العراق يلتقط أنفاسه ويطفئ نار فتنة الفوضى
السبت، 03 سبتمبر 2022 06:00 م
- دعم مصري لاستقرار وأمن الدولة العراقية وعقد حوار يغلب مصلحة الوطن وتجاوز الأزمة السياسية
هدأت الأوضاع في العراق نسبياً، بعد كر وفر، وتجاذبات سياسية، كادت أن تهدد بوقوع الدولة في براثن تقاتل أهلى، لكن التدخل السريع من الرئاسة الثلاثة "الجمهورية والوزراء والبرلمان" وأدت الفتنة في مهدها، وساعد على الواد السريع أيضاً خروج مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدرى داعياً أنصاره للانسحاب من محيط المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، بعد سلسلة من الاشتباكات الدامية التي شهدها العراق الأثنين الماضى، فما هي الا دقائق بعد دعوة الصدر، حتى انسحب المحتجين، واعلن اللواء تحسين الخفاجي المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق، انتهاء كافة المظاهرات المسلحة في محيط المنطقة الخضراء، مؤكداً أن الأمور عادت الى طبيعتها وتم فتح الشوارع.
هدوء الأوضاع في العراق، لا يخفى أن الدولة العربية الشقيقة لا تزال على صفيح ساخن، وبركان قابل للانفجار في أي لحظة، وهو ما كشف رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، الذى قال إنه يعتصره الألم بسبب أحداث بغداد، موضحا أن السلاح المنفلت سبب الأزمة، مشيراً إلى أن الأحداث الأخيرة "تحتم علينا حصر السلاح بيد الدولة"، مؤكداً أن كل من خرج عن القانون سيتحمل مسؤوليته.
وقال الكاظمى، إن الحوار الوطني في حاجة لتنازلات من الجميع، متابعا: صبرت على حرب معلنة من أطراف لإضعاف الدولة، مؤكداً "لن أترك مسؤوليتي أمام الشعب، وسأعلن خلو منصبي في الوقت المناسب إذا تعقدت الأمور"، مشيراً إلى أن الفشل السياسي المزمن تسبب في إراقة الدماء، متابعا: العار لكل من تسبب في إراقة الدم العراقي سواء بالقول أو الفعل.
كما أكد برهم صالح الرئيس العراقي، إن الوضع الحالي لم يعد مقبولا ولا يجب استمراره، موضحا أن إجراء انتخابات مبكرة يمثل مخرجا للأزمة الخانقة، داعيا إلى الحوار عبر اجتماع وطني عاجل.
ووقفت مصر بقوة بجانب كل الجهود والتحركات التي استهدفت حماية أمن واستقرار العراق، حيث أعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن تقديره لجهود الأطراف العراقية لتحقيق التهدئة، وقال: "أقدر الجهود المخلصة من الأطراف العراقية ودعوات التهدئة من مختلف القوى السياسية بالبلاد لوقف التصعيد وأعمال العنف، والتي أدت إلى الاحتواء السريع للأزمة الأخيرة في العراق الشقيق، متمنياً أن يتم استثمار تلك الجهود الصادقة للبناء عليها لتعزيز مسار الحوار بين الجميع من أجل سلامة العراق والحفاظ على مقدراته".
وأكدت مصر دعمها لمؤسسات الدولة العراقية وسلامة وتطلعات مواطنيها الأشقاء واستمرارها في متابعة التطورات في جمهورية العراق الشقيق، وأشار بيان صادر عن وزارة الخارجية، إلى "ان مصر إذ تهيب كافة الأطراف العراقية بالاستمرار في الدفع قدماً نحو التهدئة ووقف التصعيد، حفاظاً على مصلحة الوطن واستقراره، مع تغليب تلك الاعتبارات على أية خلافات سياسية حالية، تؤكد على دعمها التام لكل خطوة من شأنها خفض حدة التوتر الجاري والبحث عن حلول سياسية تفضي إلى تحقيق الاستقرار".
كما اكدت مصر على دعمها لوحدة وسلامة وأمن العراق الشقيق، والدور الذي تقوم به مؤسسات الدولة حفاظاً على أمن واستقرار الشعب العراقي، وهى رسائل جاءت في وقتها، أكد خلالها رئيس مصر العلاقة الوطيدة والاستراتيجية التي تربط القاهرة ببغداد، وتشير بوضوح مدى الأهمية التى تحظى بها قضايا الوطن العربي وفي مقدمتهم القضية العراقية لدى القيادة السياسية المصرية.
هذه الرسائل استكملها الرئيس السيسي بمكالمة إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عبر فيها عن "وقوف مصر بجانب الشقيقة العراق لدعم استقرارها وأمنها مع الاستعداد لبذل أي جهد من شأنه أن يحافظ على سلامة العراق ويفتح مسار الحوار وإنهاء التصعيد الحالي".
وكتب الرئيس السيسى على حسابته الشخصية بمواقع التواصل الإجتماعى إنه يتابع باهتمام الموقف الراهن بالعراق، وقال: "وأحزنني ما آلت اليه التطورات الحالية فى هذا البلد الشقيق الذى تربطه بمصر اواصر تاريخية وطيدة من الاخوة والعروبة"، مضيفًا:"واننى إذ اؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار العراق وسلامة شعبه الشقيق، ادعوا كافة الاطراف العراقية فى تغليب المصلحة العليا لوطنهم من اجل تجاوز الأزمة السياسية عبر الحوار وبما يحقق الاستقرار والأمن والرخاء للعراقيين".
