بعد 31 عاماً.. اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية تعود لأحضان مصر
السبت، 11 يونيو 2022 07:45 م
بعد 31 عاماً.. اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية تعود لأحضان مصر
اجتماعات شرم الشيخ نجحت في الاختبار الصعب بمواجهة التعقيدات الدولية والتغيرات المناخية بالتنسيق الأقليمى
"وثيقة سياسة الملكية".. ورقة نجاح الدولة المصرية في إظهار مرونة التعامل لمواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية
بعد 31 عاماً من أخر اجتماعات شهدتها مصر لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، عادت المجموعة مرة أخرى إلى مصر، لتعقد اجتماعاها السنوي هذا العام في مدينة شرم الشيخ. في عام 1991، كان اخر اجتماع للمجوعة استضافته القاهرة، والأسبوع الماضي كانت شرم الشيخ على موعد مع الاجتماعات السنوية الـ47 للمجموعة التي عقدت تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، تحت عنوان "بعد التعافي من الجائحة: الصمود والاستدامة"، بمشاركة 57 دولة، أعضاء في البنك.
من العنوان الرئيسى للاجتماعات انطلق النقاش، وتشعب الحديث حول قضايا عدة، كان أطرافها وزراء مالية واقتصاد الدول الأعضاء، بالإضافة إلى خبراء ماليين ومصرفيين ورجال أعمال وغيرهم ممن جاءوا إلى شرم الشيخ، وهم يدركون أن العالم يمر بمرحلة بالغة الدقة والتعقيد، وظرف استثنائي شديد التأثير على الدول والاقتصاد الدولى، فما أن حاولت الدول الخروج من تداعيات كورونا، حتى واجهت متغيرات جيوسياسية طالت تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية جميع دول العالم بلا استثناء، جراء الأزمة الأوكرانية الروسية التي تتسم بأنها أزمة مُركبة وشديدة التعقيد.
كل هذه التغيرات والتعقيدات الدولية فرضت نفسها بقوة على اجتماعات البنك الاسلامى للتنمية، حيث وجد المشاركين أنفسهم أمام اختبار صعب، فهم في خضم أزمات دولية متلاحقة، وفى نفس الوقت مطالبين بالعمل على رفع وتيرة النمو الاقتصادي بالتركيز على تنويع الهياكل الاقتصادية، والتحول نحو اقتصادات المعرفة، وزيادة مستويات مرونة أسواق العمل والمنتجات، ورفع الانتاجية وتعزيز التنافسية، وتنمية سلاسل القيمة الإقليمية، والارتقاء بمستويات رأس المال البشري من خلال التركيز على تحسين مستويات خدمات التعليم والصحة، وغيرها من الأمور التي الارتقاء بالمستوى الاقتصادى.
ومن هذه التحديات جائحة كورونا التي قال محمد الجاسر رئيس البنك الإسلامي للتنمية، إنها انعكست سلبا على معظم الدول وساهمت فى دفع الدول نحو الفقر وأزمة الديون وضعت التنمية الاقتصادية والصحية والاجتماعية في أزمة، مشيراً إلى إن الاستراتيجية الجديدة للبنك 2023/2025 تتعامل مع العديد من التحديات وتعمل على دعم الاقتصاديات وبناء مقدرات الشعوب لتجاوز الازمات الناتجة من جائحة كورونا، حيث تم ضخ الزيادة السادسة في رأسمال البنك بنحو 7.5 مليار دولار ليصل إلى 77.5 مليار دولار لتمويل العديد من المشروعات التي ستقدمها الدول الأعضاء، وقال: "سيتم تخصيص تلك الزيادة لتوفير التمويل للمشاريع الجديدة، خصوصا في البنية التحتية ومواجهة الصدمات الاقتصادية."
وليست كورونا بمفردها، فهناك كما سبق الإشارة، تداعيات الأزمة الجيوسياسية والحرب الروسية الأوكرانية التي حدثت قبل التعافي الكامل من أزمة كورونا، وهو ما تطلب بل حتم كما أكدت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ومحافظ مصر لدى مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، ورئيس مجلس محافظي البنك؛ التعاون وإفساح مجال أكبر للقطاع الخاص من أجل المشاركة في جهود التنمية، مع الإشارة إلى أن القطاع الخاص شريك أساسي في جهود التنمية بكل الدول، وأن تلك الفترة أكثر إلحاحًا من أجل مزيد من هذه الشراكات والدعم للمساعدة على توفير مزيد من فرص العمل.
