السندات الدولية.. فرصة لتنويع الدخل وتأكيد لثقة المستثمرين الأجانب بالاقتصاد المصري

السبت، 17 ديسمبر 2022 07:00 م
السندات الدولية.. فرصة لتنويع الدخل وتأكيد لثقة المستثمرين الأجانب بالاقتصاد المصري
محمد فزاع


- مصر تستهدف إصدار سندات دولية بين 5 و6 مليارات دولار.. وسد الفجوة التمويلية بالتوسع في تمويل المشروعات بالشراكة مع القطاع الخاص

- سياسة تحرير سعر الصرف تجذب المزيد من التدفقات من النقد الأجنبي.. وسندات "الساموراي والباندا" يوفران موارد مالية إضافية من النقد الأجنبي للبلاد
 
 
تعتمد حكومات دول العالم كافة على الاستدانة من الداخل والخارج لتغطية العجز في الموازنة العامة، وهو أمر طبيعي لتمويل موازنات الحكومات تتجه إليها كافة الدول المتقدمة والنامية، مع تقلب الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد العالمي واختلاف حدة تأثيرها، ولكن ما يهم الكثير قدرة الدول على الالتزام بالسداد مثلما تفعل مصر.
 
وتبنت الحكومة المصرية منذ ٢٠١٤، إجراءات عدة لدفع النمو الاقتصادي، وتوفير المزيد مـن فـرص العمل المنتج، وتعزيز الاستثمارات وتحفيز الإنفاق العام؛ لمواجهة التداعيات الناتجة عن أزمة كوفيـد -19، ثم الأزمة الروسية ـ الأوكرانية.
 
ومن ضمن الخطوات التي انتهجتها الدولة، طرح السندات الحكومية بالسوق المصرية والسندات الدولارية بالأسواق الدولية، والتي تعرف بأنها أوراق مالية حكومية تقترض بموجها الحكومات من الأسواق الدولية ويتراوح أجل تلك السندات من عام إلى أكثر من 40 عاما، وتتحدد أسعار الفائدة لتلك السندات من الجهة المصدرة للسند مسترشدة بنسب الفائدة السائدة في الدولة التي يتم الطرح بها.
 
ونجحت وزارة المالية في طرح أول سندات دولية دولارية خلال العام المالي 2021/2022، رغم الظروف الاستثنائية التي يشهدها العالم وأسواق المال العالمية بسبب تداعيات جائحة كورونا، واستطاعت تنفيذ وبنجاح إصدار سندات دولية بقيمة 3 مليارات دولار على ثلاث شرائح ( 6 -12- 30 سنة) وبقيم مصدرة تبلغ 1.125 مليار دولار، و 1.125 مليار دولار، و 750 مليون دولار على التوالي.
 
ومع اتجاهات أسعار الفائدة الأمريكية نحو الارتفاع منذ فبراير 2022، والتوقعات بمزيد من الارتفاع الفترة المقبلة، أدى إلى ارتفاع تكلفة إصدار السندات الدولارية المقومة بالدولار واليورو، فاتجهت مصر إلى الين الياباني مع استقرار أسعار الفائدة وانخفاض تكلفة إصدارها.
 
ونجحت في إصدار سندات الساموراي اليابانية مارس 2022، بقيمة بلغت 60 مليار ين ياباني، أي نحو 402 مليون دولار، وتسعى لطرح سندات "الباندا" باليوان في أسواق المال الصينية، تتخطى حاجز 500 مليون دولار، بحسب وزير المالية محمد معيط.
 
وتستهدف مصر خلال السنة المالية الحالية إصدار صكوك سيادية بقيمة 1.5 -2.5 مليار دولار، بجانب إصدار سندات خضراء، وسندات خضراء مقومة باليوان، وإصدار سندات تنمية، ليصل إجمالي ما ستصدره مصر من سندات دولية إلى ما بين 5 و6 مليارات دولار.
 
