تونس تكتب السطر الأخير في حياة جماعة الإخوان الإرهابية
السبت، 17 ديسمبر 2022 06:00 ممحمود علي
- برلمان «الجمهورية الجديدة» يقضى سياسيا على آمال «النهضة» الإخوانية
- قيس سعيد يوجه رسائل للجماعة الإرهابية: لا وطن يهمّهم ولا سيادة تعنيهم
خطوة سياسية جديدة على طريق تأسيس الجمهورية الجديدة تنتظرها تونس الأيام المقبلة، حيث يجرى ثاني استحقاق في عملية الإصلاح السياسي المتمثلة في تنظيم الانتخابات البرلمانية السبت؛ في محطة تعتبر الأخيرة لإرساء المسار السياسي للرئيس التونسي قيس سعيد من أجل دولة ترعى مواطنيها وتحافظ على مصالحهم، تنهي أي وجود لجماعة الإخوان وذراعها السياسي حركة النهضة.
ووافق الشعب التونسي بأغلبية ساحقة على الدستور التونسي الجديد، وبنسبة تقترب من 95% في يوليو الماضي، في خطوة اعتبرها مراقبون معادلة سياسية جديدة الخاسر الأبرز فيها تنظيم الإخوان الارهابى، حيث سينقل هذا الدستور البلاد إلى حكم رئاسي الكلمة فيه أكثر للرئيس ودورا أقلّ للبرلمان.
وتتعرض تونس على مر السنوات الماضية للتهديد من قبل جماعة الإخوان الإرهابية، فرغم ما اتخذته الدولة من قرارات للحد من خطورة الحركات المتشددة والمتطرفة التابعة للجماعة؛ تحاول الأخيرة عبر حركتها السياسية النهضة وجبهة ما تسمى بـ"الخلاص" (تتضمن جميع الأحزاب الإخوانية) بكل الطرق والأساليب بث الفوضى في البلاد عبر الدعوة إلى التظاهر ضد الانتخابات وتشويهها، وتنظيم احتجاجات غير سلمية تقوض عمل الدولة لإفشال كل الخطوات الديمقراطية التي اتخذتها في سبيل استعادة هيبة المؤسسات التنفيذية والتشريعية.
وقبل أسبوع واحد من إجراء الانتخابات، خرجت حركة النهضة والحركات الموالية لها إلى الشارع، في حملة موجهة لتشويه الرئيس التونسي قيس سعيد والحكومة وخطواته الساعية إلى الديمقراطية وأهمها تأسيس برلمان يكون همه الأول سن تشريعات تحقق العدالة الاجتماعية وتنسي المواطن الحياة النيابية البائسة التي عاشها التونسيون خلال سيطرة الإخوان على مجلس الشعب.
ووجه قيس سعيد رسائل عديدة إلى الشعب التونسي في مواجهة هذه الحملة التي تقودها جماعة الإخوان من أجل النيل من الدستور والانتخابات والتشكيك في نزاهتهما، وقال خلال جولة الاثنين الماضي، بمنطقة المنيهلة إحدى أكبر المناطق الشعبية بالعاصمة التونسية، حيث اجتمع مع عدد من التونسيين واستمع إلى شواغلهم إن "الذين يلتقون اليوم تحت غطاء ما يسمى المعارضة بعد أن كانوا في الظاهر خصماء في الأعوام الماضية يحتجّون على مدارج المسرح أو على خشبته والمخرج واحد، لا همّ لهم سوى السلطة".
وتعالت الأصوات التي طالبت باتخاذ أحكام رادعة ضد كل من تورط من جماعة الإخوان في بث الفتنة وإشعال الفوضى في البلاد، بعد تحركات داعية إلى تخريب البلاد فيما يبدو أنهم يستميتون من أجل السلطة ورفض ما قرره الشعب من خطوات ديمقراطية تحد من عودتهم، ويقول الرئيس التونسي إنه "كلما مرّ يوم إلا وأظهروا أن لا همّ لهم سوى السلطة ولا تعنيهم كما لم تكن تعنيهم المطالب الحقيقية للشعب التونسي، بل لم يقوموا في السابق إلا بإفراغ خزائن الدولة إلى جانب تحالفاتهم المعروفة مع الخارج فلا وطن يهمّهم ولا سيادة تعنيهم".
