معارك عدة خاضتها الدولة المصرية فى عهد "الجمهورية الجديدة"، تشهد على حجم التحديات التى واجهتها، منذ انطلاقها، بدءً من الإرهاب، مرورا بالأزمات الاقتصادية الطاحنة، والتى حملت فى جزء منها بعدا مصريا خالصا، إثر التراجع الاقتصادى الذى أعقب سنوات الفوضى، بينما كان هناك بعدا عالميا، يرجع إلى الأزمات الدولية التى تركت تداعيات عميقة على الاقتصاد الدولى، على غرار الأزمة الأوكرانية الراهنة، وحتى الوباء، وتداعياته، لتجد نفسها فى مواجهة معركة تلو الأخرى، لتحقق انتصارات متتالية، عبر العديد من الأدوات، والرهانات، التى نجحت الدولة فى استخدامها بكفاءة كبيرة، منها ما هو صلب عبر إجراءات وقرارات، فى حين لم تكن القوى الناعمة غائبة عن المشهد، حيث لعبت دورا مؤثرا وعميقا فى تجاوز تلك التحديات الكبيرة.
وعلى الرغم من اختلاف الأدوات المستخدمة لمجابهة كل أزمة مرت بها الدولة المصرية، بحسب طبيعة كل منها، إلا أن ثمة رهانا مشتركا يبقى فاعلا فى كل التحديات السالفة الذكر، وهو وعى المواطن المصرى، والذى تعاملت معه "الجمهورية الجديدة"، باعتباره "رأس الحربة"، فى مواجهة معاركها، في إطار العديد من الخطوات المنسجمة والمتزامنة، مع قراراتها وخطواتها العملية، في إطار ما يمكننا تسميته بـ"معركة" بناء الوعي، والتي تهدف في الأساس إلى التعامل مع المواطن ليس باعتباره "مفعولا به"، وإنما فاعل حقيقي، وشريك للدولة في تحمل المسئولية، من أجل تحقيق المصلحة الوطنية، وبالتالى المساهمة فى الإنجازات التى تتحقق، سواء على المستوى الأمني، أو الاقتصادي، أو حتى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المستجدات التي تطرأ على الواقع، كالوباء، وغيرها.
فلو نظرنا إلى الحرب على الإرهاب، والتي كانت بمثابة المعركة الأولى التي خاضتها "الجمهورية الجديدة"، بعد مولدها مباشرة، نجد أن التعامل معها لم يقتصر على الجانب الأمني، وإنما تزامن معه مبادرات أطلقتها الدولة، حول ضرورة تجديد الخطاب، لدحض الأفكار المتطرفة التى طالما تسابقت جماعات الظلام فى نشرها لتحقيق غاية رئيسية، وهى حشد التعاطف الشعبوى "الناعم"، إلى جانب استقطاب الشباب للمشاركة فى عملياتهم "الصلبة"، في مواجهة "القبضة الأمنية"، والتي كانت السلاح الوحيد للدولة، في مراحل ما قبل 30 يونيو، لتصبح معركة الدولة على الإرهاب ذات مسارين متوازيين، أولهما أمني، يتمثل في استخدام القوة في مواجهة العمليات الإرهابية، وتقويض المخططات الهادفة إلى ترويع الأمنين من المصريين، في العديد من المحافظات والمناطق على أرض مصر، بينما يبقى الجانب الآخر فكريا، عبر خطاب مختلف يدحض الأفكار المتطرفة.
وهنا أدركت "الجمهورية الجديدة" أن الرهان الحقيقي يبقى على المواطن ووعيه، وإدراكه للحقائق، فيما يتعلق بما تنشره تلك الجماعات من أفكار تتعارض تماما مع سماحة الدين وانفتاحه، وذلك عبر - ليس فقط تجديد الخطاب الدينى (فى المساجد) - وإنما امتد إلى إطلاق آلية توعوية فى الإعلام، من خلال التركيز على مسارات متنوعة، منها دحض الأفكار بصورة نظرية عبر علماء وشيوخ أجلاء من جانب، وكذلك تقديم أعمال درامية، فى إطار التوجه الصريح نحو استخدام القوى "الناعمة"، والتى اتسمت بقدرتها الخارقة على كشف مخططات، تبتعد كل البعد عن المزاعم التى تطلقها جماعات الظلام، ناهيك عن الكيفية التي أداروا بها شئون المناطق التي سيطروا عليها، في تعارض صريح مع جوهر الدين، وهو ما يساهم في منع العديد من الشباب من الانضمام إليهم، بالإضافة إلى توجيه إدراك المواطنين إلى حقيقة الهدف من وراء هذه الأفكار، والتي تبتعد تماما عن نصرة الدين، وإنما تحمل في جوهرها أهداف تتعلق بأهداف تخدم في حقيقتها أجنداتهم، وطموحاتهم في السطوة والسيطرة.
