"حوارات الإسكندرية" تبدأ بمنتدى حواري حول الأمن المائي المصري
السبت، 26 نوفمبر 2022 08:00 م
المنتدى دعا لزيادة الوعى المائى لدى المصريين وحذر من خطورة الزيادة السكانية ومشاكل سد النهضة الفنية
خبراء يدعون إلى خلق مصالح مشتركة مع اثيوبيا كتوجه استراتيجى ويؤكدون: القوة تخلق الحق وتحميه
أطلقت مكتبة الإسكندرية الأسبوع الماضى منتدى "حوارات الإسكندرية" بانعقاد الحوار الأول تحت عنوان "الأمن المائي المصري: التهديدات والمخاطر وسُبل المواجهة"، بحضور الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، وتحدث في المنتدى الفريق مهاب مميش؛ مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات قناة السويس والموانئ البحرية، وقائد القوات البحرية الأسبق، الدكتور محمد شوقي العناني؛ أستاذ القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعضو مجلس الشيوخ، وأدار الحوار الدكتور علي الدين هلال؛ مقرر المحور السياسي بالحوار الوطني.
المنتدى انتهى إلى التأكيد على أن الامن المائى المصرى جزء من الامن القومى، وهو احد المرتكزات الاساسية للحفاظ على الامن القومى الدولى، كما أن نهر النيل لمصر هو الحياة وهو اساس الامن المائى العذب لمصر، وحذروا من خطورة الزيادة السكانية الرهيبة التي تهدد الامن المائى المصرى، لثبات حصة مصر عند 55.5 مليار متر مكعب، في حين تحتاج مصر سنوياً 114 مليار متر مكعب من المياه لسد احتياجاتها.
وحذر المشاركين في المنتدى من خطورة سد النهضة الإثيوبى خاصة فى مسالة الأمان والمشاكل البنائية الفنية، مما قد يسبب مشاكل على السودان اولا وصعيد مصر، وتحدثوا عن الحاجة إلى اعادة النظر فى علاقتنا مع افريقيا، والتواصل مع إثيوبيا والمثقفين والجامعات، ليس لتغيير فكره تماما وانما وضعه امام الصورة الطبيعية، والعمل على خلق مصالح مشتركة مع اثيوبيا كتوجه استراتيجى، مع الاخذ فى الاعتبار أن اثيوبيا دولة حبيسة، فهل تستطيع مصر ان تصع تصور خلاق لصنع مصالح مشتركة مع اثيوبيا، مع الاهتمام بقضية الوعى المائى.
وخلال المنتدى أشار الدكتور محمد شوقى العناني عن مقولة لفلاسفة القانون الرومان "القوة تخلق الحق وتحميه"، واعتبرها مهمة أثناء الحديث عن حقوق مصر المائية.
واستهل الدكتور علي الدين هلال المنتدى بتاكيده أن الحوار فضيلة أخلاقية تتضمن معاني التسامح والحرية وتعدد الآراء، وقال أن الوصول إلى الحقيقة يأتي من خلال الاتفاق والاختلاف، كما إنه مصدر قوة للنظم السياسية، فالمجتمعات الهشة هي التي لا تتحمل الحوار، متحدثاً عن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحوار الوطنى في السادس والعشرين من إبريل الماضى، وقال إن الرئيس أراد من خلالها أن يكون الحوار سمة عامة في المجتمع، وبالفعل انتقل إلى الإعلام وأصبح هناك انفتاح على مختلف الآراء، وهو ما سوف يساهم في حدوث ارتياح اجتماعي وفتح الافاق المسدودة إلى افاق جديدة.
في البداية أكد الدكتور أحمد زايد على أهمية الحوار، وقال إنه دائمًا ما كان يقرأ ويتابع أن كل التطورات التي تحدث في النظريات الاجتماعية بدأت بالحوارات بين العلماء، لذلك فكرت المكتبة في إقامة منتدى حوارات الإسكندرية، موضحاً أن المكتبة تساهم دائمًا في الحوار العالمي وتطرح رؤى على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وفي وقت سابق كانت تصدر وثيقة تطرح رؤى وحوارات تحت اسم "سكندريات".