وجاء تحريض جماعة الإخوان لأنصارها للنزول إلى الشارع لتكون وفق مراقبون بمثابة "رقصة الديك المذبوح الأخيرة"، وذلك بعدما تلقت ضربات موجعة في يوليو الماضي في أعقاب الموافقة على الدستور الذي يمنح رئيس الدولة سلطات واسعة خلافا لدستور 2014.
ونتج عن دستور 2014 حالة من التناحر والصراع بين أجنحة السلطة الثلاث (الرئاسة والبرلمان والحكومة) والتي شهدتها البلاد بعد ثورة الياسمين عام 2011، ما انعكس على تردي الأوضاع في البلاد، الأمر الذي كانت تستغله الجماعة في أنشطتها المزعزعة للاستقرار والأمن في تونس، من استعانة بالتنظيمات المتطرفة واستقطاب الخارج والاستغلال الوظيفي.
وتدخل تونس الانتخابات التشريعية، وفي القائمة النهائية 1055 مرشحاً، للتنافس على 161 مقعداً برلمانياً، حيث سيكون البرلمان الجديد ذو صلاحيات محدودة بموجب الدستور الجديد الذي حظى بدعم شعبي نتيجة ما ارتكبته جماعة الإخوان من انتهاكات خلال حكمها، وهو ما دفع المواطنين إلى الموافقة على منح صلاحيات أكثر للسلطات التنفيذية، والحد من دور الأحزاب التي كانت تتحكم في الحياة السياسية.
وبخلاف ما تتلقاه الحركة من ضربات شعبية، يتخذ القضاء التونسي خطوات لتجفيف منابع الإخوان ففي نوفمبر الماضي، مثل أحد قادة جماعة الإخوان في تونس ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أمام قاضي التحقيق المتخصص بقضايا الإرهاب، لاستجوابه في قضية تتعلق بتهم "تسفير متشددين" من تونس إلى سوريا والعراق، على ما أفاد محاميه، وبدأ التحقيق مع الغنوشي (81 عاما) ونائبه رئيس الحكومة السابق علي العريّض في هذه القضية في 21 سبتمبر الفائت، في الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب بالعاصمة وتم استجوابه لساعات طويلة قبل أن يقرر القاضي تحديد تاريخ الاثنين لدعوته مجددا.
وتعود هذه القضية إلى عام 2021، حيث أكدت السلطات التونسية أن قضاء مكافحة الإرهاب أمر بتجميد الأرصدة المالية والحسابات المصرفية لعشر شخصيات، من بينها الغنوشي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، كما استُدعي قيادات الجماعة في 19 يوليو الفائت للتحقيق معهم في قضية تتعلق بتبييض أموال وفساد.
وكان الرئيس التونسي اتخذ مجموعة من القرارات الجريئة، استجابة لمطالب الشعب في يوليو من العام الماضي مجمدا عمل البرلمان الذي استولت على قراراته جماعة الإخوان، بموجب سيطرة حركة النهضة وحلفاءها من التيارات الأخرى على الأغلبية.
وجاءت قرارات الرئيس التونسي، برفع الحصانة عن أعضاء مجلس النواب، وإعفاء رئيس الحكومة من منصبه، لتنطلق البلاد نحو مسار جديد أكثر وضوحاً باللجوء إلى صوت الشعب الذي نادي مرارا وتكرارا بضرورة إسقاط الجماعة، بل ومحاسبتها على كل ما ارتكبته من جرائم في حق البلاد خلال العقد الماضي.
