محمد الشرقاوي يكتب: براءة الدين في خناقة الـ «مُلزَمة» والـ «مش مُلزَمة»
السبت، 10 سبتمبر 2022 10:00 م
- المتشاكسون على السوشيال ميديا أقحموا الأسانيد الشرعية بشكل خاطئ في مسألة علاقة المرأة بزوجها والأولاد
- الأزهر والإفتاء حسموا القضية بصحيح الكتاب والسنة.. وابطلوا فتنة استهدفت الرباط المقدس الحامى للأسر المصرية
- الأزهر والإفتاء حسموا القضية بصحيح الكتاب والسنة.. وابطلوا فتنة استهدفت الرباط المقدس الحامى للأسر المصرية
المرأة ليست ملزمة ولها أجر نظير خدمة بيتها ولها.. تصريحات صادمة لم تكن هناك حاجة لها، فلا قضية اشتعلت ولا حادثة أجبرت أنصار هذا الرأي على الخروج، وإن كانت لديهن أسبابهن، إلا أن المجتمع لديه ما يثقل كاهله، ولم يعد بحاجة لأي جدل جديد يؤثر على استقرار الأسرة المصرية.
ذاك الرباط المقدس صار مهترأً، وكشفت عن ذلك آخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء لبيانات الزواج والطلاق في مصر لعام 2021، حيث بلغ عدد عقود الزواج 880041 عقداً خلال العام الماضي، مقـابل 876015 عقداً في 2020، بنسبة زيادة 0.5% ، بينما بلغ عدد حالات الطلاق 254 و777 في 2021، مقابل 222036 في 2020، بنسبة زيادة قدرها 14.7%.
وبلغ أعلى معدل طلاق في محافظة القاهرة بنسبة 5.4 في الألف، وجاء أقل معدل طلاق بمحافظة أسيوط (جنوب مصر) بنسبة 1.1 في الألف، وفي الحضر بلغ حالات الطلاق بلغت 144305 في 2021 بنسبة 56.6 %، فيما بلغت في الريف 110472 حالة، بنسبة زيادة قدرها 13.6 % عن عام 2020.
فتوى "الست مش ملزمة"
"الست مش ملزمة".. أفتت المحامية نهاد أبو قمصان، عبر صفحتها على "فيسبوك"، بعدم إلزامية الزوجة بإرضاع مولودها وحصولها على أجر مقابل ذلك، وذلك ردًا على سؤال لأحد المتابعين، وقالت: "دا مش كلامي دا كلام ربنا في سورتي البقرة والطلاق".
واستندت أبو القمصان في رأيها إلى ما جاء في القرآن الكريم في سورتي "البقرة" و"الطلاق"، حيث يقول تعالى في سورة "البقرة": "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". وفي سورة "الطلاق" يقول تعالى: "فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ".
لم تكن نهاد أبو القمصان وحدها، بل أفتت الدكتورة هبة قطب، المتخصصة في العلاقات الزوجية، بعدم وجود سند شرعي أو قانوني يجبر المرأة على الالتزام بالطهي لزوجها دون مشاركة أو تبادل للأدوار، متابعة: "لا يوجد شيء يسمى هي تطبخ وهو لا، أعرف سيدات يشترطن أن يتبادل أزواجهن الطبخ معهن". الأمر الذي شرعنت له الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، مؤكدة أن المرأة إن ساعدت في خدمة زوجها فهو يعتبر تفضلاً، وأنه وفقًا للشريعة الإسلامية ليس على الزوجة أو المرأة القيام بالأعمال المنزلية، وإنما تتفرغ لتربية الأبناء وطلبات الزوج.
وترى سعاد صالح أن الزوجة إن طهت لزوجها فهو نوع من الإحسان الذي يجب أن تشكر عليه من زوجها، كون الشريعة الإسلامية لم تفرض عليها ذلك نهائيًا، بينما ألزمتها الشريعة فقط بتربية الأبناء التربية الصحيحة والاعتناء بهم، وبطلبات الزوج.
انتفاضة سوشيالية ساخرة
ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي كانت أشبه بانتفاضة ساخرة، وسجال بين المشروعية والإلزام، على أمل أن ينتصر طرف على آخر، بعيداً عن البيوت الساكنة -من السكون- بعيداً عن صخب السوشيال ميديا وفوضى التريند والفتوى بغير تخصص، والنظر للقشور على حساب استقرار البيوت.
