مرآة الإخوان.. الجماعة الإرهابية تستتر خلف "الكماليون"
السبت، 22 أكتوبر 2022 11:00 مدينا الحسيني
- وثيقة الإصدار السياسي محاولة ملتوية من أحفاد البنا للعودة إلى الحياة
- "تيار التغيير" يحاول الظهور في ثوب الرافض للعنف.. يسعى لجمع شمل جسد الجماعة المتناثر بين جبتهي منير ومحمود حسين
- فقه الاستضعاف تلجأ إليه الجماعة في مرحلة الوهن ومن شروطها السرية والاختفاء التام وعدم مباشرة أي نشاط مٌعلن حتى تتمكن الجماعة من إعادة بناء التنظيم مره أخرى
تخفى تيار التغيير الإخوانى المُنشق عن جبهتي إبراهيم منير، محمود حسين، تحت ستار وثيقة مشبوهة صدرت عن المكتب العام منذ أيام ينفذون من خلالها وصايا حسن البنا باختيار التوقيت المناسب للعنف.
وعقد ما أطلق على نفسه "تيار التغيير بجماعة الإخوان المسلمين" مؤتمر الأسبوع الماضى لغسل سمعة هذا الجناح المسلح للجماعة الإرهابية، حيث يعرف عن هذا التيار أنه من رجال محمد كمال، الإرهابى الذى قتل في 2016 خلال مداهمة امنية، وكان مسئولا عن تكون الميليشيات الإرهابية.
ظهور هذا التيار في هذا التوقيت ليس بغريب على أعضاء الجماعة الإرهابية، فالعنف والقتل والدماء، هو أحد أدبيات جماعة الإخوان الإرهابية منذ تأسيسها عام 1928 على يد حسن البنا، لكنهم في أوقات عدة يختارون الاختباء خلف ستار السياسة، حتى يتحينوا فرصة اللجوء إلى العنف والمواجهات المسلحة، لفرض آرائهم وتواجدهم على الساحة، فالأساس لدى الإخوان أن العنف هو المبدأ، لكنهم يختلفون فيما بينهم على توقيت اللجوء إليه.
مؤخراً ظهر هذا التيار الإخوانى الذي تشكل قبل سنوات لكنه ظل كامناً منتظراً فرصة للظهور، والسبت 15 أكتوبر ظهر هذا التيار في مؤتمر عقده وأطلق على نفسه "تيار التغيير بجماعة الإخوان "، والمُلقب "تيار الكماليين"، نسبة إلى محمد كمال، الذى نظم عمليات إرهابية واسعة في مصر أعقاب عام 2014.
"تيار الكماليون" أصدر ما أسماه وثيقة "الإصدار السياسي"، محاولاً من خلاله جمع شمل جسد الجماعة المتناثر، وتحديداً بين جبهتي "إبراهيم منير" و"محمود حسين"، و"إحياء أجندة كانت معطلة "مؤقتا" لدى الجبهتين في ظل نقص بالتمويل وضربات أمنية استباقية تلقتها الجماعة الإرهابية على يد الأمن المصري.
وفى وثيقة "الإصدار السياسي" حاول "تيار التغيير" الظهور في ثوب الرافض للعنف، والداعي إلى الحوار السياسي، في حين أن تاريخ أعضاء هذا التيار يؤكد أن هذا التيار ما هو إلا مناورة سياسية جديدة من الجماعة الإرهابية، خاصة أن أعضاء "تيار الكماليون" يتبنون العنف المسلح، لكنهم في هذه الوثيقة ينفذون وصايا "حسن البنا" باختيار التوقيت المناسب للعنف.
وظهر تيار المكتب العام، أو جناح الكماليين؛ نسبة إلى محمد كمال عضو مكتب الإرشاد بالإخوان ومؤسس اللجان النوعية المسلحة، عقب فض اعتصام رابعة، بعد أن اتفق مؤيدو التيار أن الوقت قد حان لاستخدام العنف والقوة المسلحة للاستحواذ على الدولة ومؤسساتها أو إسقاطها حتى لا تقع فى أيدى غيرهم.
