المصريون أكثر الرابحين من الحوار الوطني والمؤتمر الاقتصادي

السبت، 29 أكتوبر 2022 09:32 م
المصريون أكثر الرابحين من الحوار الوطني والمؤتمر الاقتصادي
يوسف أيوب

5 فوائد للحالة الحوارية الحالية:

القوى السياسية ستعيد هيكلة نفسها وتتخلى عن "لا" وتفكر في "كيف"

توسيع دائرة الأفكار والمقترحات امام الحكومة بدلا من الدوران داخل دائرة مغلقة

منح القوى الشبابية الفرصة ليكونوا رقما فاعلا وعناصر بناء وتفاعل بدلا من التظاهر والتخريب

تغيير جذرى في البنية الفكرية للأحزاب لتكون "معارضة رشيدة" لديها قول وفعل

رسالة قوية لكل المصريين أن الدولة ليست فى عداء معهم، بل أن الجميع شركاء في البناء

 

في البداية، لدى ملاحظتان رأيت الأشارة إليهما قبل الخوض في تفاصيل ما تشهده الدولة المصرية من حالة حوار شاملة، لا تقتصر على مجال واحد، وإنما تشمل كافة مناحى الحياة، والدعوة للمشاركة موجهة إلى الجميع، مؤيد ومعارض، بل كل مصر على أرجاء المعمورة.

الملاحظة الأولى:

أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، هو الرئيس الأول الذى حكم مصر دون ظهير حزبى، بل ظهيره جموع المصريين الذين استدعوه لتحمل المسئولية في 2014، بوصفه البطل الذى حمل روحه على يديه، ووقف في وجه جماعة إرهابية أرادت قتل وذبح كل المصريين، لتبقى الجماعة فقط هي المسيطرة على الدولة المصرية. ابى الرئيس السيسى أن يترك الشعب في مواجهة هذه الجماعة الإرهابية، وتصدى لمخططاتهم ولا زال، ولم يهاب من التهديدات، بل واصل العمل ليل نهار لتعود مصر إلى المكانة التي تستحقها.

كما أن الحكومة هي الاخرى ليست حزبية، وإنما كافة عناصرها من التكنوقراط ممن رأت القيادة السياسية أنهم على قدر المسئولية فى ظل ازمات متلاحقة. نعم قد ينضم إلى هذه الحكومة بين وقت واخر أحد الحزبيين لكن هذا لا يعنى إنها حكومة حزبية أو تنتمى لفصيل سياسى أو حزبى معين، وإنما حكومة تمثل مصر، وهدفها تنفيذ السياسات والبرامج والأهداف التي صارح بها الرئيس السيسى المصريين.

الملاحظة الثانية:

أن الفترة ما بين 2011 وحتى 2015 شهدت تواجد لعناصر وشخصيات حزبية كثير منهم منتمى إلى المعارضة تقلدوا مناصب وزارية حكومية، وكان اللافت في أدائهم أنه كان يسير عكس قناعاتهم السابقة، وهنا لا يمكن القول أن احد فرض عليهم سياسة او توجه معين، لكن الذى حدث كما سمعته من احدهم أن الدولاب الحكومى يختلف عن العمل السياسى المعارض تحديدا، لانك فى الحكومة محكوم بواقع لا يمكن أن تهرب منه بتصريحات انتقاد وانما عليك أن تبدع لتحقق المطلوب منك.

كانت هذه معضلة واجهت الكثير من السياسين ممن راوا تجنب العمل الحكومى بعد ذلك، ربما عملا بقاعدة "اللى ايديه فى الميه غير اللى ايديه فى النار"، لذلك لم يكن مستغربا أن يعتذر بعضهم عن المناصب الوزارية التى عرضت عليهم بعد ذلك لانهم فى النهاية يريدون الحفاظ على رصيدهم السياسى ولا يريدون لمنصب سواء في وزارة او هيئة مهما كانت وجاهته الاجتماعية أن يكون خصما من هذا الرصيد وهو ما اشار اليه الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال فعاليات المؤتمر الاقتصادى.

بعد الملاحظتان، يمكن أن أبدا بالحديث عن المستفيد من حالة الحوار الحالية، المتمثلة في الحوار الوطنى المستمر، والذى انتقل من الغرف المغلقة إلى المحافظات من خلال تنظيم فعاليات ومؤتمرات وندوات في المحافظات، وكذلك الدور الذى يقوم به الإعلام في أيصال كافة الأراء إلى بيوت كل المصريين.

وبجانب الحوار الوطنى، كان هناك الأسبوع الماضى جلسات المؤتمر الاقتصادى "مصر 2022" التي نقلت جلساتها جميعاً على الهواء مباشرة، وتحدث الجميع "حكومة ومعارضة ورجال اعمال ومستثمرين وخبراء ومفكرين" في حوار اقتصادى مهم لبناء مستقبل الدولة اقتصادياً.