فالأمر خرج من إلزامية الخدمة إلى إلزامية الرضاعة، وصار الحديث في مسلمات كان من الأولى تجاهلها، وانخرطت مجتمع السوشيال ميديا في أحكام الأسرة، دون الالتفات إلى فرضية الحفاظ عليها، وحرمانية انهيار الأساس المجتمعي، وضرورة المعاملة بحب على حساب نكران العشير، وعدّ الخير، وتحميل رب الأسرة ما لا يطيق.
صحيح أن الحديث لم يخرج عن كونه جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه لن يسلم من ضعاف النفوس والتمسك به للنكاية في الطرف الآخر في تلك البيوت الآيلة للسقوط.
مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، قال إن الخوض في أحكام الأسرة بغير علم يُشْعِل الفتن، ويُفسد الأسرة، ويعصف باستقرار المُجتمع، وأن العلاقة الزّوجية علاقة سَكَن تكامُليّة، تقوم على المودة والمُسامحة، وحفظ حقوق الرّجل والمرأة والطّفل، وليست علاقة نديّة أو استثمارية نفعيّة، وتغذيةُ روح المادية والعدائيَّة فيها جريمة أخلاقية.
إن أُمومة المرأة وزوجيتها، ورعايتها بيتها، وتخريجها أجيالًا صالحة للمجتمع رسالةٌ عظيمة، لا تضاهيها رسالة، وادعاء دونية هذه الأدوار طرح كريه؛ يُقصد به تخلى المرأة عن أهم أدوارها وتفكك أسرتها، ولا يليق بقدسيّة الزّواج ومكانة الزّوجة فيه أن تُعامَل معاملة الأجير في أسرتها، بأن تُفرَض لها أجرة محددة نظير أعمال رعاية أولادها وزوجها، وإنما على الزّوج واجب النّفقة بالمعروف لها ولأولادهما، وإفساد منظومة الأسرة يؤذن بفساد المُجتمعات.
كما أن للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على أدوار ومهمات حياتهما وفق ما رأيا، وفى حال الاختلاف يُردّ الأمر المُتنازَع فيه للشَّرع الشريف والأعراف المُستقرة التي لا تخالفه، والحقوقُ الزوجيةُ متشابكةٌ ومرتبةٌ على بعضها، وعمل الرّجل خارج المنزل خِدمة ظاهرة لزوجته وأهل بيته؛ حتى يُوفّر لهم النّفقة، وأعمال المرأة المنزلية خدمة باطنة لزوجها وأبنائها؛ حتى يتحقّق السّكن في الحياة الزّوجية.. يضيف الأزهر.
وتابع أنه جرى العرف بقيام المرأة على خدمة زوجها وأولادها، وهو كالشَّرط المُلزِم، وتطوّع الرجل بمساعدة زوجته في أعمال المنزل سنةٌ عن سيدنا رسول الله ﷺ، وإنفاق المرأة على بيتها من مالها الخاص يُعدّ من تعاونها مع زوجها وحسن عشرتها له، وهو غير واجب عليها، وإرضاع الأم أولادَها واجب عليها حال بقاء الزوجية إن لم يضرها الإرضاع واستطاعته، وهو عُرفٌ مُلزِم كالشرط، وتوفير متطلبات الزوجة والأولاد واجب على الزوج بحسب يساره وإعساره.
والأخذ من أحكام الإسلام الخاصة بالمرأة ما يتفق والأهواءَ، ورفضُ ما ترفضه، والتعاملُ مع نصوصه بانتقائية؛ أمر مُستنكَر لا يتناسب وربانيةَ رسالته، وشمولَ أحكامه، واستسلامَ العباد لربهم سبحانه.
الأزهر ينتصر للفطرة السليمة
إن تلك البيوت الآيلة للسقوط تنتظر أي شيء لإثقال الكاهل وإفساد المعيشة وإشعال الأوضاع، لذا تصدق قاعدة "تجاهلها أفضل".. يؤكد مركز الأزهر إلى إفساد المرأة على زوجها وأسرتها، وإفساد الرجل على زوجته وأسرته، وتزيين الانفصال لهما؛ تخبيب وتخريب مُنكَر ومُحرَّم؛ لقول سيدنا رسول الله ﷺ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا" -أخرجه أبو داود-
وإهدار أعراف الناس المُستقرة والموافقة للشَّرع، والقول في القرآن والسنة بغير علم، وادعاء التضارب بين نصوصهما، والخلط المتعمد بين دلالاتها، أساليب مرفوضة؛ ينتج عنها إثارة الفتن، وتفكك الأسر، وابتعاد الناس عن هدى الإسلام وسماحته وأحكامه.
إن الزواج علاقة راقية تناسب إنسانية الإنسان، وتحفظ حقوقه، ولا تُعدّ بدائلها من العلاقات غير الشرعية المُحرَّمة إلّا سقوطًا في وحل الشهوات اللا إنسانى الهابط، واعتداءً على الفِطرة السَّوية، وقيم المجتمع المُستقيمة، وإن تعددت مسمياتها أو أُلبست ثيابَ زورٍ من منطق مُعوجّ، أو حضارة مُدَّعاة.
كما أن التَّستُّر خلف لافتات الحريات وغيرها لتقسيم المجتمع، وبثّ الشِّقاق بين الرجال وزوجاتهم بدلًا من محاولة زرع الودّ والمحبة؛ فكرٌ خبيث مغرض يستهدف الإضرار بوحدة المجتمع، وإضعاف قوته، وتنحيةَ الدين جانبًا عن حياة الإنسان، وتقزيم دوره، ويدعو إلى استيراد أفكار غربية دخيلة على المُجتمعات العربية والإسلامية؛ بهدف ذوبان هُوُيَّتِها وطمس معالمها.
وإذكاء الاستقطاب والنِّديّة بين الزَّوجين، وعرض الزَّواج فى صورة ماديّة مُنفِّرة غير مبنية على المودة والسَكَن؛ أمور مرفوضة، منافية لتعاليم الأديان، وفِطرة البشر، وقيم المُجتمع المُستقرة، آثارها المدمّرة ونتائجها السَّيِّئة لا تحصى، أدناها عزُوف كثيرٍ من الشَّباب عن الزَّواج وتكوين الأُسر.
الوجوب فيما دل عليه العرف
على مدار مئات السنين، اعتادت الطبيعة البشرية أنه على المرأة خدمة بيتها وأهله، وأنه لا مناص عن ذلك إلا بيسر الحال، واستقدام من يقدم الخدمة من غير الأهل بمقابل مادي، لكن تظل هناك أمورًا تتعلق بالأم، لا تنفك عنها، كالرباط السُري، لو انقطع قبل أوانه مات الطفل، بل إن البعض أوصله لمكانة عهد الله الذي لا ينقطع.
بالرجوع لما ورد في المذاهب الفقهية وآراء العلماء، فإنه يجب على المرأة خدمة زوجها وبيتها فيما دلّ عليه العرف، وهو مذهب الحنفيّة، والمالكيّة في الجملة، وهو قول الطّبريّ، وابن تيميّة، وابن القيّم، وابن حجر، والمرداويّ، والسّعدي، وهناك أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية على ذلك.
والدليل من الكتاب عدة مواضع منها قوله "وعاشروهنّ بالمعروف" }النساء: 19 {ووجه الدّلالة أنّ خدمة المرأة لزوجها من المعاشرة بالمعروف، وأيضاً قوله تعالى: "ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف" }البقرة: 228{ ووجه الدّلالة أنّ للنّساء على الرّجال من الحقّ مثل ما للرّجال عليهنّ؛ فليؤدّ كلّ واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف.
وورد في السنة عدة أحاديث منها ما رواه الصحابي الجليل عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه: (أنّ فاطمة رضي الله عنها أتت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرّحى، وبلغها أنّه جاءه رقيق فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلمّا جاء أخبرته عائشة، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما! فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلّكما على خير ممّا سألتما: إذا أخذتما مضاجعكما -أو أويتما إلى فراشكما- فسبّحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبّرا أربعا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم). ويعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينصر طرفاً على آخر، ولم يقل لعلي: لا خدمة عليها، وإنّما هي عليك.
وما ورد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (تزوّجني الزّبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤونته وأسوسه، وأدقّ النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكنّ نسوة صدق، قالت: وكنت أنقل النّوى من أرض الزّبير التي أقطعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، على رأسي، وهي على ثلثي فرسخ، قالت: فجئت يوما والنّوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه نفر من أصحابه، فدعاني، ثم قال: "إخ إخ" ليحملني خلفه، قالت: فاستحييت وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النّوى على رأسك أشدّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنّما أعتقتني).
والدلالة هنا أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمّا رأى أسماء والعلف على رأسها، والزّبير معه، لم يقل له: لا خدمة عليها، وإنّ هذا ظلم لها، بل أقرّه على استخدامها، وأقرّ سائر أصحابه على استخدام أزواجهم، مع علمه بأنّ منهنّ الكارهة والرّاضية.
وحديث آخر عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغسل الجنابة من ثوب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيخرج إلى الصّلاة، وإنّ بقع الماء في ثوبه)، وفي لفظ مسلم: (لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فركا، فيصلّي فيه)، وذلك دلالة على خدمة المرأة لزوجها في غسل ثيابه وشبهه، وهو من حسن العشرة وجميل الصّحبة.
الرجل ملزم وتقصيره كبيرة
إن كل حق يقابله واجب، فقد أوجب الله تعالى للزوجة على الزوج حق النفقة والكسوة والسكنى -فضلاً عن المهر– ومن البديهي أن يلقى عليها لقاء ذلك من الأعمال ما يكافئ هذه الحقوق، أما قول الأخرين: "إن المهر والنفقة وجبا في مقابل استمتاع الرجل، فيرده أن الاستمتاع أمر مشترك بينهما".
يقول الإمام ابن القيم في كتابه "الهدى": إن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة، ويقول أيضًا: قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) وإذا لم تخدمه المرأة – بل كان هو الخادم لها – فهي القوَّامة عليه.
السعة ترد الإلزام والخدمة الباطنة حق واجب
تقوم علوم الفقه في العلوم الإسلامية على مذاهب متعددة والأشهر فيها المذاهب الأربعة للائمة، وتناولوا خدمة المرأة لزوجها وبيتها باستفاضة كبيرة، فعند المالكية، ما جاء في "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"، للإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، أنه (يجب على الرجل إخدام أهله بأن يكون الزوج ذا سعة وهي ذات قدر ليس شأنها الخدمة، أو هو ذا قدر تزري خدمة زوجته به، فإنها أهل للإخدام بهذا المعنى، فيجب عليه أن يأتي لها بخادم وإن لم تكن أهلاً للإخدام أو كانت أهلاً والزوج فقير، فعليها الخدمة الباطنة، ولو غنية ذات قدر من عجن وكنس وفرش وطبخ له لا لضيوفه فيما يظهر، واستقاء ما جرت به العادة وغسل ثيابه).
وعند الأحناف يقول علاء الدين الكاساني في (بدائع الصنائع): (ولو جاء الزوج بطعام يحتاج إلى الطبخ والخبز فأبت المرأة الطبخ والخبز لا تجبر على ذلك، ويؤمر الزوج أن يأتي لها بطعام مهيأ)، ومن ذلك ما ورد في (الفتاوى الهندية في فقه الحنفية) وهو كتاب ألفه جماعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام الدين البرنهابوري: (وإن قالت لا أطبخ ولا أخبز لا تجبر على الطبخ والخبز، وعلى الزوج أن يأتيها بطعام مهيأ أو يأتيها بمن يكفيها عمل الطبخ والخبز)، بينما قال الحنابلة: (وليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطبخ وأشباهه ككنس الدار وملء الماء من البئر، نصّ عليه الإمام أحمد؛ لأن المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع بها، فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه)، ولكنهم مع هذا قالوا: (لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به، لأنه العادة ولا تنتظم المعيشة من دونه ولا تصلح الحال إلا به).
وعند الشافعية، جاء في كتاب (المهذب في فقه الإمام الشافعي) لأبي اسحق الشيرازي، أنه (ولا يجب عليها خدمته في الخبز والطحن والطبخ والغسل وغيرها من الخدم لأن المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع، فلا يلزمها ما سواه).
والخلاصة أن ما توصل له الفقهاء واتفق عليه الآئمة أن السعة ترد الإلزام، وإن لم توجد سعة فعلى الزوجة الخدمة الباطنة، وأن ما تعارف عليه الناس صار شرعاً ضابطاً للحياة.