ابتسامة المصريين تقلب موازين القوى
الأحد، 12 يونيو 2022 10:00 ص
استطاعت مصر بجهود مضنية استرداد ما يزيد على تسعة وعشرين ألف قطعة أثرية جرى السطو عليها وتهريبها في الفترة من 2014 وإلى 2021
قدم المسلسل التلفزيوني القديم "حلم الجنوبي" إجابة مبتكرة وصادقة وكاشفة وموجعة عن سؤال طالما شغل أذهاننا: لماذا يسرقون آثارنا؟
عقدة المسلسل تدور حول وصول بردية تحدد مكان مقبرة الإسكندر الأكبر إلى يد بطل المسلسل، كل صراع جاء بعد ذلك المشهد هو مبني على تلك اللقطة الفريدة ومتفرع عنها.
وفي إحدى حلقات المسلسل يسأل فرد من العصابة قائدها: لماذا نشقى كل هذا الشقاء لكي نحصل على البردية؟
يرد قائد العصابة على السائل بقوله: من أجل الحفاظ على موازين القوى في الشرق الأوسط يا عزيزي.
بدهشة يعود عضو العصابة للسؤال: عن أي موازين تتحدث؟
يرد القائد بثقة: انظر يا عزيزي لو تركنا المصريين يعملون في هدوء فسيتمكنون من العثور على مقبرة الإسكندر الأكبر، وهذا الاكتشاف العالمي سيهز أرجاء الكوكب، وساعتها سيشعر المصريون بالحماس، ومن ثمّ سيثقون بأنفسهم وبقدراتهم، ولو وثقوا بأنفسهم فإنهم سيبتسمون، ولو ابتسموا فإنهم سيعملون ولو عملوا سيقلبون موازين القومي في الشرق الأوسط، هل فهمت؟
لقد فهمت العصابة كلها الأسباب التي تجعل حصولها على البردية وتخريب مساعي المصريين حتمية تاريخية، ولم ينته المسلسل إلا وقد احترقت البردية وضاعت على المصريين ابتسامة الفوز والظفر التي ستقلب موازين القوي في الشرق الأوسط.
وفق تلك الأهمية لقضية الآثار التي شرحتها بالتفصيل أحداث المسلسل يجب التفاعل مع الخبر المبهج الذي أذعته كل وسائل الإعلام المصرية والعربية، ورغم عموم البث فإن التفاعل معه كان ضعيفًا جدًا وكأن شيئًا لم يحدث!
الخبر يقول إن مصر قد استطاعت بجهود مضنية استرداد ما يزيد على تسعة وعشرين ألف قطعة أثرية جرى السطو عليها وتهريبها في الفترة من 2014 وإلى 2021، الرقم مفزع ولكنه مفرح عندما نرى أن الحقوق التي خلفها مطالب لن تضيع.
تفاصيل استعادة الآثار المهربة بدأت من 2014 حتى 2021 فتلك الآثار التي تخلد ماضينا وتضيء حاضرنا ومستقبلنا كانت مبعثرة بين مختلف دول العالم، وثمة قائمة ابتدائية تضم دولًا على رأسها النمسا والدنمارك والكويت والإمارات العربية المتحدة والمكسيك وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وإنجلترا وقبرص والأردن وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
الوصول إلى دول كالتي تضمها القائمة ليس عملًا سهلًا، والحصول على أحكام قضائية باتة ونهائية بأحقية وطننا في استرداد أثاره دونه كما يقولون خرط القتاد، ولكن مصر نجحت بامتياز في استرداد معظم ما تم السطو عليه وتهريبه من تاريخنا.
وفي التفاصيل نقرأ أن مصر قد نجحت في استرداد 240 قطعة أثرية بعد أن ضبطتها سلطات الجمارك الفرنسية فى مطار شارل ديجول، حيث تمكنت من ضبط بعض الركاب وبحوزتهم مجموعة من المستنسخات الأثرية حديثة الصنع، وعليه فقد قاموا بتمرير تلك المستنسخات على جهاز X- ray "جهاز كشف الحقائب الذي أكد أن تلك المستنسخات مجوفة من الداخل ومخبأ بها مجموعة كبيرة من القطع المشتبه فى أثريتها.
وفي العام 2020 كبرت الجهود وبفضلها نجحنا في استرداد 5000 مخطوطة أثرية، كانت بحوزة متحف "الإنجيل المقدس" بالولايات المتحدة الأمريكية.
وتلك الجهود لقيت ترحيبًا من أشقاء، يأتي على رأسهم سمو حاكم الشارقة لشيخ سلطان القاسمي الذي تبنى مبادرة استردت بها مصر 450 قطعة أثرية من إمارة الشارقة بالإمارات.
الأمر جد لا هزل فيه، وقد بذلت الدولة جهودًا مضنية لاسترداد تلك الكنوز التي لا تقدر بمال، ولكن يبقى فرض تشريعات تحصن كنوزنا، وتجعل من السطو عليها مسألة تستوجب أقسى عقاب ممكن، فالوقاية خير من العلاج، نعم لن تفلح دولة في الحماية الكاملة لكل آثارها، ولكن التقليل من حجم السطو والتهريب أصبح قضية أمن قومي، يجب التعامل معها بكل جدية واتقان لكي تبقى آثارنا كنوزًا تستعصي على النسيان أو السرقة.