مرحلة جديدة تنطلق نحوها المنطقة العربية، لا سيما مصر ودول مجلس التعاون الخليجى، إيمانًا بدورهما الكبير فى قيادة الشرق الأوسط إلى برّ الأمان والاستقرار فى ظل متغيرات وتداعيات يُواجهها العالم أجمع، ما يتطلب العمل والتنسيق المشترك، ولعل أبرز التحديات التى تُواجه عالمنا أزمة التغيرات المناخية التى تُلقى بظلالها على جميع مناحى الحياة وتؤثر سلبيًا على كل الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالى تتجه مصر ودول الخليج بوتيرة مُتسارعة نحو التحول الأخضر وتنمية سوق الطاقة المتجددة، خاصة وسط توقعات بالوصول إلى 80 جيجاوات من مشروعات الطاقة النظيفة فى عام 2030، ذلك العام الذى يحمل رؤية طموحة هادفة إلى التنمية المستدامة ومستقبل نظيف لكل من مصر وعدد من أشقائها بدول مجلس التعاون الخليجى.
ووفقًا للإصدار الأخير من تقرير البنك الدولى عن آخر المستجدات الاقتصادية لمنطقة الخليج، فإن الاستثمار فى النمو الأخضر من شأنه أن يساعد على التنويع الاقتصادى وأن يعمل على تسريع وتيرته، ليصل النمو إجمالى للناتج المحلى لما يتجاوز 13 تريليون دولار بحلول عام 2050. ويأتى انعقاد COP27 فى شرم الشيخ ليُمثل بوابة عبور جديدة لمستقبل أخضر، لمصر وأشقائها فى دول الخليج، وحضور قادة الخليج ومشاركتهم بقوة ليعكس مدى التنسيق والتعاون وتقدير الأشقاء لمكانة مصر ودورها المحورى فى خطة التحول الأخضر للمنطقة.
شرم الشيخ نحو «الشرق الأوسط الأخضر»
لعل إعلان ولى العهد رئيس مجلس الوزراء السعودى رئيس اللجنة العليا للسعودية الخضراء، الأمير محمد بن سلمان، انطلاق النسخة الثانية من «قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، و«منتدى مبادرة السعودية الخضراء» يومى 11 و12 نوفمبر الجارى فى شرم الشيخ، تزامنًا مع انعقاد مؤتمر المناخ بمصر، لرسالة واضحة لمدى التنسيق والتعاون بين مصر والمملكة العربية السعودية فى كل المجالات، وما يُمثله التحول الأخضر من أهمية لمستقبل الشرق الأوسط.
مصر والسعودية.. شراكة استراتيجية
وأكد كبير المذيعين بقناة السعودية، الإعلامى محمد المحيا، على متانة العلاقات الثنائية بين مصر والسعودية، إن اختيار الأمير محمد بن سلمان لمصر وشرم الشيخ، لانعقاد النسخة الثانية من مبادرة الشرق الأخضر، هى تأكيد على المكانة الكبيرة لمصر لدى القيادة السعودية والشعب السعودى، موضحًا أن هذه العلاقة ليست وليدة اليوم وإنما تاريخية، قائلًا: «وما اختيار مصر لإقامة المبادرة السعودية الخضراء أيضًا، إلا امتداد للعلاقة المُتميزة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفى كل مناحى الحياة»، وتابع «المحيا» «أن العلاقات ليست عابرة، وإنما هى علاقات استراتيجية وشراكة ومصير واحد بين الدولتين والشعبين الشقيقين»، مشيرًا إلى تأكد الأمير محمد بن سلمان فى تصريح سابق على امتنانه للرئيس عبدالفتاح السيسى، على إتاحة الفرصة لإقامة المبادرة فى شرم الشيخ بحضور الأمير محمد بن سلمان كرئيس لوفد المملكة العربية السعودية، فى هذه القمة، وقال: «عندما نتحدث عن العلاقات المصرية السعودية واختيار شرم الشيخ لإقامة هذه المبادرة فنحن نتحدث عن رؤية ثاقبة وسديدة نحو المستقبل، بما يقود الوطن العربى والشرق الأوسط إلى أوروبا الجديدة».
