الحلول السياسية الضرورية لوقف نزيف الاقتصاد الدولى

السبت، 15 أكتوبر 2022 08:50 م
الحلول السياسية الضرورية لوقف نزيف الاقتصاد الدولى
يوسف أيوب

العالم كله متخبط، لا أحد يدرى إلى أين سترسو السفينة، وهل ستصل إلى بر الأمان أم تغرق، والسفينة المقصود بها هنا هو الاقتصاد العالمى الذى يواجه أسوأ مصير في التاريخ، والشئ السئ أنه لا احد يستطيع توقع ماذا سيكون عليه المستقبل.

العالم كله يتحدث عن موجة تاريخية من التضخم، ونقص في السلع والطاقة، والجميع يعلم الأسباب، لكن لا أحد يعرف الحل أو الطريقة التي يمكن من خلالها الحد من هذه الأزمة.

كل دولة تعمل بالطريقة التي تراها مناسبة من وجهة نظرها، دون النظر إلى تأثيرات هذه الطريقة على الأداء الاقتصادى الدولى.

الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال قررت اللجوء إلى القرار الصعب لمواجهة التضخم، والقرار كان الرفع المتتالى لأسعار الفائدة، وهو ما دفع دول كبيرة إلى السير خلف الفيدرالي الامريكى، برفع أسعار الفائدة دون حتى دراسة التداعيات، التي يراها الكثير من خبراء الاقتصاد "كارثية".

الدكتور محمد العريان الخبير الاقتصادي الدولى ومستشار مجموعة آليانز الألمانية للتأمين، قال إن التشديد القوي للسياسة النقدية من جانب مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي لن يضر فقط باقتصاد الولايات المتحدة وإنما سيؤثر على باقي العالم، وزاد بأن "الزيادة السريعة لأسعار الفائدة لمواجهة ارتفاع معدل التضخم لا تؤدي إلى الضغط على مكابح الأسعار وإنما إلى وقف عمل هذه المكابح".

وأكمل العريان بقوله في تصريحات لتلفزيون بلومبرج أن "هذه أسرع دورة زيادة استباقية لأسعار الفائدة نراها منذ وقت طويل، ولا يجب أن تكون كذلك".

ما قاله العريان ناقوس خطر لابد أن يقرع في كل العواصم العالمية، بما فيها واشنطن، لتدرك ان الخطر يحيط بالجميع، وأن الحلول الفردية ليست الحل، وإنما المطلوب تفاعل دولى مع الازمة للتوصل إلى حلول واقعية تحمى الجميع.

والأسبوع الماضى انطلقت بالعاصمة الامريكية "واشنطن" أعمال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى وسط حضور مكثف من قادة الأعمال والمسؤولين من شتى أنحاء العالم، وكانت البداية بجلسة حوارية حضرها كريستالينا جورجييفا، مدير عام صندوق النقد الدولى، وديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولى، تناولت عدة نقاط تشمل أزمات الغذاء والطاقة والمناخ والتوقعات حول الاجتماعات السنوية وتقارير المناخ والتنمية القطرية وزيادة رأس المال للعمل المناخى، هذه الاجتماعات تبدو حتى الأن الفرصة الوحيدة للتوصل إلى توافق دولى لمواجهة مخاطر الأزمة الحالية، والعمل على التوصل إلى حلول واقعية.

هذه الاجتماعات جاءت في وقت تصرخ فيه أوربا من التضخم ونقص في واردات الطاقة، وسط تحذيرات من مخاطر ركود عالمى، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء على البلدان النامية، فعلى سبيل المثال تتوقع فرنسا تراجع النمو فى الناتج المحلى، كما أعلن بنك إنجلترا المزيد من التدابير لتحقيق الاستقرار المالى، وتابعنا جميعاً تحولات كبيرة في المجتمع الأوربي، الذى يعانى كثيراً خاصة من ازمة الطاقة، أدت إلى ظهور طوابير أمام محطات التموين في الكثير من العواصم.

وزاد على ذلك التقرير الذى أعلنه صندوق النقد الدولي مؤخرا وأشار إلى خفض توقعه لنمو الاقتصاد الدولى العام المقبل إلى 2.7%، مع احتمالية بنسبة 25% أن يهبط النمو إلى ما دون 2%، وارتفاع معدل التضخم العالمي إلى 8.8% خلال العام الجاري، كما خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصادات المتقدمة إلى 2.4% بنهاية العام الجاري.

وأكد الصندوق أن الاقتصاد العالمي يشهد تحديات عدة؛ فالتضخم بلغ أعلى مستوياته منذ عدة عقود، وظلت الأزمة الروسية الأوكرانية مصدر ضغط آخر على الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى جائحة "كوفيد-19" التي طال أمدها، موضحاً أن اقتصاديّ الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو انكمشا في النصف الأول من عام 2022، كما انكمش اقتصاد منطقة اليورو في النصف الثاني من عام 2022، وفاقمت أزمة الجائحة والإغلاقات في الصين من أزمة القطاع العقاري.

بالتأكيد هذه أرقام مرعبة، وتوقعات مخيفة لمستقبل قد يكون أكثر سواداً، بدأنا نرى تأثيراته على الأرض في الوقت الحالي من خلال ارتفاع عالمى في أسعار المنتجات والخدمات، ونقص كبير في السلع، وسببه الرئيسى المعروف حتى الان استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، التي تؤكد كل التوقعات أن استمرارها سيؤدى إلى حالة من الانكماش والضغط على الاقتصاد العالمى، لن تنجو منه دولة سواء كانت متقدمة او نامية.

إذن ما الحل؟

الحل للازمة الحالية يبدو سياسياً من الدرجة الأولى، وهو التوصل إلى آلية لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية، بعيداً عن حالة العناد المسيطرة على عقول الأطراف الفاعلة في هذه الأزمة، لإن العناد اوصلنا إلى الحالة التي نحن عليها اليوم، فأزمة الطاقة تزداد، كما أن حركة النقل الدولية مصابة بإعطاب شديدة، مما أثر على سلاسل أمدادات السلع، ومن هنا يتطلب الأمر البحث عن الحلول السياسية، فضلاً عن التوافق الدولى بشأن المقترحات الاقتصادية.

القضية تحتاج إلى تدخل قوى للجلوس على طاولة التفاوض والتوصل إلى حلول سياسية اليوم قبل غداً، قبل أن تتفاقم الأزمة ويصعب السيطرة عليها.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق