القاهرة مصر تلم «شمل العرب»: تحركات من أجل ليبيا.. وحماية الفلسطينيين
السبت، 10 ديسمبر 2022 06:00 ممحمود علي
- تحركات مصرية لإخراج ليبيا من مرحلة الجمود السياسي.. وحماية الفلسطينيين.. والحفاظ على وحدة السوريين
"ثقوا في أن مصر ستضع دوماً نصب أعينها تماسك الكيان العربي، وصونه وحمايته، وستظل دائماً حاضرة دعماً لكم، وستبقي على أبوابها مفتوحة أمام كل أبناء العرب في سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة".. تلك كانت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية التي عقدت بالجزائر في نوفمبر الماضي، وتشير بوضوح إلى أولويات السياسة المصرية تجاه المنطقة العربية وتحركها الدائم لخدمة شعوبها، فخلال السنوات الماضية كانت القاهرة دائماً حاضرة ولن تدخر أي جهد في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار في العالم العربي.
ونجحت القاهرة خلال السنوات الثماني الماضية في تأسيس خطوات مرسومة واستراتيجية ثابتة تجاه المنطقة العربية، في سبيل "لم الشمل" والوصول بالعالم العربي إلى مرحلة الاستقرار، انطلاقاً من دور مصر التاريخي والمحوري على المستوى الدولي والإقليمي، كما أصبحت بتحركاتها ومواقفها الثابتة تجاه تطورات الأحداث في المنطقة؛ الواجهة الرئيسية التي من خلالها تحل جميع القضايا والملفات العالقة بمنطقة الشرق الأوسط، حيث دأبت القاهرة على جمع الأشقاء من فلسطين وليبيا وسوريا بمختلف توجهاتهم من أجل السعي إلى التوافق في الرؤى ووضع صوب أعينهم مصلحة دولهم في المقام الأول.
الأسبوع قبل ماضي، أجرى رئيس مجلس النواب الليبي عقلية صالح زيارة إلى مصر وعقد عدة لقاءات، وذلك من أجل الوصول إلى توافق حول المسارات الدستورية وشروط الترشح للرئاسة ومساعي توحيد مؤسسات الأمن في البلاد، حيث ناقش عقيلة صالح مع المسؤولين المصريين تطورات الأوضاع في ليبيا، والتقى الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب الذي أكد على العلاقات التاريخية التى تجمع الشعبين المصرى والليبى الشقيقين، موضحا أن الموقف المصرى من الأزمة الليبية يرتكز بالأساس على حق الليبيين فى الحفاظ على هويتهم الوطنية ووحدة الأراضى الليبية، مُشدداً على دعم مصر لمجلس النواب الليبى للاضطلاع بدور رئيسى فى العملية السياسية بوصفه الجهة التشريعية الوحيدة المُنتخبة التى باستطاعتها القيام بدور فى قيادة الحوار الليبى – الليبى للوصول إلى توافق حول المسار الدستورى فى أقرب وقت ممكن.
وأكد جبالى على دعم مصر لجهود المبعوث الأممى إلى ليبيا، مشددا أن مصر تعمل مع كافة الشركاء الدوليين والليبيين من أجل دعم جهود توحيد المؤسسة العسكرية، داعيا إلى ضرورة خروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية. كما التقي عقيلة صالح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي، بهدف تقريب وجهات النظر بين الليبيين والعمل على توحيد المؤسسات سواء السياسية أو التنفيذية والعمل على وجود إطار دستوري من أجل اجراء الانتخابات النيابية والرئاسية.
لقاءات تخرج ليبيا من مرحلة الجمود السياسي
ومن شأن هذه اللقاءات أن تخرج ليبيا من مرحلة الجمود السياسي وتمهد لإجراء حوار شفاف بين مجلسي النواب والدولة داخل ليبيا لوضع حد للأزمة المستمرة منذ عقد من الزمان، وقال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب فتحي عبدالكريم المريمي إن القيادة السياسية بالقاهرة حريصة على حل أزمة ليبيا، ولذلك فإن صالح يكرر زياراته واجتماعاته مع المسؤولين برعاية مصرية للتوصل إلى حلول توافقية بشأن المسائل العالقة بالانتخابات الليبية.
ووجهت الأطراف الليبية الشكر لمصر على جهودها المستمرة لحل الأزمة الليبية، وشدد صالح على أهمية دور مصر في الوصول إلى حل للأزمة في ليبيا، مشيرا إلى اقتراب الوصول إلى حلول للقضايا العالقة، وقال عقيلة صالح إن "مصر تقف دائماً مع الشعب الليبي بكل قوة والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقف بجانب السلطة التشريعية الليبية لإيجاد حل للأزمة الليبية"، مؤكداً أن "مصر دولة واضحة وصريحة وقوية جداً، وليبيا تثمن الدور المصري وتقدره، حيث كانت وستظل دائما عونا لليبيين في كل المراحل"، مشيراً إلى "وجود توافق كبير بين رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الدولة على إعادة تكوين المؤسسات السيادية التابعة لمجلس النواب، وسيتم الفصل في هذا الأمر خلال الأيام القادمة، بالإضافة إلى تكوين سلطة واحدة في ليبيا".