شرم الشيخ من اجتماعات البنك الاسلامى للتنمية إلى cop 27
مكان وزمان عقد هذه الاجتماعات لهما الكثير من الدلالات، فالمكان وهو شرم الشيخ، التي تستعد لاستضافة المؤتمر الدولى للمناخ cop 27 ذكرت المشاركين بقضية البيئة والتغيرات المناخية، وتأثيرها على الاقتصاد الدولى.
وبذكر المكان، فإن مصر كما قالت الدكتورة هالة السعيد، واحدة من الدول المؤسسة لمجموعة البنك منذ عام 1974، ومن أكبر المساهمين في رأس مال البنك، ولديها محفظة تعاون متنامية مع مجموعة البنك تبلغ حوالي 17 مليار دولار أمريكي (حتى نهاية مارس 2022) تمثلت في 367 مشروع، منها 303 مشروع تم بالفعل الانتهاء منها بتكلفة إجمالية يزيد على 10،5 مليار دولار أمريكي، و64 جاري العمل بها، وهو ما يؤكد الشراكة الكبيرة بين الجانبين، التي تكللت بالتوقيع على هامش الاجتماعات على عدد من الوثائق.
ومن واقع متابعة الاجتماعات عن قرب، فيمكن القول أنها كانت فرصة مناسبة للمشاركين ولمصر تحديداً من نواحى مختلفة، منها أنها بروفة تحضرية لقمة المناخ cop 27 المقرر عقدها في شرم الشيخ نوفمبر المقبل، كما كانت فرصة ليطلع العالم على التغيرات الجارية الآن في الاقتصاد المصرى، وأيضاً فرصة لتعرض مصر تجربتها في التحول إلى الاقتصاد الأخضر وزيادة الاستثمارات العامة الخضراء، التي وصلت اليوم إلى 30%، بعدما كانت 15% في 2019.
وأهمية هذه الاجتماعات أنها كانت بمثابة محفل أقليمى، أو ما يشبه المنتدى للتباحث مع ممثلي مؤسسات التمويل المشاركة؛ لتعظيم استفادة الدول الأعضاء من نشاط هذه المؤسسات، وكذلك عرض التطورات الإيجابية وتجارب الدول في مواجهة جائحة كورونا، خصوصاً مع تنوع الخدمات التي تقدمها مجموعة البنك (تمويل وتنمية التجارة - ضمان الاستثمار وآئتمان صادرات – تنمية القطاع الخاص).
التجربة المصرية في التنمية المستدامة والتحول الاقتصادى
عرض التجربة المصرية جاء على لسان أعضاء الحكومة المشاركين في الاجتماعات، ففي أكثر من جلسة تم استعراض جهود الدولة المصرية في إطار العمل على إشراك القطاع الخاص في عملية التنمية، وإطلاق مصر برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في 2016 والمرحلة الأولى منه والتي قامت على ثلاثة توجهات رئيسية هي الإصلاح المالي، والإصلاح النقدي، وتهيئة البنية الأساسية من أجل مزيد من مشاركة القطاع الخاص، مع الإشارة إلى أن الاستثمارات المصرية في البنية التحتية خلال السنوات الماضية كان هدفها توفير جودة حياة للمواطن المصري، وجذب استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي، مشيرة إلى تطوير شبكة الطرق والموانئ والكهرباء.
كما تمت الإشارة إلى المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي، وهي برنامج الإصلاح الهيكلي الذي يهدف إلى الحفاظ على مكتسبات المرحلة الأولى من الاصلاح الاقتصادي، فكان لا بد من النظر إلى جزء ومكون مهم يتمثل في مكون الاقتصاد الحقيقي، ليأتي تركيز المرحلة الثانية على القطاعات الإنتاجية، حيث تقوم خطة البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية على زيادة الوزن النسبي لقطاعات الصناعة، والزراعة، والاتصالات تكنولوجيا المعلومات باعتبارهم الثلاث قطاعات الإنتاجية التي تستطيع مساندة الاقتصاد، أخذا في الاعتبار حقيقة أن الاقتصاد الحقيقي والقطاعات الإنتاجية هي الأساس في الاقتصاديات لمواجهة أية أزمات.
القطاع الخاص ودوره في التنمية، هو ما أشار إليه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء في أكثر من مداخلة واجتماع، بالتأكيد على أن الدولة المصرية عملت بجهود جادة وحثيثة خلال الأعوام الماضية، لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وأنجزت بالفعل عددًا كبيرًا من الإصلاحات لتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، حيث ساهمت كل هذه الجهود في تعزيز قدرة الاقتصاد المصري على الصمود في مواجهة الأزمات، وتحقيق معدلات نمو إيجابي رغم صعوبة التحديات، مؤكداً أن الدولة المصرية قامت بالتعويل على الاستثمارات الحكومية لتحفيز القطاع الخاص، والداعمة لاحتياجات المواطن، من خلال إطلاق سلسلة من المشروعات القومية، ذات الأهمية الكبرى والموثوقة في إحداث التنمية، والمساهمة في تهيئة البنية التحتية اللازمة للاستثمار، كما اتبعت نهج تحفيز القطاع الخاص، عبر حزمة متنوعة من الإصلاحات التشريعية والمبادرات التنموية، بالإضافة إلى إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية الكلية والهيكلية، وفى في نوفمبر 2016، نفذت الحكومة برنامجًا شاملاً مع صندوق النقد الدولي لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وإعادة مصر إلى مسار النمو الاقتصادي القوي والمُستدام.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن الدولة المصرية عززت كذلك من صمودها أمام تداعيات الجائحة من خلال تحقيق التوازن بين صحة المواطن وتجنيبه الإصابة بهذا الوباء، مع الحفاظ في الوقت نفسه على دوران عجلة الاقتصاد المصري بقدر الإمكان من خلال اغلاقات جزئية ومحدودة، لافتاً إلى أن جهود الدولة لتحفيز القطاع الخاص كانت قد بدأت وقتها تؤتي ثمارها، ولذلك، بدأت الدولة تعيد تقييم المشهد الاقتصادي، رغبة منها في تعزيز قدرة الدولة على إطلاق عمليات تنموية متواصلة، في إطار من المنافسة الحيادية بين الاستثمارات الحكومية والخاصة، مؤكداً أن الدولة بدأت بالفعل في تخطيط مسارات التحرك، قبل الإعلان عن الأزمة في أوروبا الشرقية في الرابع والعشرين من فبراير 2022.
وأشار مدبولي إلى أن الدولة المصرية ستستمر في تنفيذ مسارات التحرك التي بدأت بها بالفعل، حيث أعلنت الدولة أنها سوف تتخارج من بعض القطاعات والأنشطة الاقتصادية لإفساح المجال أمام القطاع الخاص، ومضاعفة نسبة مساهمته في الاستثمارات المنفذة لتصل إلى 65% خلال السنوات الثلاث القادمة، كما قامت بصياغة " وثيقة سياسة الملكية"، التي تُعلن سياسة ملكية الدولة للأصول، وتُحدد الأسس والمرتكزات الرئيسة لتواجد الدولة في النشاط الاقتصادي، هذا ومن المخطط أن تكون مسودة وثيقة الملكية أول قضية يتم طرحها للحوار خلال الأيام القليلة القادمة.