المستفيد بكل تأكيد هم المصريين أنفسهم، لأنهم لأول مرة يشاهدون ويتابعون كافة الآراء والمقترحات بعيداً عن التشجنات السياسية او حتى التمسك بأراء أيدلوجية، بل أنه للمرة الأولى، يتم الدعوة إلى حوار في دولة لا تعانى من أزمة سياسية، وإنما جاءت الدعوة من رئيس قوى شعبياً في دولة مستقرة، لكن الرئيس القوى، أراد أن يزيد من التحول الذى تشهده الدولة، ويفتح الباب أمام كل التيارات لتكون مشاركة في صياغة المستقبل، لان المستقبل ليس ملكاً لأحد بعينه، وغنما هو ملك لكل المصريين، لذلك فالجميع مدعو ليقول رايه ويسجل مقترحاته، وفى الاتجاه الأخر هناك سلطة ودولة تتابع ما يجرى من حوار، وتتداخل في الحوار في أوقات معينة، وتأخذ من هذه المقترحات ما يتناسب مع الواقع، لتبدأ في التنفيذ على الأرض، إلى حين الاتفاق على الخارطة المستقبلية، لإن الفلسفة التي يسير عليها الرئيس السيسى منذ ان استدعى لتولى المسئولية في 2014 أنه لا مجال للتأخير، كل ما هو مفيد للدولة وللمواطنيين فإن طريقه الوحيد هو التنفيذ.

لذلك فبكل تأكيد المواطنيين هم أكثر الرابحين من حالة الحوار الحالية هم المصريين.

لكن يبقى السؤال، هل الفائدة فقط في أن يسمع المصريين مجريات الحوار، وكذلك الآراء المختلفة بما يزيد من حالة الوعى، ويجعل المصريين جميعاً منخرطين في الحوار. بالتأكيد لا.. ليس هذا فقط هدف الحوار، أو المرجو منه على الأقل بالنسبة لى شخصياً.

حالة الحوار الحالية أراها تحقق العديد من الأهداف منها:

أولاً:

أن الحالة الحوارية الحالية ستدفع القوى السياسية إلى اعادة هيكلة نفسها سواء فكريا او إداريا، لان المهمة باتت صعبة عليهم، فالشو الاعلامى فات وقته، وحان وقت الجد، بمعنى ان يكون لدى هذه القوى السياسية القدرة على قول "كيف" وليس فقط الاكتفاء بـ"لا".

على مدار سنوات طويلة اعتدنا من المعارضة تحديداً أن تكتفى بقول "لا"، لكنها اليوم باتت أمام واقع تاريخى، حينما دعيت لتقول "كيف" في مواجهة كل الأمور والملفات سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهو ما دفع الكثير من الأحزاب إلى مراجعة آليات العمل بداخلها، وتتحول إلى ما يشبه ورش عمل للبحث عن إجابات عملية تحمل كلها صيغة "كيف".

فقد كانت الدعوة للحوار هدف، وهو أن يشارك كل المصريين في صياغة المستقبل، أو ما أكد عليها الرئيس السيسى، الانتقال إلى الجمهورية الجديدة بأفكار ومقترحات وأيادى كل المصريين، لذلك فان المرحلة الحالية هي كاشفة للجميع، من يملك القدرة على العمل والتفكير، ومن يريد أن يظل في مربع "لا" فقط.

ولإن الحوار بات مفتوحاً أمام الجميع، ومعروض أمام كل المصريين، فلا اعتقد أن الأحزاب والقوى السياسية تريد أن تظهر بصورة المتخندقة في مربع المعارضة فقط، بل ستعمل بكل جهدها على الاستفادة من قدرات وكفاءات اضعاء كل حزب، للوصول إلى فكرة ومقترح أو حل.

ثانياً:

الحالة الحوارية الحالية، ستوسع المجال امام الحكومة، وبدلا من الدوران داخل دائرة مغلقة، فإن الافكار ستكون متنوعة، وأمامها حصيلة كبيرة من الأفكار والمقترحات المبنية بكل تأكيد على معطيات رقمية ستمد بها الحكومة لجان الحوار الوطنى، وبالتالي ستكون المقترحات قريبة من الواقع، سهلة في التطبيق على الأرض، ولنأخذ ما حدث في المؤتمر الاقتصادى مثالاً، فقد كان المؤتمر شاهداً على حالة من تبادل الأفكار والرؤى ما بين الجميع، رجال الأعمال والمستثمرين والخبراء والمفكرين والسياسيين ينتقدون ويقترحون، والحكومة تتدخل بما لديها من معلومات وأرقام، وفى نهاية المؤتمر تم الأتفاق على مجموعة من التوصيات ستجد طريقاً إلى التنفيذ، لوجود إرادة سياسية قوية بان تتحول الأوراق إلى خطط عمل تنفيذية.