قمة عالمية ومبادرة استثنائية
يقول رئيس تحرير صحيفة سبق السعودية، على الحازمى: «مما لا شك فيه أن قمة المناخ بجميع نسخها تشكل ثقلًا عالميًا كبيرًا لحماية مستقبل الكوكب، وبالنظر بشكل خاص لما تمثله هذه النسخة من القمة التى تستضيفها مصر الشقيقة، فإنه من السهل عندها إدراك حكمة الأمير محمد بن سلمان فى اختيار هذا الملتقى العالمى ليكون نقطة إطلاق للنسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بما تمثله من ثقل وأهمية إقليمية ودعمًا للجهود العالمية فى هذا الشأن، حيث يواجه كوكبنا المزيد من المخاطر بانتظار تنفيذ التعهدات التى أطلقت فى النسخ السابقة، وعن اختيار ولى العهد السعودى لمدينة شرم الشيخ لهذا الحدث التاريخى، أوضح «الحازمى» أن الجميع يعلم أن هذه المدينة تحديدًا دائمًا كانت حاضنة لأهم الملتقيات الإقليمية والعالمية، حيث موقعها العالمى المُهم، كما أنها ستكون ملتقى لحضور أكثر من 30 ألف مشارك من 197 دولة فى هذه النسخة Cop27، مشيرًا إلى وجود المنظمة الأممية وممثلين لأقوى التحالفات العالمية.
وتابع أن ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، رأى أن هذه فرصة تاريخية فى ظل وجود هذه القمة فى بلد شقيق ومعروف بثقله الدولى وقيادته ذات المواقف الراسخة مع المملكة، ما يُمثل دافعًا كبيرًا ومعززًا لدعم المبادرة والتى تشكل دعمًا كبيرًا للجهود العالمية فى حماية البيئة والمناخ فى ظل المهددات المتزايدة».
مبادرات نوعية
ويرى عضو مجلس الشورى السعودى، فضل بن سعد البوعينين، أن إطلاق النسخة الثانية من مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر»، ومبادرة «السعودية الخضراء»، على هامش مؤتمر المناخ فى مدينة شرم الشيخ، له أهمية كبيرة، فهو المنصة الرسمية التى ستحضرها 197 دولة من أجل مناقشة تغير المناخ، وما تفعله هذه البلدان، لمواجهة هذه المشكلة ومعالجتها، إنه من المُميز جدًا أن يكون هذا المؤتمر بأهميته، وحجم المشاركين فيه، إضافة إلى أن مكان انعقاده فى مصر الشقيقة مكان تنطلق منه مبادرة الشرق الأوسط الأخضر فى نسختها الثانية.
وأضاف «أعتقد أن المبادرات النوعية الموجهة لمعالجة مشكلة التغير المناخى من أسباب نجاح المؤتمر، وأعلم أن المملكة أكثر حرصًا على نجاح المؤتمر الذى يعقد فى الشقيقة مصر، وتقديم مبادرات نوعية وبرامج محققة لهدف خفض الانبعاثات الضارة وتعزيز المكونات البيئية، من خلال فعالياته، مشيرًا إلى أن المملكة تتحمل مسؤولية فى دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ من خلال مبادراتها النوعية، والتى منها مبادرات «الرياض الخضراء»، و«السعودية والخضراء»، و«الشرق الأوسط الأخضر»، والتى تهدف إلى دعم السعودية والمنطقة العربية من خلال توفير خارطة طريق واضحة للحد من الانبعاثات الضارة.
كما أوضح «البوعينين» أن تنمية الاقتصاد الأخضر من الأهداف الرئيسة للمملكة، لافتًا إلى ما تضمنته حزمة المبادرات الأولى من استثمارات مالية تزيد قيمتها على 700 مليار ريال سعودى، ما يعنى التوسع فى الاستثمارات على جانبين رئيسيين، الأول فى تعزيز مصادر الطاقة وبما يضمن استدامة الإمدادات واستقرار الأسواق، والثانى تنمية الاقتصاد الأخضر المعزز لحماية البيئة وصحة الإنسان، وللجهود الموجهة لتحقيق الحياد الكربونى على المدى البعيد.
