أولى الأزهر الشريف، والإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، عناية فائقة بقضية حوار الأديان، وعتبرها من أهم الوسائل التى يمكنُ بها محاربةُ النزاعات والمشاكل التى يَغرقُ فيها عالمُنا المعاصر، انطلاقًا من مسؤوليته الدينية، وإيمانا بدوره التاريخي في نشر صحيح الدين، اعتمادا على منهج وسطي مستنير، قادر على مواجهة التطرف والتعصب والإرهاب، ونشر ثقافة السلام والأخوة الإنسانية في شتى بقاع العالم.
الجهود المحلية:
وشملت جهودُ الأزهر الشريف فى ملف حوار الأديان، تحركات وخطوات مؤثرة على الصعيديْن المحلى والدولي، فالعلاقة بين الأزهر الشريف والكنيسة المصرية تميّزت بالدفء والمودة، وتبادل الشعور الطيّب، والاحترام المتبادل، والمشاطرة فى الأفراح والأحزان على مدار السنوات الماضية. كما تنوّعت الأنشطةُ الاجتماعية بين الأزهر الشريف والكنيسة المصرية ما بين لقاءات وحوارات ومؤتمرات وندوات وجهود مختلفة فى قضايا وهموم وطنية جمعت كلتا المؤسستيْن تحت سقف بيت العائلة المصرية، الذى أسّسه فضيلةُ الإمام الأكبر ليكونَ بمثابة القبة التي تجمع الأزهر والكنائس المصرية، بهدف الحفاظ على نسيج وطني واحد لأبناء مصر، وصيانة الهوية المصرية، ومعالجة المشكلات المجتمعية التي تلبس ثوب الدين، ويضع منهجًا علميًّا وعمليًّا لمكافحة التعصب والتطرف والكراهية».
الجهود الدولية:
أمَّا على المستوى الدولى فقد كانت السنوات الماضية خير شاهد على اهتمام الأزهر الشريف بملف الحوار الدينى، حيث دعا الوفودَ والضيوفَ من جميع الأديان والثقافات حول العالم ليجتمعوا فى حصنِ الأزهرِ الشريف لتعزيز هذا الملف، ولاستثماره فى حل الأزمات التى تواجه العالم شرقاً وغرباً.
ولم تتوقفْ جهودُ الأزهر على استقبال الوفود وزعماء الأديان، بل سارعَ الأزهرُ الشريف، غير مرة، إلى تدشين مؤتمرات عالمية مع قيادات وأعضاء ينتسبون إلى ديانات ومذاهب مختلفة.
المؤتمرات العالمية:
ودعا الأزهرُ في مؤتمره العالمى من أجل القدس» أطرافاً من جميع الأديان والمذاهب للتحاور حول هذه القضية الإنسانية، وكان من بين الحضور والمشاركين رجال دين مسيحيون ويهود من جميع أنحاء العالم.
وكان من أبرز المؤتمرات التى تعبر عن دور الأزهر فى تفعيل قضية الحوار المؤتمر العالمى الحاشد تحت عنوان «الإسلام والغرب: تنوع وتكامل»؛ حيث دعا الأزهرُ الشريف ممثلين عن ثقافات وأديان ومذاهب متنوعة حول العالم، ورجال فكر وسياسة وقانون، وممثلين عن حكومات أوروبية وآسيوية وأفريقية، للحوار وتبادل الحديث حول تعزيز العلاقات بين الأديان والأمم وربط الجسور وهدم الفجوات من أجل مستقبل أكثر سلماً وأمناً لعالمنا.
الحوار بين الأزهر والفاتيكان
وكان من أبرز الحوارات التى عقدها الأزهرُ الشريف فى إطار ملف حوار الأديان، هو ملف الأزهر والفاتيكان، حيث شهدت الفترةُ الأخيرة علاقة طيبة وغير مسبوقة بين مؤسسة الأزهر ومؤسسة الفاتيكان؛ نتجَ عنها قمم ثنائية ترأسها فضيلة الإمام وقداسة البابا، وتحدَّث العالمُ أجمع عن أثرها الإيجابى فى تحقيق السلم والأمن للعالم شرقاً وغرباً.