ثالثاً:

الحالة الحوارية الحالية ستمنح مزيد من الثقة للشباب، فالشاهد كما سبق وقلت، الأساس الذى يدور عليه الحوار هو التحول من فكرة التنظير الى التفعيل، ولإن الشباب هم عماد القوى السياسية والحزبية اليوم، فإنهم سيجدوا أنفسهم بمرور الأيام وسط المسئولية، وعليهم الاستفادة من خبرات السابقين، والتعلم من الحوارات والنقاشات التي تجرى بين كافة مكونات وأطياف المجتمع المصرى، وهو ما سيثقل قدراتهم ومواهبهم، وسيجعلهم في أي وقت جاهزين لتحمل المسئولية متى طلب منهم ذلك.

فتوسيع دائرة الحوار سيمنح القوى السياسية خاصة الشبابية الفرصة ليكونوا رقما فاعلا فى المجال العام المصرى، فبدلا من التظاهر والتخريب ها هم مدعوون للبناء والمشاركة الفعالة.

وامامنا هنا تجربة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، الذين انخرطوا فى العمل العام السياسى والاجتماعى والاقتصادى ودخل بعضهم دولاب العمل الحكومى ورأينا انتاجهم على الارض من خلال افكار خلاقة ومبدعة لم تكن لتظهر لولا ان هولاء الشباب بمختلف انتماءاتهم الحزبية والسياسية اتفقوا على ان يكونوا جزء من البناء ونموذجا للقوى السياسية ان هناك نقاط كثيرة للاتفاق اكثر من الاختلاف.

رابعاً:

ما يحدث اليوم، وما اراه من تفاعل حزبى وسياسى، هو تغيير جذرى في البنية الفكرة لكثير من الأحزاب والقوى السياسية، من خلال تبنى الكثير منهم لاجندات واضحة المعالم في ملفات متشابكة، وكان من الصعب سياسيا على هذه الأحزاب اختراقها، أما خوفاً من المواجهة مع الشارع، أو ربما بسبب نقص في المعلومات، لكن اليوم الأمور كلها واضحة، وهو ما يساعد على تشكيل ما يمكن تسميته بـ"المعارضة الرشيدة"، وهنا لا اتحدث عن "المعارضة المستأنسة"، فهذا الشكل من المعارضة مرفوض من الجميع، فتقدم أي دولة مبنى على تنوع الفكر والراى، لا أن يسير الجميع وفق تيار فكرى واحد.

لكن المقصود هنا من المعارضة الرشيدة تلك التي لديها قول وفعل، وليس فقط مجرد "قول".

ومن يتابع مجريات الحوار الوطنى، وكذلك ظهور القيادات الحزبية والسياسية في وسائل الإعلام، سيجد أنه منذ إبريل الماضى، وتحديداً يوم 26 إبريل حينما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى دعوته إلى الحوار، حدث تغيير تدريجى في تفكير وفلسفة الكثير من الأحزاب، فبعضها بدأ في تلقى الدعوة بفرض شروط، ربما لأنهم رأوا الحوار من زاوية سياسية فقط، لكنهم مع مرور الوقت، ومع تزايد الاهتمام الشعبى بمخرجات الحوار، وربط الشارع هذا الحوار بالقضايا الحياتية، وجدت هذه القوى نفسها مجبرة على التفاعل مع القضايا الجماهيرية، لأنها الأولى بالنسبة للمواطن، الذى قد يتحدث عن الحريات والافراج عن السجناء، لكنه في نهاية الامر همه الاساسىى قوت يومه، وكل ما هو مرتبط بحياته.

فاليوم الشارع يتحدث عن قانون التصالح في مخالفات البناء، وقواعد البناء الجديدة، ونظام الثانوية العامة، ومسألة ارتفاع أسعار السلع، لذلك بدأت الأحزاب في مراجعة أولوياتها، حتى تكون متسقة مع الشارع.

خامساً:

أن الحالة الحوارية التي تشهدها مصر حاليا هي رسالة قوية لكل المصريين، أن الدولة ليست فى عداء معهم، بل أن الجميع شركاء فى بناء الدولة، لذلك فتحت الدولة الباب امام سجناء القضايا السياسية للانخراط فى المجتمع مرة اخرى ليكونوا قوى مضافة وليس هدامة. قل رأيك وانتقد كما تشاء لكن لا تحرض ولا تهدم.

في النهاية، استطيع القول أن الحالة الحوارية المصرية هي فريدة من نوعها، فمهما اشتد الخلاف تبقى نقطة التقاء بين الجميع لكن تحتاج الى من يحددها، وهو ما قام به الرئيس السيسى الذى قال أن الحوار الوطني الذي انطلق في شهر أبريل الماضي كان يستهدف أن نسمع بعضنا البعض رغم الاختلاف وطرح كل القضايا لنتحدث فيها سواء في الاقتصاد أو السياسية أو الاجتماع أو الثقافة أو الإعلام أو الدين.

وكما قال الرئيس السيسى، فإن مصر بحاجة إلى توحيد أدبيات التعامل مع الواقع وتطوير الفهم تجاه دور الدولة، والعمل من الجميع للحفاظ على تماسك الدولة، وهو ما يتحقق على الأرض حالياً، وسيكون للحوار الوطنى دور كبير فيه مستقبلاً.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة