يوسف أيوب يكتب: حوارات القاهرة نجحت في جعل القرار للسودانيين
السبت، 18 فبراير 2023 06:00 م
كما كان متوقعاً، أحدثت ورشة القاهرة للحوار السوداني/ السوداني التي عقدت الأسبوع قبل الماضى تحت شعار "آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع"، بحضور عدد كبير من ممثلي القوى السياسية والإقليمية السودانية، حراكاً كبيراً في السودان، لما انتهت إليه من تشكيل كتلة وطنية، وإعداد إعلان سياسي يكون بمثابة خارطة طريق لاستكمال المرحلة الانتقالية يتضمن تشكيل هيئة سياسية من كافة شرائح المجتمع السوداني تكلف باختيار رئيس الوزراء التوافقي، ومجلسي الوزراء والسيادة والبرلمان الانتقالي.
الورشة التي شهدت مشاركة من قوى فاعلة ووازنة بالسودان، استطاعت أن تعيد المسار السياسى بالسودان إلى الطريق الصحيح، ففور عودة المشاركين بها إلى الخرطوم حتى بدأت الحوارات تتجدد بين كل الأشقاء، برعاية من الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الذى جمع أعضاء الحرية والتغيير بشقيها "المجلس المركزى" الموقع على الاتفاق الإطارى المختلف عليها، والكتلة الديمقراطية، للاتفاق على وثيقة جديدة تتجاوز خلافات الاتفاق الإطارى، وتأخذ من مقررات القاهرة منطلقاً يعيد الوئام مرة أخرى بين الأشقاء.
الأسبوع الماضى كتبت وقلت إن "حوارات القاهرة تجمع شمل الأشقاء.. الحوار «السوداني السوداني» يخترق الخلافات وينجح في رسم خارطة طريق متفق عليها"، وها هي الأحداث تتسارع في الخرطوم لتؤكد صحة ما ذهبت إليه، بأن الموقف المصرى سيكون هو الأكثر حرصاً على إحداث توافقات سودانية تحقق الصالح العام وليس مصالح حزبية ضيقة، وها هي الأيام تمر لتؤكد أن مصر بالفعل ستبقى دوماً حاضرة بسياساتها المتوازنة، التي لا تستهدف من ورائها الا تحقيق الامن والاستقرار لجيراننا واشقائنا، خاصة أذا ما استشعرت خطورة الموقف على الأرض، فتعمل على تهيئة الأجواء لحوارات داخلية، يتفق عليها أهل البلد على المسار الذى يرونه صحيحاً لقيادة بلدهم خلال الفترة المقبلة.
الأحد الماضى طالعت مقال رأى في صحيفة "اليوم التالى" السودانية، للكاتب السودانى "عادل الباز" عنوانه "مابعد القاهرة……..ومابعد الاطاري"، قال فيه إن "أجمل مافي مخرجات ورشة القاهرة (مقترح الوثيقة الوطنية الحاكمة للفترة الانتقالية: نحو مصالحة وطنية شاملة وانتقال ديمقراطي كامل) إنها أظهرت إنه لايزال بالسودان ديمقراطيين حقيقيين لا تقودهم الإحن والأحقاد والمكاسب الشخصية والحزبية الضيقة إذ أنهم ارتقوا بالصراع السياسي ليصبح صراع برامج ووثائق تقترح ولا تحتكر ولا تنشد مصادرة الساحة السياسية وجعلها لفئة تدعي وراثة الثورة وإنها ملك حر لثلاثة أحزاب تتحدث باسمها و تمثل كل السودانيين و لا صوت يعلو فوق صوتها، حيث جمعت وثيقة القاهرة ممثلين لغالب أهل السودان شمالا وشرقا وغربا ووسطا، أحزابا وكيانات ولجان مقاومة وخبراء في القانون وزعامات سياسية لم يشكك أحد في مواقفها أو عطاءها أو مقدرتها على التقدير السليم، وانهت الوثيقة حرب الكراهية واعلت من قيمة العدالة وجعلت السودانيين سواء أمام القانون وأكدت على حقوق الإنسان في أكثر من نص بالوثيقة فضلا عن ديباجتها التي تركتها كما جاءت بالوثيقة الأولى وهي أجمل مافيها".
وأضاف الباز "عبرت بنا ورشة القاهرة من حالة التوهان ومحاولات احتكار السلطة بإنتاج وثيقة جديدة عالجت عوار الوثيقة الدستورية (2019) المعطوبة وسعت لإزالة تشوهاتها على مافيها من نقص إلا أنها أفضل بما لا يقاس من تلك المزورة والمجهضة. كما سنرى".
وأنهى الباز مقاله بقوله إن "أهم نتيجة مباشرة للوثيقة الوطنية وورشة القاهرة أمران، أولهما أنه يستحيل تجاوز مصر في الشأن السوداني"، مضيفاً: "فهاهي مصر جاءت متأخرة فجمعت ورشة القاهرة وأوعت وفعلت ما عجزت عنه الثلاثية والرباعية المنحازتين وتخلخلت جدر الغرب الصلدة الداعمة لطرف واحد في المعادلة السياسية السودانية وأصبح من المستحيل تجاوز ما جرى بالقاهرة".
ما قاله عادل الباز في مقاله هو رأى يسود السودان حالياً، خاصة بعدما تأكد للأشقاء أن مصر لا مصلحة لها سوى أمن واستقرار السودان، وأنها ستفعل كل ما في وسعها لكى يلتئم الجميع على طاولة واحدة يتفقون على أرضية مشتركة للحوار، ينطلقون منها إلى رسم ملامح المستقبل بايادى وعقول سودانية خاصة، لا تخضع لاية ضغوط أو إملاءات.. فقط القرار للسودانيين.
هذه الرؤية هي ما تتحقق اليوم في الخرطوم، من خلال لقاءات تجمع قيادات مجلس السيادة مع الحرية والتغيير "المجلس المركزى"، والكتلة الديمقراطية، للاتفاق على إعلان سياسى جديد يتجاوز الخلافات القديمة، ويؤسس لمستقبل يجمع الجميع.
والشاهد أن هذه التحركات هي نتاج لما شهدته القاهرة من حوارات سودانية، كشفت للجميع أن مساحة التوافق بين السودانيين أكبر بكثير من الاختلاف، لكن كان الاشقاء بحاجة لمن يوفر لهم البيئة المناسبة للاتفاق والتوافق، وهو ما فعلته القاهرة، وتفعله دوماً لتحقيق الصالح العام للاشقاء.