الإمارات تنطلق نحو COP28 من شرم الشيخ
شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة، بوفد متميز، بقيادة الرئيس الإماراتى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذى توجه بالشكر والامتنان لمصر خلال كلمته بفعاليات اليوم الأول لقمة المناخ، على استضافة هذا الحدث العالمى المُهم، ومشاركة التنظيم مع الأمم المتحدة، خاصة أن موعد انعقد المؤتمر هذا العام يأتى وسط تحديات يشهدها العالم أجمع، ومن أهمها التغيرات المناخية التى أصبحت تؤثر على أمن واستقرار العالم، قائلًا: «بما أننا لا نملك إلا أرضًا واحدة من الضرورى أن نوحد جهودنا لمعالجة هذا التحدى»، موجهًا دعوة مفتوحة للجميع لإيجاد حلول لمعالجة الخسائر والأضرار والتداعيات جراء هذه الأزمة، وخلق فرص نمو اقتصادى فى كل مكان.
كما أشار الشيخ محمد بن زايد إلى استمرار دولة الإمارات بنهجها فى مد جسور التعاون والتواصل مع المجتمع الدولى، واستعداها لاستضافة الدورة الـ28 لقمة المناخ العام المقبل 2023، كاشفًا عن التركيز على دعم تنفيذ مخرجات المؤتمرات السابقة، وكذلك إنجاز أول تقييم عالمى للتقدم فى اتفاق باريس للمناخ.
وعن دعوة الرئيس السيسى، خلال كلمته، لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، أعرب الشيخ محمد بن زايد عن تأييده الكامل لها، قائلًا: «نحن معك فيما صرحت به، ونحتاج إلى سلام وحوار ووقف الحرب».
ولا يخفى على أحد قوة التنسيق والتعاون بين مصر والإمارات فى العديد من المجالات، فمنذ أسابيع قليلة أقامت الدولتان احتفالية على مدار 3 أيام احتفالًا بمرور 50 عاما على العلاقات الثنائية، وقام نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس الوزراء، حاكم دبى، الشيخ محمد بن راشد بزيارة مصر ولقاء الرئيس السيسى أثناء هذه المناسبة، مؤكدًا على متانة العلاقات الثنائية بين البلدين، واستمرار هذا التعاون على كل الأصعدة ليأتى حرص الرئيس الإماراتى على حضور قمة المناخ المُنعقدة بشرم الشيخ فى مقدمة وفد إماراتى من كبار المسؤولين والحكوميين الإماراتيين ليؤكد على قوة العلاقات الثنائية والتنسيق نحو مستقبل أفضل للمنطقة العربية فى ظل ما يشهده العالم من أزمات. كما أن هذه القمة تسبق النسخة التالية المُقرر انعقادها فى الإمارات، ما يعنى اهتمام الإمارات بربط مخرجات ونتائج النسخة الحالية بالمقبلة، من أجل إقامة شراكات استراتيجية نخو مستقبل أخضر ومستدام من خلال التوصلُ إلى حلول علمية تستطيع مواجهة تحديات التغيرات المناخية وسلبياتها.
ويرى الخبير الرقمى الإماراتى، فيصل محمد الشمرى فى مقال له، أن الدعم الإماراتى لمصر خلال COP 27 يأتى مُعززًا بسجل حافل للإمارات بالريادة فى مجال الطاقة المتجددة، ما سينعكس على وضع مسارات واقعية شمولية للعمل المناخى، وتطوير برامج ومبادرات مركبة كمبادرة الابتكار الزراعى للمناخ، والتحول فى قطاع الطاقة. وفى هذا الإطار انطلقت الدورة الثامنة من القمة العالمية للاقتصاد الأخضر على مدار يومين، خلال أغسطس الماضى، بدولة الإمارات، وقد ناقشت عددًا من المحاور الرئيسية مثل الطاقة والتمويل والأمن الغذائى والشباب، بما يُسهم دفع مسيرة التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتسريع عجلة التنمية المستدامة.
