمها وزارة الأوقاف المصرية.
بالعودة إلى كلمة الرئيس السيسي أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في الرياض مايو 2017، سيجد أنها أكدت على أن مواجهة خطر الإرهاب واستئصاله من جذوره تتطلب إلى جانب الإجراءات الأمنية والعسكرية، مقاربة شاملة تتضمن الأبعاد السياسية والأيديولوجية والتنموية، محددة أربعة عناصر ضرورية لهذه المجابهة، وهى:
أولاً: إن الحديث عن التصدي للإرهاب على نحو شامل يعني مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز، فلا مجال لاختزال المواجهة في تنظيم أو اثنين، فالتنظيمات الإرهابية تنشط عبر شبكة سرطانية تجمعها روابط متعددة في معظم أنحاء العالم، تشمل الأيديولوجية والتمويل والتنسيق العسكري والمعلوماتي والأمني، ومن هنا فلا مجال لاختصار المواجهة في مسرح عمليات واحد دون آخر، وإنما يقتضي النجاح في استئصال خطر الإرهاب أن نواجه جميع التنظيمات الإرهابية بشكل شامل ومتزامن على جميع الجبهات.
ثانياً: أن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تعني بالضرورة مواجهة كافة أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسي والأيديولوجي، فالإرهابي ليس فقط من يحمل السلاح وإنما أيضا من يدربه ويموله ويسلحه ويوفر له الغطاء السياسي والأيديولوجي.
وتسأل الرئيس في كلمته: أين تتوفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية لتدريب المقاتلين ومعالجة المصابين منهم وإجراء الإحلال والتبديل لعتادهم ومقاتليهم؟ مَن الذي يشتري منهم الموارد الطبيعية التي يسيطرون عليها كالبترول مثلاً؟ مَن الذي يتواطأ معهم عبر تجارة الآثار والمخدرات؟ ومِن أين يحصلون على التبرعات المالية؟ وكيف يتوفر لهم وجود إعلامي عبر وسائل إعلام ارتضت أن تتحول لأبواق دعائية للتنظيمات الإرهابية؟
وأكمل الرئيس بقوله: إن كل مَن يقوم بذلك هو شريكٌ أصيلٌ في الإرهاب، فهناك بكل أسف دولاً تورطت في دعم وتمويل المنظمات الإرهابية وتوفير الملاذات الآمنة لهم، كما أن هناك دولاً تأبى أن تقدم ما لديها من معلومات وقواعد بيانات عن المقاتلين الإرهابيين الأجانب حتى مع الإنتربول.
ثالثاً: القضاء على قدرة تنظيماته على تجنيد مقاتلين جدد من خلال مواجهته بشكل شامل على المستويين الأيديولوجي والفكري، فالمعركة ضد الإرهاب هي معركة فكرية بامتياز، والمواجهة الناجحة للتنظيمات الإرهابية يجب أن تتضمن شل قدرتها على التجنيد واجتذاب المتعاطفين بتفسيراتٍ مشوهة لتعاليم الأديان تُخرجُها عن مقاصدها السمحة وتنحرف بها لتحقيق أغراض سياسية.
وأشار الرئيس ضمن هذا العنصر إلى مبادرته لتصويب الخطاب الديني، بحيث يُفضي ذلك لثورة فكرية شاملة تُظهر الجوهر الأصيل للدين الإسلامي السمح، وتواجه محاولات اختطاف الدين ومصادرته لصالح تفسيراتٍ خاطئة وذرائع لتبرير جرائم لا مكان لها في عقيدتنا وتعاليم ديننا، مؤكداً متابعته لتنفيذ المبادرة مع المؤسسات الدينية العريقة في مصر وعلى رأسها الأزهر الشريف، بما يمثله من مرجعية للإسلام الوسطى المعتدل وبالتعاون مع قادة الفكر والرأي في العالمين العربي والإسلامي، مشدداً على أن هذا الجانب لا يقل أهمية عن المواجهات الميدانية لاستئصال التنظيمات الإرهابية.
رابعاً: لا مفر من الاعتراف بأن الشرط الضروري الذي يوفر البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية، هو تفكك وزعزعة استقرار مؤسسات الدولة الوطنية في منطقتنا العربية، مؤكداً على أن ملء الفراغ الذي ينمو وينتشر فيه الإرهاب يستلزم بذل كل الجهد من أجل استعادة وتعزيز وحدة واستقلال وكفاءة مؤسسات الدولة الوطنية في العالم العربي، بما في ذلك تلبية تطلعات وإرادة الشعوب نحو النهوض بالدولة من خلال تكريس مسيرة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والوفاء بمعايير الحكم الرشيد واحترام حقوق الانسان وترسيخ مفاهيم دولة القانون والمواطنة واحترام المرأة وتمكين الشباب.
السؤال الذى يتبادر إلى الذهن اليوم، لماذا هذا الربط، وما علاقة ما صدر عن بيان مشترك مصري هندى، أو مصري أوزباكستانى، بكلمة الرئيس السيسى في 2017.
الإجابة واضحة، وهى كافة الأحاديث التي تدور اليوم في الأوساط الدولية والإقليمية حول أية خطط لدحر الإرهاب، كلها دون استثناء، تعود في إطار الرؤية التي أعلنها الرئيس السيسى قبل 6 سنوات، لإنها الرؤية الأكثر شمولاً، والتي استطاعت من خلالها الدولة المصرية أن تضع حداً للإرهاب، وتقضى عليه.
ما سبق هو نتاج التجربة المصرية الناجحة، التى لم ترتكن لسبيل واحد في المواجهة، وهو المواجهة الأمنية، وإنما وضعت استراتيجية شاملة، فكرية وأمنية وسياسية واقتصادية، فكان النجاح حليفها.