هذا الموقف المصري، جاء ضمن استراتيجية مصرية يتبناها الرئيس السيسى منذ أن وصل إلى سدة الحكم، تهدف إلى الحفاظ على أمن وسلامة الأشقاء العرب، وترفع من شأن قيم السلام لتفويت الفرصة على كل الساعين لتقسيم الدول العربية التي عانت من ويلات الماضى، وأثاره المدمرة.
نعم الرئيس السيسي ومن خلال هذه التصريحات، وجه رسائل عدة استقبلها قادة العراق بأهمية موجهين الشكر للقيادة المصرية على جهودهم في حفظ أمن واستقرار البلاد، حيث عبر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عن شكره وتقديره للرئيس لحرصه واهتمامه بمتابعة الوضع فى العراق، وذلك فى إطار عمق العلاقة الطيبة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، موضحاً المساعى والجهود الحالية لدعم مسارات الحوار والتلاقي.
وفي اليومين الماضيين شهدت العراق اضطرابات أمنية، واشتباكات متعددة، على خلفية مظاهرات حاشدة، أسفرت عن ضحايا بالعشرات بين قتلى وجرحى، في أعقاب إعلان رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي وعدم التدخل في الشؤون السياسية للبلاد بشكل نهائي.
واقتحم مئات من أنصار التيار الصدري القصر الرئاسي وعدة مبانٍ ومنشآت أخرى خلال الأسبوع الماضي احتجاجا على عدم رغبة الحكومة العراقية بإجراء انتخابات نيابية مبكرة فى ظل انعدم إمكانية تشكيل ائتلاف شيعى ذو أغلبية فى البرلمان العراقي.
وأدى اقتحام القصر الرئاسي من قبل المتظاهرين إلى وقوع اشتباكات دامية منذ الإثنين الماضي، ارتفعت حصيلتها وفق مصادر طبية إلى 30 قتيلاً وإصابة نحو 350 متظاهراً.
وتعيش العراق منذ فترة، هدوءاً حذراً على كافة الأصعدة، إلا أن التصعيد الأخير يراه البعض ليس مفاجئاً، لاسيما وأنه جاء بعد اعتصام أنصار رجل الدين مقتدى الصدر في بعض الميادين والشوارع الحيوية المحيطة بالسفارات والمؤسسات السيادية، رافضين كل التكتلات السياسية الفاسدة، والتي تحتمي بالميليشيات.
ويتضح من هذا التطور أن الشعب العراقى لفظ النخب السياسية التي تعمل بالوكالة لصالح الخارج، الأمر الذي دفع الميليشيات إلى التوجه لاستخدام السلاح على المظاهرات السلمية، وأطلق عدد من المسلحين صواريخ من طراز كاتيوشا فى اشتباكات المنطقة الخضراء، وذلك وسط تعزيزات أمنية مكثفة فى بغداد، مع تشديد أمنى وتعزيز لحظر التجوال باستخدام الاسلاك الشائكة والكتل الأسمنتية.
وتدخلت قوات الجيش والأجهزة الأمنية للسيطرة على الوضع خاصة بالقرب من القصر الجمهورى، وطالبت إخلائه من أنصار التيار الصدرى الذين اقتحموه، في حين خرج زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وطالب أنصاره إلى الانسحاب من الشارع، لأجل حقن الدماء، بعدما أودت مواجهات في الشارع إلى وقوع قتلى وجرحى.
وتوالت ردود الأفعال الدولية إزاء توتر الأوضاع في العراق، وسط دعوات إلى ضبط النفس، وحذرت الجامعة العربية، من انزلاق الوضع في العراق إلى مزيد من العنف والفوضى وإراقة الدماء، كما دعا البرلمان العربي، جميع الأطراف والقوى السياسية العراقية إلى ضرورة ضبط النفس ومنع التصعيد، وإعلاء المصلحة الوطنية ووقف العنف والحفاظ على المسار السلمي للعملية السياسية، وفقًا للدستور.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن ما يجرى في العراق يثير القلق، كما يضع سيادة العراق في خطر، مشيرة إلى أن التظاهر حق "لكن يجب حماية الممتلكات العراقية"، مشيرة أن الولايات المتحدة تدين استخدام العنف وتحث على أهمية الحفاظ على الهدوء، موضحة أنه ليست ثمة اتصالات متوقعة في الوقت الحالي بين مسؤولين أمريكيين وآخرين في العراق.
والثلاثاء، أعرب مقتدى الصدر عن حزنه العميق لما آلت إليه الأحداث فى العراق، معلقا: "أطأطأ الرأس وأعتذر من الشعب العراقى لأنه المتضرر الوحيد لما يحدث..فالقاتل والمقتول فى النار... وطنى بعد ما كان أسيرا للفاسد هو الآن أسيرا للعنف والفساد.. كنت أمل أن يكون هناك احتجاجات سلمية بالأكفان والأيدى والقلوب الصافية المحبة لوطنها".
وأضاف "بئست الثورة التى تحمل الهاون والسلاح بغض النظر عن من هو البادئ، فالعنف والقتل ليست ثورة، ولن أقول بعد ذلك أنها ثورة"، مقدماً الشكر للقوات الأمنية على وقوفها على الحياد فى الأحداث الجارية، وأمهل أنصار التيار بالانسحاب فورا من محيط مجلس النواب خلال 60 دقيقة.