وتعتمد جماعة الإخوان الإرهابية فكرة التغيير بالقوة والسلاح منهجا لعملها منذ تأسيسها، لكن قبل ثورة 25 يناير 2011 حدث اتفاق داخل الجماعة على تأجيل العمل بالعنف والسلاح، واعتبروها وسيلة لم يحن الوقت لها، واستمر هذا الأمر بعد الثورة، إلى أن بدأ الصدام يظهر بين الجماعة والمصريين، فبدأت قيادات الإخوان في التلويح بالعنف، إلى أن قررت اللجوء له بعد ثورة 30 يونيو، وتولى محمد كمال مسئولية العمليات الإرهابية المسلحة، واستهدفت الداخلية في أكتوبر 2016 بعض قيادات "الجناح المسلح لتنظيم الإخوان" ومحمد كمال فى شقة بالعقار رقم 4147 بالدور الثالث فى منطقة المعراج فى البساتين، بعد الحصول على إذن نيابة أمن الدولة العليا للقبض عليه، إلا أنه حال مداهمة القوات الأمنية له، فوجئت بإطلاق أعيرة نارية تجاهها من داخله، ما دفع القوات للتعامل مع مصدرها، وأسفر تبادل إطلاق النار عن مصرع محمد كمال.
وكانت هذه الواقعة حاسمة في مسار تيار العنف المسلح، إذ ضعف تأثير أتباع كمال، ولم يعودوا يملكون شرعية الحديث للعام ولا الخاص، بل انضمت المكاتب الإدارية التى كانت تابعة للتيار إلى محمود حسين ومحمود عزت وإبراهيم منير.
وبمرور الوقت، انشقت الجماعة إلى فصيلين، أحدهما يتبع محمود عزت، والأخير يمثله المكتب العام أو الكماليون الذين احتفظوا بشعار "تيار التغيير" لتفرقتهم عن بقية الجماعة، وحمل هذا التيار أفكارا راديكالية، أطلق عليها "التغيير الثوري"، أى تغيير الواقع بالقوة المسلحة، مستشهدا بحديث للمؤسس حسن البنا ونظريات سيد قطب، ومؤكدين أن الوسائل التى تحقق هذه الأفكار الحقيقية للإخوان تم الاتفاق عليها فى اللحظة التى تلت فض رابعة.
وبعد سنوات من الاختباء عاد "الكماليين" مرة أخرى بمؤتمرهم الذى أعلنوا خلاله وثيقة "الإصدار السياسي" استهدفوا من خلاله عملية غسل سمعة جناح اللجان النوعية المسلحة، بزعم وجود وثيقة تغيير سياسية تحمل تطورا فى فكر التيار، مع تلميحات بإمكانية دمج التيار مع جبهة إبراهيم منير، في ظل وجود تقارب فى المواقف المختلفة بين جبهتي لندن والكماليين، نكاية فى "محمود حسين"، واستعدادا لحسم الصراع الحالى لصالح جبهة منير.
ولأن الكذب منهجهم فإن هذه الوثيقة ما هي إلا تكراراً لوثيقة الفيرمونت أرادوها وسيلة للعودة إلى الحياة مرة أخرى، لفرض سيطرتهم على ما تبقى من جسد الجماعة المتعفن، والمصاب بداء الصراع على المال والسلطة بين جبهتي إبراهيم منير ومحمود حسين، وهو صراع تفرضه أدبيات الجماعة الإرهابية، الباحثة دوماً عن السلطة ولو على أجساد الملايين من البشر.
"تيار التغيير" الذى الآن ما بين أمرين، الأول أن يلملم شتات الإخوان فى الداخل المصرى ويجمعهم نحو هدف واحد وهو نشر العنف والتظاهر فى محاولة يائسة للتشويش على المشهد الحالى فى مصر، وما تشهده الدولة من نهضة عمرانية واقتصادية واجتماعية وثقافية شهد لها الجميع، واتضح ذلك من خلال الحديث فى الوثيقة عن امتلاك الثورة لأدوات القوة من بينها "قوة الحشد الجماهيري".