ولعل النجاح الكبير الذى حققته أعمال دراما رمضان الأخيرة، على غرار مسلسلي "الاختيار" أو "العائدون"، لم يقتصر في جوهره، على إبراز معالم البطولة لمؤسسات الدولة المصرية، والتي عملت جديا لحماية أرض مصر ومواطنيها، من جماعات الظلام المتربصين، بها في الداخل والخارج، وإنما أيضا امتدت إلى قدرتها الفائقة على كشف المخططات التي تتبناها تلك الجماعات، لتحقيق أهدافها، ناهيك عن عملها لتحقيق أجندات خارجية، لتحقيق أهداف العديد من القوى الإقليمية، والتي تسعى جاهدة للسيطرة والاستحواذ على مقدرات المنطقة، وفي القلب منها الدول العربية.
الأمر نفسه ينطبق على الجانب الاقتصادى، فإلى جانب قرارات الإصلاح الاقتصادى، وما حملته من تداعيات صعبة، إلا أن وعى المواطن كان الرهان الرئيسى فى تلك المعركة، خاصة بعدما كان شاهدا حقيقيا على أحداث الفوضى التى توقفت معها حركة العمل والإنتاج لسنوات فى أعقاب "الربيع العربي"، وما آلت إليه الأمور، دفعت البلد إلى "نفق مظلم" لم يكن من الممكن الخروج منه إلا بإجراءات صعبة لكنها تبقى ضرورية، وهو ما بدا في حرص قيادات الدولة، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، على الحديث الصريح في كل المناسبات، مع المواطنين، وإطلاعهم على حقيقة الأوضاع دون تجميل أو تزيين، وذلك في إطار مبدأ "الشراكة" التي تتبناه الدولة، ليس فقط عبر إجراءات وقرارات صماء، وإنما أيضا عبر الحديث الواضح عن أسبابها وضرورتها، وهو ما يمثل تغييرا كبيرا فى النهج الذى تتبناه الدولة فى التعامل مع مثل هذه القضايا.
ولعل عملية البناء والتنمية كانت محورا آخر لا يقل أهمية فيما يتعلق بالاقتصاد، حيث ساهمت المشروعات العملاقة التى أطلقتها الدولة المصرية، فى السنوات الماضية، على تجاوز العديد من التحديات وعلى رأسها التداعيات الكبيرة للأزمات الدولية الضخمة التى واجهت العالم، وعلى رأسها تفشى وباء كورونا، أو الأزمة الأوكرانية الراهنة، حيث استهدفت هذه المشروعات، فى جوهرها، تحسين حياة الإنسان المصرى، وتحقيق حياة كريمة للمواطنين، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى الطفرة التى شهدتها العديد من المناطق المهمشة، ليس فقط في القاهرة، وإنما الانطلاق إلى العديد من محافظات الصعيد وسيناء، وهي المناطق التي شهدت إهمالا طويل المدى خلال العقود التي سبقت ميلاد "الجمهورية الجديدة".
المشروعات التنموية الضخمة تمثل في ذاتها رسالة توعوية إلى المواطن المصري، مفادها أنه يبقى الهدف الرئيسي من وراء الجهود التي تبذلها الدولة المصرية، والتي ينبغي أن ينظر لها باعتبارها داعم وليس خصم، كما تحاول بعض الجماعات أن تروج، حيث تضع على عاتقها تحقيق مصالحه، كأولوية قصوى.
بينما كان "وعي المواطن" هو الرهان الرئيسي في مجابهة وباء كورونا، حيث ساهمت البرامج التوعوية بضرورة اتباع الإجراءات الاحترازية، والتركيز على ضرورتها بصورة كبيرة في تقليل مدة الإغلاق الكلي، والتوجه المبكر إلى حد كبير نحو التعايش مع الفيروس، مقارنة بدول أخرى، اضطرت إلى الإغلاق لمدد أطول، ما دفع إلى تداعيات كارثية على الاقتصاد، وبالتالي حياة المواطنين في تلك الدول، حيث نجح المواطن المصري أن يكون شريكا للدولة في المسئولية عبر الالتزام، وبالتالي العودة إلى الحياة، بصورة أسرع، ما ساهم فى احتواء التداعيات الناجمة عن الوباء، فيما يتعلق بالاقتصاد بصورة كبيرة، إلى الحد الذي نجحت فيه الدولة في تقديم الحماية للمواطنين، جنبا إلى جنب مع الاستمرار في مشروعاتها دون توقف، وهو ما يعكس وضوح الأهداف التنموية والعمل تذليل كافة التحديات، رغم صعوبتها، من أجل تحقيقها.
وهنا يمكننا القول إن النجاحات المتتالية التي حققتها الدولة المصرية منذ 30 يونيو، اعتمدت بصورة رئيسية على الفوز بدعم المواطنين، وتفعيل "مبدأ الشراكة"، والذى كان بمثابة نقطة انطلاق "الجمهورية الجديدة"، والتي ولدت في الأساس إثر "شراكة" حقيقية بين نداء الملايين من جموع المصريين في الميادين في 30 يونيو من جانب، واستجابة القوات المسلحة لندائهم من جانب أخر، وهو الأمر الذي يعكس حالة من التكامل بين المواطن والدولة، حيث كان وعي المواطن ومعرفته بكافة الحقائق من حوله، بمثابة المدخل الرئيسي ليكون شريكا في المسؤولية، وهو ما بدا في العديد من التحديات التي واجهتها الدولة المصرية، بالإضافة إلى كونه شريكا في الإنجازات.