وقال الرئيس السيسي خلال القمة العربية الشهر الماضي حول تطورات الوضع في ليبيا، إن "مصر ترغب في الدعم العربي للمساعي الحالية في ليبيا للتوصل في أسرع وقت إلى تسوية سياسية بقيادة وملكية ليبية خالصة دون إملاءات خارجية، وصولاً إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، واحترام مؤسسات الدولة وصلاحياتها بمقتضى الاتفاقات المبرمة"، داعياً إلى "خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب في مدى زمني محدد، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة الليبية وحل الميليشيات، بما يحول دون تجدد المواجهات العسكرية ويعيد للبلاد وحدتها وسيادتها واستقرارها".
وتدعو مصر منذ اندلاع الأزمة الليبية، إلى ضرورة المقاربة الشاملة من خلال التعاطي مع جميع أبعادها السياسية غير مكتفية بالبعد الأمني والعسكري، وتنادي بوضوح بتسوية بعيدة عن التدخلات الأجنبية الهادفة إلى الهيمنة على مقدّرات الشعب الليبي.
وأطلقت القاهرة الكثير من المبادرات السياسية الخاصة بالأزمة الليبية والتي أدت إلى هدوء الوضع هناك، حيث أطلقت القاهرة في يونيو من عام 2020 إعلان القاهرة الذي تم على أساس مبادرة ليبية ليبية لإنهاء الأزمة والوصول إلى تسوية سلمية تتضمن وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية وعودة ليبيا بقوة إلى المجتمع الدولي، ولاقت المبادرة المصرية ترحيباً عالميا كبيرا، خاصة من الدول الكبرى، الأمر الذي دفع مصر إلى البدء في تحركات سياسية، أدت إلى تهدئة الوضع الليبي، وبالفعل نجحت في تهيئة الأجواء لوقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية باعتبار ذلك خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار وحفظ مقدرات شعبها، حتى رعت الأمم المتحدة ملتقى الحوار السياسي الليبي واجتماعات اللجنة العسكرية التي عقدت في مصر.
دفاع مصري عن حقوق فلسطين المشروعة وغزة في القلب
تحركات مصر أيضاً في الملف الفلسطيني لم تختلف كثيراً، حيث كانت مصر دائما في الموعد تجاه القضية المركزية الأولى للعرب، في حين لم يكن قطاع غزة بعيدا عن أولوية القاهرة حفاظاً على هدوء الوضع في منطقة كثيرة الاضطرابات، وفي كل وقت زاد فيه صوت الرصاص داخل قطاع غزة، تسارعت مصر لتدارك الموقف لاحتوائه، كما أنها فتحت باباً للتنمية، وإعادة الإعمار، وإزالة الركام داخله.
ومؤخرا تحركت مصر عبر أدواتها الدبلوماسية لوقف أي تصعيد عسكري في قطاع غزة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وذلك على خلفيات توترات كادت أن تؤدي إلى اشتعال الوضع مجددا، وتبذل مصر جهود مكثفة خلال الشهور الماضية، بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، من أجل وقف إطلاق النار بشكل نهائي في قطاع غزة، وتهدئته للحد من نزيف الدماء، حيث نجحت الدولة المصرية في إقناع فصائل غزة والاحتلال الإسرائيلي بضرورة تجنب أي خطوات من شأنها أن تعيد القطاع إلى نقطة الصفر.
تحركات مصر ورئيسها السيسي خلال السنوات الماضية، تركزت أيضا تجاه تحريك مسار السلام، والتصدي لكل المخططات الساعية لعرقلة حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، حيث التأكيد على التزام التاريخي بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، داعمة جميع التحركات والمبادرات العربية والدولية التي من شأنها حلّ القضية الفلسطينية وتحقيق السلام في الشرق الأوسط على أسس عادلة، رافضة كل المساعي التي من شأنها أن تنتهك حقوق الدولة الفلسطينية.
وتعد القضية الفلسطينية بالنسبة للقاهرة الأكثر مركزية من بين قضايا الشرق الأوسط، لما لها من ارتباط دائم وثابت تحدده اعتبارات الأمن القومي المصري، لذلك تأتي القضية الفلسطينية علي رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية في وقتنا الراهن، وهو ما يدفع الرئيس السيسي إلى الاهتمام الخاص بها في لقاءاته مع القادة العرب.