وثيقة سياسة الملكية تحدد المسار المصرى
وهنا لنا وقفة مطولة، فالحديث عن الوثيقة كان محل اهتمام الكثير من المشاركين في اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية، لأنها تأكيد على الاستراتيجية والنهج الجديد الذى تسير عليه الدولة المصرية، لذلك قال مدبولى "بدأنا منذ مطلع هذا العام في اتخاذ العديد من الخطوات المهمة لتشجيع القطاع الخاص، للعودة بقوة للمشاركة في نمو الاقتصاد المصري، سواء من جانب المستثمرين المحليين أو الأجانب، والمرحب بهم بشكل كبير للاستثمار في مصر، باعتبارها سوقا واعدة وحجم اقتصاد كبير آخذ في النمو"، مشيراً إلى أن الدولة المصرية اتخذت خطوات مهمة بناء على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإعلان الخطوات التي سنتخذها خلال الفترة القادمة، وبدأنا تنفيذها بالفعل، مشيرا إلى أن الخطوة الأولى تتمثل في إعداد وثيقة "سياسة ملكية الدولة"، وهي وثيقة شديدة الأهمية نضعها أمام العالم والقطاع الخاص، لنوضح رؤية الدولة ودورها في الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة، وهدفها تشجيع عودة مساهمة القطاع الخاص مرة أخرى في الاقتصاد، والعمل على زيادة نسبة مساهمة استثمارات القطاع الخاص في اجمالي الاستثمارات العامة من 30% حاليا؛ لتصل إلى 65% من إجمالي الاستثمارات في مصر خلال السنوات الثلاث المقبلة، ونضع اليوم في إطار هذه الوثيقة برؤية واضحة، القطاعات التي ستتخارج منها الحكومة بالكامل، خلال الفترة من 3 إلى 5 سنوات، موضحاً أن جزءا من هذا التخارج يعني أن تطرح الدولة إدارة وتشغيل عدد من الأصول والمرافق والمنشآت الهامة التي تملكها للقطاع الخاص، كما طرحنا فكرة أخرى وهي زيادة رأس المال، وأي توسعات لهذه المنشآت والمشروعات الكبيرة تتم من خلال القطاع الخاص بالكامل، وبالتالي يكون هو مساهما رئيسيا في هذه المشروعات، وله نسبة، ويتولى عملية الإدارة والتشغيل، كما أن هناك آلية أخرى وهي أن تبيع الدولة المصرية جزءا من حصتها في بعض المرافق والمشروعات وتتركها للقطاع الخاص تدريجياً، بحيث يكون له نسبة موجودة بها.
وأوضح مدبولي أنه في كل الأحوال ستشجع الدولة أن تتم إدارة وتشغيل كل هذه المشروعات من خلال القطاع الخاص، وهذا جزء من القطاعات التي ترى الدولة أن تتخارج منها، ولكن هناك قطاعات أخرى استراتيجية سوف تستمر الدولة فيها، وهذا أمر قائم في كل دول العالم.
وفي ضوء الحديث عن نمو قطاع الصناعة، أوضح رئيس الوزراء أن الدولة وضعت استراتيجية واضحة لتنمية وتشجيع والإسراع في معدلات نمو الصناعة في مصر.. وقال "لدينا يقين كامل أن الصناعة هي المستقبل الحقيقي خلال الفترة القادمة، ولذا فقد بدأت الدولة المصرية تستجيب لبعض النقاط والنقاشات التي كان يتم طرحها خلال اللقاءات التي تعقدها الحكومة مع رجال الصناعة من الداخل والخارج، ومع المجالس التصديرية ومجتمع الأعمال"، موضحا أن الأمر الأهم هو أننا قررنا أن تكون الأراضي الصناعية دائما مُرفّقة عند إتاحتها، ويكون المبدأ في تسعير الأراضي، هو سعر المرافق، وحددنا لذلك آليتين لطرح هذه الأراضي؛ إما عن طريق حق الانتفاع أو البيع، وبتسهيلات ائتمانية ليكون الهدف أن نشجع القطاع الصناعي الموجود، الراغب في التوسع في أن يحصل على الأراضي بصورة مباشرة، وتم تشكيل لجنة مجمعة تخصص الأراضي بصورة فورية، واتخذنا القرار بأن تصدر هيئة التنمية الصناعية رخصة واحدة في حد أقصى 20 يوم عمل، بحيث يحصل المستثمر على الرخصة من الهيئة، على أن تتولى الهيئة الحصول على الموافقات من باقي الجهات الأخرى المعنية، كما تم تفعيل مادة مهمة للغاية في قانون الاستثمار، وهي إعطاء الرخصة الذهبية، التي تصدر من رئيس الوزراء شخصيا، وتجُب كل الموافقات الأخرى في المشروعات التنموية الكبيرة، سواء صناعة أو أي مشروعات أخرى تراها الدولة أنها ذات أهمية وتساهم في نمو الاقتصاد المصري.
وأضاف أن الدولة المصرية وضعت أيضا حوافز ضريبية وغير ضريبية لمشروعات بعينها، وأن التركيز سيكون خلال الفترة المقبلة على مشروعات الطاقة الخضراء، والطاقة الجديدة والمتجددة، كما وقعت الدولة على 6 مذكرات تفاهم، خلال الشهرين الماضيين، مع تحالفات عالمية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء؛ في إطار رؤيتنا كدولة بأن تكون مصر مركزا إقليميا وعالميا لإنتاج هذه النوعية من الطاقة الخضراء، مشيرا إلى أن مصر من الدول القليلة للغاية التي تتمتع بأماكن عديدة تتوافر فيها الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، ولذا فالدولة المصرية تضع حوافز كبيرة لتشجيع التحالفات العملاقة للدخول معنا في هذا المجال.