وشدد زايد أن الحوار لا يفسح طريق للتواصل فقط وإنما يفتح الآفاق المغلقة، فالقضية الأساسية التي يطرحها الحوار أنه لا اكتمال للفكرة ولا يوجد قول واحد، وأن العقل لا يوقفه سقف، مضيفًا أن الحوار يؤدي إلى بناء مستقبل أفضل ضمن الجمهورية الجديدة التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مشيراً إلى أن قضية المياه أصبحت قضية عالمية، ويتزايد الاهتمام بالمياه البحار والعذبة، وساهم في تزايد الاهتمام بها التغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب.
وفى تناوله لقضية المياه، قال الدكتور على الدين هلال أن أحد معايير قياس درجة تقدم الأمم وتطورها هو متوسط استهلاك المياه لكل مواطن، كما أن الأمم المتحدة اعتبرت الحق في المياه العذبة أحد حقوق الإنسان الأساسية، وفي مؤتمر شرم الشيخ للمناخ لأول مرة يخصص يومًا للمياه بدعوة من مصر، وقدمت خلالها مبادرة مع منظمة الأرصاد المائية للتحكم في سياسات الدول فيما يخص مشاركة الأنهار، لافتاً إلى أن المياه أصبحت مشكلة في بقاع كثيرة من العالم وزاد من مشكلتها التغييرات المناخية، حيث نجد في إفريقيا تصحر وجفاف ونفوق للكائنات الحية مما تسبب في نزوح السكان، وفي أماكن أخرى نجد هطول عنيف للأمطار أدى إلى فيضانات، كما حدث في دولة باكستان التي اغرقت الفيضانات ثلث مساحتها تهجر على إثرها 33 مليون مواطن.
وأشار هلال إلى أنه وفقًا لأخر احصائية أصدرتها الأمم المتحدة؛ 2 مليار شخص يعاني نقص أو غياب المياه العذبة، و4 مليار شخص يعانون إما من نقص خدمات الصرف الصحي أو عدم وجودها من الأساس، مؤكداً أن مسئولية أي دولة أن تتأكد في كل الأوقات من وجود كمية كافية من المياه تتوافق مع احتياجات المجتمع المتزايد، وهي الأزمة التي دخلت فيها مصر بالفعل والتي تحتاج إلى حلول صعبة.
من جانبه أكد الفريق مهاب مميش؛ على خطورة قضية المياه التي أصبحت نقصها يمثل حملًا ثقيلًا، مؤكدًا أن الرئيس السيسى يعمل ليل نهار لتعويض أي نقص في المياه حدث، ولكن يقع على كل مصري في موقعه مسئولية أن يحافظ على أمن المياه وعلى كل نقطة مياه.
وشدد مميش على أن المياه المصرية وخاصة البحار أصبحت جزء كبير من الصندوق السيادي المصري اليوم ومستقبلًا بعد الاكتشافات النفطية التي اكتشفت، بالإضافة إلى قناة السويس والتطورات التي تشهدها، ولذلك تولي الدولة اهتمامًا كبيرًا للارتقاء بالموانئ، والعائد سوف يمثل جزء كبير من خزانة الدولة المصرية.
وخلال المنتدى استعرض مميش حدود مصر المائية، إذ تمتلك مصر موقع استراتيجي وأهم مجرى ملاحي عالمي، وهو ما يستوجب التطور في مجال البحر والموانئ لكي تستوعب السفن العملاقة التي تمر بقناة السويس، حيث تواجه تنافسية مع موانئ في دول الجوار، مضيفًا أن هناك تغييرات تحدث في القنوات المائية العالمية نتيجة التغييرات المناخية حيث تعمل روسيا على شق ممر في الدائرة القطبية المتجمدة توفر 48% من المسافة الإبحار إلى جنوب إفريقيا عن قناة السويس، لذلك لابد أن تنمي مصر قدرتها على التنافس.