وخلال استقبال الرئيس السيسي للملك الأردني عبد الله الثاني في قصر الاتحادية السبت الماضي، ناقش الجانبان مستجدات الأوضاع في المنطقة، خاصةً تطورات القضية الفلسطينية، حيث تم التوافق حول تعزيز جهود مصر والأردن نحو تقديم الدعم الكامل للأشقاء في فلسطين، من أجل العمل على إحياء عملية السلام للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق وفق مرجعيات الشرعية الدولية.
وسلط الرئيس السيسي الضوء على القضية الفلسطينية وتأثيرها على الوضع في المنطقة في كلمته بالقمة العربية وقال "إن المضي قدماً على طريق اللحاق بركب التقدم والتنمية يتطلب العمل الجاد على تسوية مختلف أزمات عالمنا العربي وعلى رأسها دوماً وأبداً القضية الفلسطينية" مشيراً إلى "أن قدرتنا على العمل الجماعي لتسوية القضية واسترجاع الحقوق الفلسطينية، كانت تاريخياً وستظل المعيار الحقيقي لمدى تماسكنا.... كما تظل المبادرة العربية للسلام تجسيداً لهذا التماسك ولرؤيتنا المشتركة إزاء الحل العادل والشامل على أساس حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تعيد للفلسطينيين وطنهم، وتسمح بعودة اللاجئين بما يتسق مع مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية".
ويبدو واضحاً من رسم الرؤية المصرية تجاه القضية الفلسطينية أن الموقف المصري لم يخضع أبداً لحسابات مصالح آنية، ولم يكن أبداً ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، وهو ما أظهرته تحركات مصر تجاه فلسطين وقطاع غزة مؤخراً، فبالتزامن مع التحركات الدبلوماسية، قامت مصر بملحمة حقيقية من أجل سرعة إعادة إعمار غزة لعودة الحياة بشكل طبيعي إلى القطاع، والانتقال نحو الاستقرار بعد سنوات من الحرب، التي قضت على الأخضر واليابس.
وطرقت مصر كل الأبواب من أجل عودة الروح للقطاع، وتجلى ذلك في التنفيذ السريع لكل المشاريع المصرية التي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد تدخله لوقف التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين داخل القطاع، والعام الماضي بدأت الآليات والمعدات المصرية، في تأسيس وإنشاء قواعد مدينة دار مصر 3 السكنية في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وذلك تحت إشراف كامل من قبل اللجنة المصرية لإعمار غزة.
وشرعت الآليات والمعدات التابعة للشركات الفلسطينية، وفق ما أكدته وكالة "سوا" الفلسطينية في ضخ الباطون في القواعد الخرسانية المسلحة بمدينة دار مصر 3 والتي بدأ العمل بها فعليا بداية شهر يناير الماضي.
وانتقلت مصر من مرحلة المساهمة والتأسيس لمشاريع البناء وإعادة الإعمار في قطاع غزة، إلى مرحلة الضغط على المجتمع الدولي من أجل المشاركة والمساهمة في وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة.
وقبل أيام، قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، إنه لا يمكن لأي جهة أيا كانت إنكار الدور الكبير والجهود التي تبذلها مصر من أجل حل القضية الفلسطينية، معربا عن تقدير دولة فلسطين للموقف المصري الشجاع في دعم القضية الفلسطينية، مؤكدا: "أن مصر دائما الدولة التي نعتمد عليها في توفير الدعم والإسناد لقضيتنا"، وقال "مصر هي الضامن للقضية الفلسطينية".
ثوابت مصرية في الملف السوري
وفي الملف السوري، تتحرك مصر أيضا وفقا لثوابت أكدت عليها مرارا وتكرارًا برفضها التدخل الخارجي والانخراط في أي صراع عسكري بشكل مباشر، معلنة دعمها لكافة الجهود المبذولة من أجل حماية المدنيين، والحفاظ على وحدة البلاد وحماية المؤسسات السورية، والدعوة إلى مفاوضات جادة وصريحة من أجل حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية والسياسية.
وتمتلك مصر من القوة والمكانة والموقع الجغرافي، ما يمكنها من لعب دور رئيسي تجاه الأزمة السورية نابع من التزامها التاريخي بسلامة الأمن القومي العربي، فالأمن القومي المصري على مر التاريخ واستقراره يبدأ من سوريا.
والخميس قبل الماضي، التقى سامح شكري وزير الخارجية، مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا "جير بيدرسون"، وأكد شكري على ثوابت الموقف المصري حيال الأزمة في سوريا، والمتمثلة في ضرورة الدفع بالحل السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وتحقيق تقدم في العملية السياسية، فضلاً عن رفع المعاناة عن الشعب السوري الشقيق.