وانتقل رئيس الوزراء للحديث عن قطاعات أخرى مهمة، مثل الزراعة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهي الآن على قمة أولويات الدولة في هذه المرحلة، التي نتيح فيها لرجال الأعمال والقطاع الخاص الدخول في شراكات لإقامة مشروعات في هذه القطاعات، كما قامت الدولة باتخاذ قرار مهم آخر وهو السماح بتأسيس الشركات افتراضيا دون الحاجة إلى التواجد بصورة مادية، لإتاحتها أمام قطاعات مثل الشباب ورواد الأعمال والشركات الناشئة، وذلك لتشجيع هذه القطاعات على البدء في مشروعاتها الخاصة دون معوقات، ويتم متابعة تنفيذ ذلك على أرض الواقع مع أعضاء الحكومة المعنيين.
وقال رئيس الوزراء "إنه تم أيضا إنشاء الوحدة الدائمة لحل مشكلات المستثمرين بمجلس الوزراء، وتحت إشرافي المباشر، رغم وجود آليات فعالية أخرى في هذا الشأن، وذلك لتلقي أية مشكلات للمستثمرين والعمل على حلها وتسويتها على الفور في غضون أيام قليلة؛ للمساهمة في تهيئة مناخ جيد لبيئة الاستثمار في مصر".
وأضاف قائلا "إننا نعي جيدا أن لدينا تحديات لا تزال قائمة في بعض الإجراءات البيروقراطية والإدارية، ولكننا نتخذ الإجراءات والقرارات التي من شأنها تذليل كل المعوقات، ونعمل على الإسراع في الحصول على الموافقات وتسهيل وتبسيط الإجراءات في كل مجالات الاستثمار خلال الفترة المقبلة، ولا سيما أننا مررنا بمرحلة دقيقة للغاية وخطوات كبيرة على مسار تهيئة المناخ الجيد للمستثمرين بدءا من تمهيد مناخ الأعمال بما يشمله من بنية أساسية، وبنية تشريعية، وبنية تنظيمية ومؤسسية، وإجراءات الإصلاح الهيكلي التي تم اتخاذها بعد الإصلاحات الاقتصادية، وكل ذلك من أجل تيسير الإجراءات وتوفير مناخ أفضل لعملية الاستثمار وانطلاق القطاع الخاص بقوة خلال المرحلة المقبلة، ولدينا مستهدفات واضحة، وسيكون هناك مؤتمر كل 3 أشهر من أجل إعلان مدى نجاحنا في تحقيق المؤشرات الكمية التي وضعناها، فمصر تفتح أبوابها بالكامل لكل مجالات الاستثمار وخاصة في القطاعات ذات الأولوية في هذه المرحلة".
التغيرات المناخية الحاضر القوى
وبالحديث عن التغيرات المناخية، فقد فرض الموضوع نفسه بقوة على أجندة أي اجتماعات أو فاعليات دولية، وضمنها بالتأكيد مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، التي شهدت اجتماعاته نقاش كبير وموسع حول هذه القضية، على الرغم من كون مساهمة الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية في الانبعاثات الحرارية (GHG) عالميًا بسيطة، لكن على أرض الواقع فإن العديد من الدول الأعضاء تواجه مجموعة واسعة من التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بتغير المناخ، التي تتجاوز قدرة تلك الدول على التكيف، من ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع منسوب البحر، والتغيرات المفاجئة في هطول الأمطار، والظواهر الجوية المتطرفة.
او كما قال أيمن سليمان الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، فإن الشهية العالمية تجاه التمويل الاخضر تشهد تسارع كبير، ونحن في مصر نعمل على صياغة السياسات وبرامج العمل المطلوبة التي تساعدنا على الاستفادة من هذا الحجم الكبير من التمويل الاخضر لدعم جهود مصر في تحقيق رؤيتها التنموية.