وأكد مميش على أن تأمين المياه موضوع في غاية الأهمية ولا نريد أن تنقص نقطة واحدة في الفترة المقبلة، وهو بالفعل الذي تحرص عليه مصر إذ بدأت في تنفيذ سياسة الاقتصاد الأزرق الذي يساهم في الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استهلاكها، وإعادة تدويرها، مشدداً على أن تأمين الحدود البحرية المصرية ينقسم إلى شقين؛ الأول عسكري ويتم على أعلى مستوى، والثاني هو الشق القانوني، فلابد من الفهم الجيد للقوانين الدولية.
وقال مميش إن أمن المياه في الفترة المقبلة قضية أمن قومي مصري، وسوف تكون منطقة قناة السويس قلب الاقتصاد المصري، والوضع الحالي يسمح بتحقيق ذلك، مؤكداً على أهمية التواصل المصري مع الدول الافريقية، وأنها السوق الطبيعي للمنتجات المصرية، التي كانت قد تصل إليهم في وقت سابق وتلقى رواجًا كبيرًا.
وقال الدكتور محمد شوقي العناني؛ إن الأمن المائي جزء من الأمن القومي، والمياه هي أساس الحياة ولا يوجد رفاهية أو تنمية دون وجود المياه العذبة، ونهر النيل بالنسبة لنا هو الحياة لولاه لم تكن لتقوم الحضارة التي أذهلت العالم منذ آلاف السنين، و95% من احتياجات مصر من المياه العذبة يأتي من النهر وأي مساس به هو مساس بأمننا القومي.
وأكد العناني إن الأنهار الدولية لها إطار قانوني دولي يحكمها، مصدره الأعراف الدولية، مضيفًا أن كل الأنهار الدولية الكبرى لها اتفاقية واحدة جامعة تجمع كل الدول المشاطئة لها عدا نهر النيل، الذي يضم 19 اتفاقية تجمع بين عددًا من أطرافه فقط، وهذه الأعراف جاءت من الاتفاقيات المنفردة المختلفة، وجمعتها الأمم المتحدة وأصدرت لها اتفاقية إطارية عام 1997، مشيراً إلى أنه في قضية سد النهضة خالف إثيوبيا عدة مبادئ، أولها مبدأ عدم الضرر؛ إذ أنه لا يجوز لأي دولة نهرية أن تأتي عملًا يأتي بأي ضرر على الدول التالية لها، ثانيًا وجوب الإخطار المسبق؛ موضحًا أن كل الأحكام التي أصدرتها محكمة العدل الدولية قررت مبدأ وجوب الإخطار المسبق، وانتظار ردًا في فترة ٦ أشهر قابلة للتجديد 6 أشهر أخرى.
وأضاف العناني إن المبدأ الثالث هو التسوية السلمية لنزاعات المياه؛ وفي هذا الصدد طرحت مصر أفكار عديدة على إثيوبيا للتفاوض ولكن ما من مجيب، مشددًا على أن الأطر القانونية للبحار أكثر دقة وقوة من القانون الحاكم لمياه الأنهار، لافتاً إلى أن المخاطر التي تهدد المياه العذبة كثيرة ليس سد النهضة الإثيوبي فقط، رغم أنها أخطرها وأوضحها، ولكن الزيادة السكانية تمثل خطرًا أيضًا، حيث تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب مياه منذ اتفاقية 1959، وكان عدد السكان في ذلك الوقت حوالي 40 مليون مواطن وأقل، واليوم أصبحنا خمسة أمثال ما كنا عليه، ونحتاج إلى 114 مليار متر مكعب، كما أننا مازالنا نعتمد على الطرق التقليدية في الزراعة.
ودعا العناني إلى بحث إمكانية الاستفادة من دول المنابع الاستوائية، والتي يصلنا منها مياه بنسبة 15% في نهر النيل، وبحث سبل زيادة هذه النسبة، مشيرًا إلى وزارة الموارد المائية والري المصرية في عام 2021 وضعت استراتيجية الموارد المائية حتى عام 2050 تتضمن تحسين نوعية المياه وتنمية الموارد المائية وترشيد استهلاك المياه وتبطين الترع، وهو خطة مهمة وخطوة في سبيل الحفاظ على أمننا القومي.