ورغم ما لجأت إليه جماعة الإخوان في تونس من أجل عرقلة قرارات الرئيس التونسي، عبر الدعوة إلى العنف والمظاهرات الغير سلمية والتهديد بالاغتيال والتحريض للانقسام، لكن السلطات التونسية استمرت في كل ما من شأنه استقرار البلاد، واتخذت إجراءات لقصصة ريش الجماعة حتى لا تكون قادرة على التلاعب بمشاعر التونسيين برفع شعارات واهية كانت قد انتهكتها كثيرا في الفترة الماضية، ومنها إلقاء القبض على عدد من قادة الجماعة المتورطين في التخطيط للعنف.
وفي أواخر العام الماضي مد الرئيس التونسي العمل بالإجراءات الاستثنائية، المنقذة للبلاد من سرطان الإخوان، ما لاقى ترحيبا واسعا من قطاعات الشعب التونسي المختلفة.
واستمر في هذا السياق نزول التونسيون بالآلاف في الشوارع للتعبير عن تأييدهم لتحركات الرئيس التونسي قيس سعيد ما يؤكد على المساندة والدعم الواسع لما يتخذه في الحرب الدائرة ضد الجماعة الإرهابية.
وأعادت مظاهر الفرحة التي شهدتها تونس تأييدا لتحركات الرئيس التونسي ونجاح الاستفتاء؛ حالة الفرح التي سادت أنحاء تونس، في أعقاب قرارات الرئيس المصيرية في 25 يوليو قبل الماضي، والتي عبرت عن مدى الكبت الذي كان يعيشه التونسيين في عهد الإخوان البائد، الذي لم يشهد يوماً خلال سنوات مضت أي مظاهر للتفاؤل.
ومرت تونس بفترة صعبة، قبل قرارات سعيد المصيرية، فكانت الأخبار جميعها تتحدث عن سوء الوضع الاقتصادي، انهيار في سعر العملة، معدلات الجرائم في ازدياد، ناهيك عن ممارسات الجماعة وأذرعها السياسية والمسلحة ضد الشعب.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ظهر مدى التأييد الشعبي لقرارات الرئيس التونسي والتوجه نحو الانتخابات بعد التصويت على الدستور، كون هذه القرارات أنقذت البلاد من توجه لا يحمد عقباه، فرغم دعوات الجماعة وحركتها لمقاطعة هذه الاستحقاقات الانتخابية تشير التقارير أن نسب الإقبال التي قد تشهدها عملية التصويت من قبل المواطنين في الانتخابات تعطي رسالة للجماعة بأنها غير مرغوب فيها خلال الحقبة الجديدة، فالجماعة التي كانت تسيطر على البرلمان، وسطت على الحكومة لا تهتم بالدولة ولا حدود ولا مواطن ولا ديمقراطية كما تدعي، اعتمدت في قيادتها للسلطة التشريعية والتنفيذية على قمع المواطنين والمعارضة.
فضلا عن ذلك شهدت تونس في عهد الجماعة مساوئ عدة في الملف الاقتصادي، الذى كان له أبلغ الأثر على المواطن، وتسببت سياسات وممارسات الإخوان في تونس وفق الكثير من المتابعين والباحثين؛ في سوء المؤشرات الاقتصادية على جميع الأصعدة، حيث ارتفعت الأسعار، والبطالة، والدين الخارجي والداخلي، فضلا عن ارتفاع عجز الميرانية والتضخم، ويشير هؤلاء بأصابع الاتهام إلى حركة النهضة ونوابها بالبرلمان التابعين للإخوان كونهم كانوا أحد الأسباب الرئيسية في عدم الاستقرار السياسي والحكومي.
وانتقلت تونس في عهد الإخوان من مرحلة الاضطراب الجزئي في الكثير من المجالات والملفات إلى الشلل العام، بعد أن استخدمت الجماعة وحركتها النهضة كل الأساليب حتى غير الشرعية من أجل أن تحقق مصالحها ومصلحة حركتها فقط، مرتكبة الكثير من الانتهاكات التي عبث بأمن البلاد داخليا وخارجيا، دون النظر إلى تأثيرها على الأمن القومي للبلاد.