صمود رغم الأزمات
 
وأكد الدكتور محمد معيط وزير المالية أن طرح السندات يوفر موارد مالية إضافية من النقد الأجنبي للبلاد وسيتيح موارد مالية تسهم بتمويل جزء من الاحتياجات التمويلية لأجهزة الموازنة وبأسعار جيدة مما يعكس ثقة المجتمع الدولي في جهود ونتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذى نفذته الحكومة المصرية والمدعوم بشكل كامل من القيادة السياسية والذى انعكس في إبقاء التصنيف الائتماني الحالي لمصر من قبل أهم مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية وكذلك على النظرة المستقبلية المستقرة لتلك المؤسسات عن الاقتصاد المصرى، مشيرا إلى أن العودة للأسواق الدولية رغم الظروف الصعبة التي يشهدها العالم يعتبر نجاحًا كبيرًا يعكس ثقة المستثمرين بقدرة وإمكانيات وأداء الاقتصاد المصري وقدرته على الصمود والتعامل مع الصدمات الخارجية بشكل قوي ومتوازن.
 
وأوضح معيط أن إصدار السندات يسهم في إطالة عمر محفظة الدين الحكومي المصري ويساعد في تحسين مؤشرات استدامة المديونية الحكومية ويزيد من ثقة المستثمرين باستمرار وتحسن استدامة أوضاع المالية العامة والمديونية الحكومية لمصر.
 
وبشأن الاتجاه صوب شرق آسيا لطرح السندات الدولية يقول الخبير الاقتصادي هاني جنينة إن الحكومة تحاول سد الفجوة التمويلية لما تبقى من السنة المالية الحالية التي تنتهي في يونيو المقبل.
 
وتسعى مصر لطرح سندات استدامة لأول مرة في تاريخها بقيمة 500 مليون دولار في النصف الأول من 2023، وتتشاور مع البنوك التي تساعدها في الترويج للطرح، وتهدف السندات من عائداتها لتمويل مشاريع ذات تأثير بيئي أو اجتماعي.
 
الدين الخارجي
 
طالت الشائعات كالعادة الاقتصاد المصري وزعمت عدم قدرة الاقتصاد على سداد الديون، فيما ردت الحكومة بالأرقام مؤكدة أنه بالنسبة للدين الخارجي، ما زالت مصر ضمن الحدود الآمنة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي حيث وصلت تلك النسبة إلى 34.1%، في حين أن حدود المخاطر القصوى 50%.
 
وأكدت أن مصر ملتزمة لعقود طويلة سداد مديونياتها الخارجية، وهناك مؤشرات إيجابية عدة فيما يتعلق بهيكل الدين الخارجي لمصر ومنها تنوع أدوات الدين الخارجي بين قروض وودائع، وسندات مصدرة، وتسهيلات ائتمانية قصيرة الأجل، ومخصصات مصر لدى صندوق النقد الدولي، ومن أدوات تنوع مصادر التمويل بين مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، ودول عربية، وسندات مصدرة بالخارج، وقروض مقدمة من تحالفات البنوك الأجنبية، ودولة الصين، وهو أمر له مميزات عديدة بما يضمن توسيع قاعدة الدائنين وتفادي تركز المديونية.
 
وتأتي المؤسسات الدولية على رأس مصادر التمويل للدين الخارجي، وتتميز بتقديم أغلب قروضها في شكل قروض طويلة الأجل بفوائد منخفضة، وترتب على الاعتماد في مصادر تمويل الدين الخارجي على مؤسسات التمويل الدولية ومصادر التمويل الثنائية، بلوغ متوسط سعر الفائدة المرجح والمطبق على محفظة الدين الخارجي 3.58%، وهو معدل جيد.
 
وتأتي معظم المديونية الخارجية الخاصة بمصر ديون متوسطة وطويلة الأجل بنسبة 82%، وتشكل نسبة المديونية التي تطبق سعر فائدة ثابتًا نحو ثلثي إجمالي الدين 62%، وهو أمر جيد؛ لأنه يخفف من وطأه مخاطر الارتفاعات المتتالية في أسعار الفائدة على المستوى العالمي حاليا.
 
الصادرات وسياحة وقناة السويس
 
وفيما يتعلق بالادعاء بأن مصر مهددة بعدم قدرتها على سداد ديونها؛ أكد تقرير لمجلس الوزراء أن مصر ملتزمة، ولعقود طويلة بسداد مديونياتها الخارجية، وهناك العديد من المؤشرات الاقتصادية التي تعزز من قدرة مصر خلال الفترة المقبلة على سداد مديونياتها، ولعل من أبرزها تحسن العديد من مصادر النقد الأجنبي، والتي يأتي على رأسها ارتفاع معدل نمو الصادرات المصرية بنسبة 53.1% خلال العام المالي 2021-2022، لتسجل 4309 مليارات دولار، والزيادة في إيرادات السياحة بنسبة 12.1% لترتفع إلى 10.7 مليارات دولار، إضافة إلى الارتفاع الكبير المسجل في عائدات قناة السويس، والتي بلغت نحو 7 مليارات دولار في الفترة نفسها، وارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إلى ما يقارب 4 مليارات دولار في العام نفسه.
 