وترتّب على هذه العلاقات تبادل الزيارات بين فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، وكانت إحدى الزيارتيْن فى روما، والثانية فى القاهرة داخل الأزهر الشريف، ثم الثالثة وهو اللقاء الأبرز الذى شغل العالم أجمع، ولا يزال أثره ودوره يتردد صداه فى الإعلام والجامعات والمحافل الدولية؛ لما له من دور إيجابى فى تعزيز السلم والأمن، ونشر ثقافة الحوار بين الثقافات المختلفة؛ حيث شهد هذا اللقاء توقيعاً لوثيقة الأخوة الإنسانية التى تدعو جميع الشعوب من جميع الثقافات والأديان والمذاهب إلى تبنّى ثقافة الحوار وتعزيز العلاقات ونبذ العنف وبناء الجسور وسدّ الفجوات.
جولات شيخ الأزهر:
وأحدثت جولات الإمام الطيب إلى العديد من دول العالم تطورا كبيرا في مسار الحوار بين الأديان، حيث جاب فضيلته العالم شرقا وغربا، لم ينته من زيارة إلا وقد أعد لما بعدها في دولة أخرى، هنا يدافع عن قضية وهناك ينهي أزمة ، والقاسم المشترك بين هذه الجولات هو الحوار ونشر السلام وتصحيح الأفكار المتطرفة والحفاظ على المجتمعات وبناء الإنسان أيا كان دينه أو معتقده.
علاوة على ذلك، فسافر إلى بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول غرباً وشرقاً للمشاركة فى مؤتمرات وفعاليات تعزّز من قيمة الحوار مع الآخر.
منتدى شباب صناع السلام
وفي إطار جولات الحوار بين الشرق والغرب التي أطلق مبادرتها الإمام الأكبر قبل عدة سنوات، بهدف مد جسور الحوار والتعاون بين الشرق والغرب، تم الاتفاق بين الأزهر وأسقفية كانتربري في أبوظبي، على عقد منتدى "شباب صناع السلام"، يقوده نخبة من الشباب، أصحاب المبادرات الخلاقة، لتنسيق الجهود وتوحيد الرؤى تجاه القضايا المعاصرة، كالمواطنة والسلام ومواجهة الفكر المتطرف، ونشر ثقافة التعايش المشترك والاندماج، وكيفية المشاركة في صناعة المستقبل الذي يأملونه.
العلاقة بين الأزهر ومجلس الكنائس العالمي
وحرص الأزهر بقيادة فضيلة الإمام الأكبر على توطيد علاقته مع مجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، من خلال عقد مؤتمرات ولقاءات دولية مشتركة لمناقشة تعزيز مبادرات حوار الأديان، وتأصيل مبدأ المواطنة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، والحد من استخدام مصطلح الأقليات، ومن أبرز تلك اللقاءات، الملتقى الدولى الأول للشباب المسيحى والمسلم، الذي عقده الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس الكنائس العالمي، في أغسطس ٢٠١٦، برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حيث شارك في الملتقى 40 شاباً وفتاة تحت سن 30 عاماً، من الأزهر الشريف ومجلس الكنائس العالمي، يمثلون 15 جنسية مختلفة، من أوروبا وأفريقيا ودول الشرق الأوسط، ناقشوا على مدار 3 أيام، دور الأديان في بناء السلام ومواجهة التطرف والإرهاب، وذلك من خلال مجموعة محاضرات وورش عمل لوضع أسس حقيقية لمشاركة شبابية فعالة في بناء السلام، وتسليط الضوء على قيم المواطنة والتعايش المشترك، وآليات تفعيل مشاركة الشباب المجتمعية وبناء عدالة اجتماعية في مجتمعاتهم، ودور المؤسسات الدينية في بناء السلام، إضافة إلى الخطاب الديني وأثره في خلق التوتر والعنف أو الوفاق والسلام.
الأخوة الإنسانية وتعزيز السلام في المجتمعات:
وفي مطلع سبتمبر الجاري نظم مجلس حكماء المسلمين، الذي يترأسه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ورشة عمل للحوار بين الأديان، تحت عنوان: "الأخوة الإنسانية وتعزيز السلام في المجتمعات"، وذلك خلال انعقاد الدورة الحادية عشرة لجمعية مجلس الكنائس العالمي المنعقدة في مدينة كارلسروه بألمانيا والتي تعد من أكثر التجمعات المسيحية السنوية تنوعا في العالم بحضور أكثر من 4000 مشارك وذلك في إطار جهوده لنشر قيم الحوار والتعايش المشترك.