الظهور لهذا التيار كان باهتاً من خلال الإعلان عن وثيقة سياسية جديدة تؤسس للمكتب العام، وترفض التعامل مع الدولة وتستعمل أسلوب التحريض على تنظيم مظاهرات، تيار ينتهج العُنف ومناوئة مؤسسات الدولة بشكل مباشر، والطريف فى الأمر أن ما يطرحه هذا التيار المنشق فى الوثيقة عدم الحوار مع الدولة المصرية وأن التغيير لابد أن يأتى بالقوة، فى حين أن الدولة ولا أياً من مؤسساتها طلبت من أى تيار إخوانى منشق الجلوس معها على مائدة للحوار، فكل ما جاء بالوثيقة عن العنف والعمل الجهادى يؤكد أن الدموية هى دستور للجماعة.
لمن لا يعرف تيار التغيير "مُصدر الوثيقة"، فهو تيار مُسلح تأسس عام 2016 عقب مصرع القيادى بالجماعة محمد كمال، أبرز قيادته الإرهابين محمد منتصر الذى كان متحدثا باسم ما تعرف باللجنة الإدارية العليا التى تقود الإخوان فى مصر من الخارج، والذى سبق وصدر قرراً ضد من المرشد السابق محمود عزت بعزله من منصبه كمتحدث باسم الجماعة وتعيين الإخوانى الهارب طلعت فهمى خلفاً له، وعقب مصرع محمد كمال فى تبادل لإطلاق النار مع الشرطة عقب مأمورية لضبطه بمنزلة عام 2016 اختفى منتصر وظل مختفيا منذ هذا التوقيت حتى ظهر فجأة فى الخارج فى ندوة فى ديسمبر2019 نظمها شباب مكتب عام الإخوان الذى المنشق عن المرشد المؤقت وقتها محمود عزت.
أطلق هذا التيار على نفسه تيار "الجيل الثالث"، فهم يرون أن الجيل الأول هو "جيل حسن البنا"، الذى تبنى فكرة الدعوة وسار على دربه عمر التلمساني، أما الجيل الثانى بحسب رؤيتهم فهو " جيل السبعينات حتة ثورة 25 يناير"، ونهجهم التوسع فى العمل السياسى وصولاً لكرسى الحكم، أما هم كتيار الجيل الثالث " تيار التغيير" فمنهجهم التغيير بالقوة والعنف وحمل السلاح، فبحسب الوثيقة هم ضد فكرة الإخوان التى كانت قائمة فى السابق على العمل الدعوى المباشر وليس العمل الجهاد، فهذا التيار المتشدد يضع العمل الجهادى فى المقدمة، وذلك من خلال حديثهم فى الوثيقة نصاً عن فكرة أنه: " تطوير الهياكل والاليات بما يتناسب والتضحيات المبذولة "، والتضحيات المبذولة هنا فيها إشارة واضحة لاحتمالية تنفيذ عمليات انتحارية، مما يعنى عودة العنف فى الشارع والتفجيرات.
يرى تيار التغير الإخوانى المنشق من خلال الوثيقة أن الإخوان هم ركيزة "العمل الثوري" وبمرادفه الصحيح المقصود بالعمل الثورى هنا "العمليات الإرهابية" مما يعنى أيضاً احتمالية تشكيل جناح مسلح منبثق عنها حركات وخلايا عنقودية على غرار حسم، لواء الثورة، أجناد مصر، يتولى تنفيذ عمليات إرهابية فى مصر، ومن خلال الوثيقة توعد التيار بإنهاك وإرباك رجال الجيش والشرطة من خلال ذكر :" ويؤمن المكتب العام بأهمية استمرار الثورة الشعبية الجماهيرية وامتلاكها لأدوات الصراع ضد العسكر".
تيار "الكماليين" المنشق يسابق الزمن الأن من أجل السيطرة على مفاصل جماعة الإخوان الإرهابية ولأن التمويل مرتبط بخطة تحرك مسلحة، فقد عكف قيادات التيار على وضع خطة تحرك، يستقطبون من خلالها ما تبقى من عناصر التنظيم المتهلهل، وفى نفس الوقت تحويل الأموال إلى حساباتهم البنكية، وبعد مشاورات ولقاءات في عواصم أوروبية، استقر التيار على إعلان ما أسماه "وثيقة الإصدار السياسى"، التي يحاولون من خلالها إعادة الإخوان مرة أخرى إلى المشهد السياسى والإرهابى، من خلال خطة تحرك تستهدف التحريض ضد الدولة المصرية، والعمل على أحياء بعض الميليشيات المسلحة وتكليفها بتنفيذ عمليات نوعية ضد مؤسسات الدولة.
من جانبه قال الكاتب والمفكر ثروت الخرباوى في تصريحات لـ صوت الأمة" أنة لأول مره لأول يُطبق الإخوان منذ تاريخ تأسيس الجماعة مراحل فقهين في أن واحد، فقه المحنة، وفقه الاستضعاف"، مؤكداً أن بيان التيار الأخير ووثيقته الفاشلة -بحسب وصفه- كشفت بما لا يدع مجالاً للشك شتات الإخوان ما بين تطبيق مراحل "فقه المحنة" و"فقه الاستضعاف"، موضحاً أن الإخوان منذ نشأتها تتبع ثلاثة أنواع من الفقه: "الاستضعاف"، " المحنه"، " التمكين".
وفسر الخرباوي كل مرحلة من مراحل الفقه وتوقيتات لجوء الإخوان لاستخدامها حيث قال: "فقه الاستضعاف تلجأ إليه الجماعة في مرحلة الضعف، ومن شروطها السرية والاختفاء التام، وعدم مباشرة أي نشاط مٌعلن أو غير مُعلن حتى تتمكن الجماعة من إعادة بناء التنظيم مره أخرى"، مشيراً إلى أن مرحلة فقه المحنه تلجأ إليها الجماعة حينما تمر بفترة ضعف قبل القوه، أو التعرض لمحنه بعد القوه، تلك المرحلة يلزم لها درس ديني خاص يستمدونه من تأويلات منحرفه لأيات من القرأن الكريم أوردها سيد قطب في كتابة " ظلال القرأن"، ويأخذون منه المنهج التربوي الذي أورده سيد قطب في كتابه الأخر "معالم الطريق"، وتحتاج هذه المرحلة لتدريبات على السمع والطاعة بشكل مطلق، وتدريبات على قوة التحمل، لدرجة أنهم يقيموا بتلك الفترة داخل معسكرات إما صائمين لأيام أو يتناولون وجبه طعام واحده في اليوم دون شرب ماء من باب التحمل إذا ألمت بهم محنه فلا يضعفون.
أما مرحلة فقه التمكين بحسب الخرباوى هى مرحلة في فترة القوة فيقوموا بفرض الرأي بالقوة على المجتمع مستغلين فترة القوة والسيطرة قائلا: "لذا تقييم الجماعة للفترة التى وصلوا فيها لحكم مصر أنه كان أن يستخدموا القوة المفرطة من منطلق نجاحهم في التمكين".
واختتم الخرباوي بتأكيده أن حالة التخبط بين التيارات المنشقة داخل جماعة الإخوان والصراعات الدائرة بينهم والمقصود هنا تيار التنظيم الدولي للإخوان بقيادة إبراهيم منير في لندن، وتيار محمود حسين وتيار التغيير المنشق الذي يخاطب الداخل المصري، ودخل على الخط بين جبهتي منير وعزت مؤخراً، اضطرتهم جميعاً لتطبيق مراحل فقهي " المحنه" و" الاستضعاف" في توقيت واحد على خلاف عهد الجماعة