في جلسة بعنوان "الطريق إلى مؤتمر المناخ COP 27: التحول إلى الاقتصاد الأخضر"، قالت الدكتورة هالة السعيد، إن استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP 27 يأتي في إطار العمل على تسريع تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس، مع طرح احتياجات البلدان النامية، وخاصة دول القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مؤكدة أهمية البناء على نتائج مؤتمر COP 26، موضحة أنه على الرغم من مساهمات مصر القليلة في انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، إلا أن مصر، من بين البلدان النامية الأخرى، وخاصة في إفريقيا، التي تعد نقطة ساخنة للتأثر بالمناخ حيث نعاني من آثار تتجاوز قدرتها على التكيف، مما قد يؤدي إلى عكس مكاسب التنمية التي تم تحقيقها، لذلك قامت الحكومة المصرية بدمج مفاهيم الاقتصاد الأخضر والدائري في عملية التعافي، مع ضمان وضع المبادئ الأساسية "للنمو الشامل" و "عدم ترك أحد خلف الركب"، مما يشير إلى أن تغير المناخ يظل على رأس أولويات مصر، على النحو المنصوص عليه في رؤية مصر 2030.
وفى جلسة أخرى أكد الدكتور محمد معيط وزير المالية، أن التحديات الاقتصادية العالمية مع تداعيات التغيرات المناخية تفرض ضرورة التحرك نحو التوسع في التمويل الأخضر بآليات ميسرة، تساعد الدول النامية على تعظيم المشروعات الصديقة للبيئة، وتلبية الاحتياجات التنموية، وإرساء دعائم التمويل المستدام، بحيث يتم خفض أعباء الديون على الاقتصادات الناشئة في ظل الظروف الاستثنائية التى تتشابك فيها تبعات جائحة كورونا مع الآثار السلبية للأزمة الأوكرانية، مؤكداً إن تغير المناخ يُعد أكبر التحديات التى تُواجه العالم، وتتطلب أكبر جهد جماعي للبشرية على الإطلاق، لاحتواء تداعياتها، والحد من آثارها، وتحقيق أهداف الحفاظ على المناخ، لافتًا إلى أن مصر تدرك أهمية تحويل سياسات التمويل الأخضر إلى واقع عملى، وستعمل خلال استضافتها لقمة المناخ في نوفمبر المقبل، على تحويل التعهدات الدولية إلى إجراءات تنفيذية، وحلول عملية بعيدًا عن الرغبات الافتراضية، لمساعدة الدول النامية على التكيف مع التغيرات المناخية.
وأشار معيط إلى نجاح مصر في إصدار أول طرح للسندات الخضراء السيادية الحكومية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بقيمة 750 مليون دولار في سبتمبر 2020، بما يضع مصر على خريطة التمويل المستدام للاقتصاد الأخضر، على نحو يُمهد الطريق لمشاركة القطاع الخاص في أدوات التمويل التي تخدم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتؤدي إلى الوفاء بالتزاماتنا، كما حصلت مصر على أول تمويل أخضر في نوفمبر 2021 بمبلغ 1.5 مليار دولار من مجموعة من البنوك التجارية الدولية والإقليمية، باكتتاب حقق مستويات عالية من الطلب بنسبة تغطية تجاوزت 3 مرات، ويخضع هذا التمويل الأخضر أيضًا لإطار مصادر التمويل الأخضر السيادي لمصر وعائداتها الموجهة لتمويل المشاريع الوطنية الخضراء، مشيرًا إلى أن مصر تشهد حراكًا تنمويًا غير مسبوق، جعلها تمتلك فرصًا جاذبة لتعزيز التعاون مع شركاء التنمية الدوليين والقطاع الخاص والتوسع في المشروعات الصديقة للبيئة.
وهنا كانت الاجتماعات مناسبة لعرض التجربة المصرية سواء من خلال مراحل تطبيق خطة التنمية المستدامة، أو مشروع "حياة كريمة" الذى يستهدف البعد البيئي، ليكون هناك نموذج للقرية الخضراء بالري الحديث وإنارة بالطاقة الشمسية وبناء الكثير من الكباري والمحاور المرورية.
في المجمل يمكن القول أن اجتماعات البنك الاسلامى للتنمية، بقدر نجاحها في التوصل إلى توافق بين الدول الأعضاء حول أهمية التلاحم لمواجهة التداعيات السلبية للأزمات العالمية، فإنها كانت فرصة مناسبة ليطلع العالم على المرونة المصرية في التعامل مع هذه الأزمات، من خلال حزمة إجراءات وقرارات تستهدف في الأساس امتصاص هذه الأثار السلبية، ليكون الاقتصاد المصرى قادراً على المنافسة.