سلطنة عمان وتطورات جديدة بمشروعات الهيدروجين الأخضر
ومن سلطنة عُمان يترأس وزير الطاقة والمعادن، سالم بن ناصر العوفى، الوفد المشارك فى قمة المناخ بشرم الشيخ، بالإضافة إلى كل من وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدبلوماسية الشيخ خليفة بن على الحارثى، ورئيس هيئة البيئة الدكتور عبدالله بن على العمرى، ورئيس هيئة الطيران المدنى المهندس نايف بن على العبرى، وقد دشنت السلطنة على هامش مشاركتها فى COP27، الاستراتيجية الوطنية للانتقال المنظم إلى خطة الحياد الكربونى والسياسة الوطنية البيئية للطاقة، حيث ترتكز عُمان على عدد من المحاور، أهمها الاستثمار فى الهيدروجين الأخضر، والتوسع فى مشروعات الطاقة المتجددة.
وأكدت السلطنة أن مشاركتها الحالية تأتى انطلاقًا من إيمانها بأهمية التنسيق مع دول العالم والمنطقة لتقليل الاحتباس الحرارى إلى مستويات أقل من 2 درجة مئوية، وإذا أمكن وضع حد له عند 1.5 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل الصناعة، وهو تبنٍّ لاتفاقية باريس من قِبل 196 دولة، والتى دخلت حيز التنفيذ فى 4 نوفمبر/تشرين الثانى 2016، بحسب موقع «الطاقة». ومن المقرر أن يستضيف جناح سلطنة عمان عددًا من البرامج والاجتماعات، لمناقشة موضوعات التغير المناخى والحياد الكربونى، والاستثمار فى قطاع الطاقة الخضراء.
الكويت تناقش جبهة مُوحدة لمجابهة تحديات الدول النفطية
تأتى مشاركة الكويت فى COP27 كترجمة حقيقية لمسؤولياتها البيئية، حيث يشارك وفد رفيع المستوى يتقدمه ولى عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ويُركز التليفزيون الكويتى الرسمى على هذا الحدث والمشاركة الكويتية المُتميزة، حيث وزارات النفط والكهرباء والصندوق الكويتى، إلى جانب عدد من الشركات المُهمة.
وأشار تليفزيون الكويت إلى عدد من الجلسات المغلقة المُقرر انعقادها على هامش القمة، والتى سيتم بها مناقشات عديدة بين الدول العربية للتنسيق وتشكيل جبهة موحدة للدفاع عن مصالح الدول النفطية على وجه الخصوص، ودول المنطقة بشكل عام، إلى جانب مناقشة آليات الأثر البشرى على التغير المناخى حفاظًا على كوكب الأرض ومستقبل الأجيال القادمة.
البحرين تعقد آمالا إيجابية على مخرجات Cop27
يشارك ولى العهد البحرينى رئيس مجلس الوزراء، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، فى قمة المناخ، مشيدا بجهود مصر فى التنظيم والاستضافة، مشيرا بحسب وكالة «بنا» إلى اهتمام القمة بالخروج بنتائج ومخرجات مثمرة بناءة لتعزيز التعاون الدولى المشترك فى مواجهة تحديات التغيرات المناخية وبما يعزز الازدهار والنماء العالمى.
كما أوضح أن البحرين تهدف للوصول إلى الحياد الكربونى بحلول عام 2060، مشيرا إلى أن بلاده زادت من طاقتها المتجددة بنسبة 40 % فى العام الماضى، كما تستمر فى حرصها على وضع الحلول المتقدمة فى مجال التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، وتقليل كثافة انبعاثات الكربون.
كما أكد أن الاستدامة البيئية على رأس الأولويات بالبحرين ضمن خطط ومسارات التنمية على جميع الأصعدة باعتبارها هدفا عالميا وركيزة أساسية للحاضر والمستقبل.