وفي ظل الإعلان عن عدد من القرارات الاقتصادية التي من شأنها المزيد من تمكين القطاع الخاص ومن بينها تحرير سياسة سعر الصرف والتوجه نحو تبني كل السياسات لحل المشكلات التي تواجه المستثمرين والمصنعين انخفضت بشكل كبير احتمالات تعثر مصر عن سداد ديونها، وأكدت الأمر وكالة "بلومبرج" التي أعدت في ظل تعرض الأسواق الناشئة لضغوط ناجمة عن ارتفاع الديون، وتراجع النمو الاقتصادي والتنويه بتخلف تاريخي عن سداد الديون، لنموذج لتقدير مخاطر عدم السداد في 41 دولة ناشئة على مدار العام القادم.
 
وأشارت وكالة بلومبرج إلى أنه باستثناء الدول التي تخلفت عن السداد بالفعل هناك 11 دولة أخرى لديها احتمال عدم القدرة على السداد بنسبة 10 أو أعلى في العام المقبل ليست من بينها مصر، مؤكدة أن مصر من المتوقع أن تستفيد خلال الفترة المقبلة من الدعم الناتج عن سياسة تحرير سعر الصرف في جذب المزيد من التدفقات من النقد الأجنبي.
 
مسار نزولي للدين
 
وطالت أيضا الشائعات الزعم بأن مصر ستصبح أكبر مصدر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة، وتراجع قيمة السندات السيادية، فيما تؤكد الحكومة أن موازنة العام المالي الجاري تستهدف خفض دين الحكومة العامة للدولة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وتستهدف عودة المسار النزولي لنسبة دين الحكومة العامة للدولة للناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة، إضافة إلى تقليل نسبة مدفوعات الفوائد إلى 76% من الناتج المحلي الإجمالي، و33.3% من مصروفات الموازنة.
 
وتخضع عمليات الاقتراض الخارجي لمعايير ومحددات تتابعها لجنة إدارة الدين العام، كما ستتولى اللجنة تحديد السقف السنوي للاقتراض الخارجي، بما يتناسب مع تطور الناتج المحلي الإجمالي، والصادرات وأعباء خدمة الدين، وكذلك رصيد الاحتياطات من النقد الأجنبي، بما يضمن البقاء في الحدود الآمنة.
 
سقف ملزم للأعباء
 
ووضعت وزارة المالية خطةً متوسطة المدى لإدارة الدين الحكومي حتى 2027، ومنها وضع سقف ملزم للأعباء السنوية التي تؤثر على المديونية، بما فيها التمويل تحت الخط بحيث لا يتجاوز 1.5 إلى 2% من الناتج سنويا، والتوقف خلال تلك الفترة عن إجراء أي تشابكات مالية جديدة أو إضافية يترتب عليها أعباء مالية للموازنة.
 
وبشأن بملف الدين وتنظيم الاقتراض، تضمنت وضع حد غير مرن كقيمة مطلقة وليس نسبة لمستوى الدين الخارجي قائم على حساب دقيق لقيمة الفجوة في العملة الأجنبية في العام المالي 2022-2023، ومتابعة وتحديث استراتيجية الدين سنويًا؛ لضمان خفض نسبة خدمة الدين للناتج المحلي، وإطالة عمر الدين بما يساعد على خفض جملة الاحتياجات التمويلية لأجهزة الموازنة.
 
وتعمل الدولة على سد الفجوة التمويلية بآلية لا تمثل عبئًا على الخزانة العامة للدولة من خلال التوسع في تمويل المشروعات بالشراكة مع القطاع الخاص بالاعتماد على التنسيق بين وحدة القطاع الخاص بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووحدة الشراكة بوزارة المالية لحصر المشروعات التي يمكن إتاحتها للشراكة مع القطاع.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق