الزيادة السكانية دينيا.. اقتصاديا.. سياسيا: حراااااااااااااااااااااااام
السبت، 03 سبتمبر 2022 08:00 م
في الأثر قالوا «اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع»، ليأصلوا لقاعدة حياتية مهمة، وهو أن الله عز وجل عندما خلقنا خلفاء لله على هذه الأرض، كانت المهمة الأولى والرئيسية الموكلة لبني آدم من بعده هي إعمار الأرض وليس إهلاكها.
نعم هذه المقولة أصلها لا يتطابق مع ما هو شائع الآن، أن ما يحتاجه المنزل يحرم على المساجد، والجامع المقصود فيها الرجل الذي كان يجمع الضرائب في فترة الحكم العثماني وكان يلقب بالجامع، ولكنها في حقيقة الأمر حتى لو كان مقصود به المسجد فهي لا تخالف أسس الشريعة وأصول الفقه، فالله عز وجل في مواضع كثيرة نهى عن أن يتصدق الفرد وهو في حاجة لهذه الأموال لكي يعيش.
هذه المقولة يمكن تطبيقها على المتشددين بفكرة الإنجاب لأكثر من طفل لأن الله أمرنا بالتكاثر، عبر آيات وأحاديث نسبت للرسول صلى الله عليه وسلم، فالتكاثر الغرض المأمورون به غرضه الأساسي الإعمار، ما وإن قلب الأمر للضد فالمتشددين لهذه الفكرة يرددون حق يراد به باطل يكاد أن يزهق الأرواح.
يعيش العالم كله من حولنا أزمة اقتصادية طاحنة لا مفر منها سوى أن نحدث توازناً بين المصروفات والإيرادات، وطالما هناك زيادة سكانية يكلف فيها كل الطفل عشرات الملايين لن نستطيع أن نحقق هذه المعادلة الصعبة، ومنا هنا انتصبت الدولة بمؤسساتها الحكومية والدينية والسياسية، لتواجه هذا السرطان الآكل في عضد الدولة.
"صوت الأمة" خلال السطور المقبلة، تعرض ملامحاً رئيسية من هذه الأزمة، والحلول المقترحة، ورأي الجهات الدينية فيها، والحلول التي تحاول الحكومة فرضها، وحقيقة الوضع طبقاً للأعداد المعتمدة من أجهزة احصائية رسمية ترصد الوضع بمنتهى الدقة والشفافيفة، وتكاشف به الجميع من وقت لآخر.
مفتى الجمهورية لـ"صوت الأمة": حديث "تناكحوا تناسلوا تكاثروا" صحيح ولا يتعارض مع تنظيم الأسرة.. والكثرة المقصودة هى القوية المنتجة التي تملك كلمتها وأمرها وطعامها ودوائها
حسم الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، الجدل حول رؤية الدين لمسألة تنظيم الاسرة، وقال إن إباحة الشرع الشريف تنظيم الأسرة على المستوى الفردي، يتوافق مع الجهود التي تبذلها الدولة ومؤسساتها المعنية واتساق تشريعاتها مع الشرع الشريف ومقاصده العليا في سبيل الحيلولة من حدوث انفجار سكاني نتيجة زيادة المواليد وكثرة الإنجاب على المستوى الجماعي، موضحاً أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، لأن تنظيم الأسرة هو إجراء من جملة إجراءات تتخذها الدولة المصرية لمعالجة كل التحديات والمخاطر مما قد تعرقل مسيرة التنمية والعمران التي تتبناها القيادة المصرية والتي من شأنها رفع شأن الأمة المصرية وتقويتها.
وأضاف المفتى لـ"صوت الأمة" أن واقع العصر الحالي يدل على أن سبب شح الموارد هي الزيادة السكانية، ولا سبيل لحل هذه المشكلة إلا بتنظيم الأسرة لإحداث التوازن بين موارد الأرض وعدد السكان، فالهدف ليس الحفاظ على المجتمع من ضعف اقتصاده فحسب، بل يُقصد به كذلك المحافظة على صحة الأم والطفل، ورفع المستوى المادي والأدبي لأفراد الأسرة، وتمكين المرأة المسلمة المعيلة والمثقلة بأعباء الولادة المتكررة من أداء واجبها في بناء المجتمع بحسن تربية أولادها والمشاركة في سد حاجة سوق العمل إليها، مشيرا إلى أن الإحصائيات مهمة وضرورية لفهم الواقع وإدراك خطر الزيادة السكانية، وأننا لسنا أمام مشكلة دينية يمكن أن تعوق مواجهة الزيادة السكانية، وإنما أمام نص وفهم وواقع دقيق يتيح لنا أن نتحرك بأريحية شديدة في كل الإجراءات.
وحول فتوى دار الإفتاء في هذه المسألة، أكد الدكتور شوقي علام أن دار الإفتاء المصرية، تهدف إلى الحفاظ على الأسر واستقرار المجتمعات، والرد على الشبهات المثارة حول القضية وكذلك تصحيح المفاهيم الدينية حولها، مؤكدًا أن فتوى دار الإفتاء مستقرة على مشروعية تنظيم الأسرة وأن المسألة أصبحت في نطاق الواجب واللازم، لما يحقق من توازن بين العدد السكاني ومقدرات الدولة، منوهاً إلى أن دار الإفتاء المصرية أخذت على عاتقها مبادرة سد الحاجة المجتمعية والإرشاد والتأهيل المناسب إلى شباب المجتمع المقبل على الزواج تحقيقا لمقصد مهم من مقاصد الشرع الشريف وهو بناء الأسرة التي هي أساس المجتمع على قدر من الوعي الصحيح، والعلم الرصين.
في سياق ذي شان لفت فضيلة المفتي النظر إلى أن الإسلام قد أرشد إلى السعي للارتقاء بحياة البشر جميعًا، ويظهر ذلك في ثلاث وظائف جعلها الإسلام من مهمة الإنسان، وهى عمران الأرض، واستخلاف الإنسان فيها، ثم الإصلاح، وكذلك العمل والتكسب وحفظ البدن والترفه بالنعم واستخراج ما في الأرض من خيرات واستصلاحها وسد حاجات الناس المعتبرة وتجنب الفساد والإفساد. كل ذلك ونحوه من الإصلاح، ويعبر عن ذلك وغيره في الاصطلاح الحديث بالتنمية المستدامة، وهو مصطلح يدل على عملية تغيير شاملة لشتى جوانب الحياة، من أجل خدمة الإنسان وتحقيق آماله وغاياته؛ فالتنمية في معناها الشامل تعنى بناء مشروع حضاري متكامل يتوافر فيه التكامل والتوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كذلك أوضح الدكتور شوقى علام أن قضية تنظيم الأسرة أصبحت تتصل بقضية الأمن القومي، ولها تأثيرا كبيرا من ناحية تأمين حاجات السكان من تعليم ومسكن وثقافة وغذاء، وعلى كافة المستويات الأخرى، لأن الدولة اليوم أصبحت مسؤولة عن توفير كل تلك المتطلبات لشعبها، مشددًا على أن تفعيل قضايا التنمية في ظل هذه الزيادة السكنية، يأخذ مجهود كبير، ولا نصل إلى معدلات التنمية المرجوة، لأن الزيادة تلتهم كل الموارد الجديدة التي تحاول إدخالها الدولة، حيث أصبحت الزيادة السكانية أحد أهم المعوقات في طريق تحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، كما تعد كذلك سببًا مباشرًا في الفقر والجهل والمرض.
وبين مفتي الجمهورية أن بعض الناس يأخذ بعض الأحاديث النبوية من وجه واحد، كقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مُبَاهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، منوهًا بأنه حديث صحيح، ولا يتعارض مع تنظيم الأسرة، مشيراً إلى أن الكثرة المقصودة فيه هي الكثرة القوية المنتجة التي تملك كلمتها وأمرها، وطعامها ودوائها وكسائها، أما إن خرجت عن ذلك فكانت كثرة ضعيفة ليس لها قيمة ولا مؤثرة، تصبح تلك الكثرة التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كثرة كغثاء السيل، لا تضر عدوًا ولا تنفع صديقًا»، مؤكدًا أن دار الإفتاء استقرت في فتواها على أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة والجائزة شرعًا، وهذه المنظومة التي نسير عليها متسقة مع منظومة التشريعات المصرية، كما أن الإسلام يدعو للغني وليس الفقر ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة.
وطالب فضيلة المفتي بضرورة تكاتف جميع المؤسسات لوضع حلول ناجزه لقضية الزيادة السكانية، باعتبارها أهم القضايا التي تحتاج إلى رفع درجة الوعي والإدراك لدى المصريين
الانفجار السكاني خطر يهدد البشر ونعمل على توعية شعب الكنيسة للكاتفاء بطفل أو طفلين.. ونعلم أنه علينا مع الأزهر دور كبير لمواجهة الأفكار الخاطئة حول هذه القضية
أصبحت مشكلة الزيادة السكانية تفرض على المجتمع ضغوط عديدة لا يمكن تجاهلها، ومن هنا انتفضت مؤسسات الدولة لمحاربة الأفكار الخاطئة التي تتسبب في زيادة سكانية قد تنفجر عما قريب لتأكل ما أمامها من أخضر ويابس.
ويعول على المؤسسات الدينية بشكل كبير في مجابهة هذه الأفكار، وهنا يتساوى في الأمر الأزهر والكنيسة، وفي هذا السياق قال القمص موسى إبراهيم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية إن ما ذكر بالكتاب المقدس: وباركهم الله وقال لهم: أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض".
ويوضح أن الله لم ينه بطبيعة الحال عن التكاثر، ولكن الله وضع لنا عقل يميزنا عن باقي مخلوقاته، لنتدبر به أمورنا وطبيعة هذه الحياة التي نختبر فيها، فأما نجاح أو لا قدر الله غير ذلك. دعوة الله عباده للتكاثر هي في الأساس سر الحياة، ولكن الله لم يأمرنا بأن نهلك نفسنا، وما يحدث الآن سيؤدي بطبيعة الحال إلى هلاك الجميع.
وأشار إلى أن ما وصلنا له اليوم من مرحلة الانفجار السكانى تؤكد وجود صعوبات مجتمعية كثيرة، ناتجة عن تجاوز الأرض للحدود الطبيعية والإمكانيات المتاحة، إلى درجة أننا ذهبنا لمدى خطير، يتطلب وقفة ندير من خلالها حياتنا بالشكل الذى يليق.
وطالب القمص موسى إبراهيم خلال حديثه مع «صوت الأمة» بوضع الإنجاب في الحدود الطبيعية لكى ينصلح الأمر، وكذلك الزواج، للقضاء على الظواهر السلبية التي قد تحدث في اعقابه، والتي قد تكون بسبب سوء الاختيار وكذلك سوء التفاهم، الذى قد ينتج عنه أضرار منها قضية الإنجاب وتنظيم النسل.
وأشار القمص موسى إبراهيم إلى أن كل المنابر الكنسية تدعو جميعها إلى فكر التوعية بأن تقتصر الاسرة على طفل او طفلين فقط، حيث يوجد اتجاه عام بذلك حتى على المستوى الفردي فى الإرشاد، فالاباء الكهنة خلال اللقاء مع الأسر يعملون على توجيههم بضرورة تنظيم الأسرة، وعدم الاكثار في الإنجاب، ويشرحون لهم أنه حال أنجاب طفل ثالث سيصبح عبء على أى أسرة حتى لو كانت مقتدرة مادياً، كما أن المطلوب بل الواجب على الوالدين التركيز والعطاء لأولادهم لكى يصبحون على القدر العالى من الـتأسيس السليم، لافتاً إلى أنه فى حالة رجوع الأسر للكنيسة بعد أثارة خلاف بينهم على الطفل الثالث نجد أن الكنيسة تنتصر لفكرة طفلين فقط، وهذا يرجع إلى أن الكنيسة متلامسة بالفعل مع المشكلة السكانية وتدعو قولاً وفعلاً لفكرة تنظيم الأسرة.
وأكد المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية، أن الكنيسة تعمل بنفس الفكر التوعوى السابق، وتتعاون مع مؤسسات الدولة فى توضيح وسائل تنظيم الأسرة وإرشاد الأسر للصواب فى كل الفعليات عن طريق استضافة حملات التوعية وإتاحة المساحة لإرشادهم بخطر زيادة الإنجاب، وأبرز المشاكل الحياتية التي من الممكن أن تصادفهم، لافتاً إلى أن هناك لجنة متخصصة للأسرة بالمجمع المقدس تعمل على التوعية برئاسة الأنبا مكسيموس أسقف بنها وبها أربع لجان فرعية، لجنة الأعداد للزواج وتعمل على برنامج المشورة الاسرية وأبرز مهمها عقد لقاءات دورية مع المقبلين على الزواج حديثا لتعريفهم بخطورة الانفجار السكانى ويجب عليهم الا يتخطو طفل أو أثنين، وجنة المتزوجين حديثا وتتابع توعيتهم بالمشاكل الحياتية التى ستصادفهم فى حالة تخطى طفلين فى الانجاب، لجنة خدمة المرأة وهى عمود الاسرة ويجب أن تكون لها توعية مباشرة لتنظيم الاسرة وعدم الزيادة فى الانجاب، لإنها تمثل خطر على صحتها قبل أي شخص أخر، موضحاً أن هذه اللجان كان مستمرة في عملها حتى خلال جائحة كورونا، عبر برنامج زوم.
وتحدث القمص موسى إبراهيم عن دور الخطاب الدينى سواء من الأزهر أو الكنيسة في دعم استراتيجية الدولة لمواجهة الزيادة السكانية، وقال إن الخطاب الدينى بشكل عام له تأثير كبير فى هذه القضية بالتحديد، لما لها من أبعاد دينية، مشيراً إلى الدولة خلال السنوات الأخيرة تشهد حالة نهوض كبير فى كل شيء، وفى المقابل يمثل تزايد السكان أحد العوامل السلبية، بل خطر يبتلع جهود وإنجازات كثيرة تقوم بها الدولة، لذلك نرى ضرورة ان يكون هناك اهتمام متواصل ومستمر بمخاطر الزيادة السكانية، واهمية توعية المجتمع بها.
وأشار القمص موسى إبراهيم إلى أن الكنيسة تطالب أبنائها حساب النفقة، وهذه الدعوة دعانا لها السيد المسيح عن طريق مثل أعطا لنا من خلال أنجيل لوقا " فَأَيٌّ مِنْكُمْ، وَهُوَ رَاغِبٌ فِي أَنْ يَبْنِيَ بُرْجاً، لَا يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ الْكُلْفَةَ لِيَرَى هَلْ عِنْدَهُ مَا يَكْفِي لإِنْجَازِهِ؟"، فهذا نموذج قابل للتطبيق على أمور كثيرة فى حياتنا.