يوسف أيوب يكتب: أرضيات مشتركة للحوار السياسي
السبت، 30 أبريل 2022 10:00 م
- الدعوة للحوار جاءت بعدما عالجت الدولة جميع القضايا من منظور شامل وأرست مبدأ المواطنة واستكملت المؤسسات التشريعية
- مصر خاضت أكبر معركة ضد الإرهاب وصمدت في مواجهة الأزمات وعبرت من الفوضى إلى الاستقرار
- مصر خاضت أكبر معركة ضد الإرهاب وصمدت في مواجهة الأزمات وعبرت من الفوضى إلى الاستقرار
«الوطن يتسع لنا جميعا.. والاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية».. كانت هذه هي الرسالة التي بعث بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال إفطار الأسرة المصرية، لكل المصريين الثلاثاء الماضى.. رسالة تتوافق مع محددات الجمهورية الجديدة التي دشنها الرئيس، وقوامها الأساسى تحقيق حياة كريمة لكل المصريين، تشمل كافة مناحى الحياة سياسيا واقتصاديا ومجتمعياً.
ومن ضمن القرارات التي اعلنها الرئيس إطلاق حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني، وهو الحوار الذى سبق وأشار إليه الرئيس الخميس قبل الماضى، خلال اللقاء الموسع الذى عقده مع مجموعة من الصحفيين والإعلاميين على هامش جولته التفقدية لمنطقة توشكى، حينما أكد الرئيس السيسى الحاجة إلى حوار سياسي؛ يتناسب مع فكرة بناء أو إطلاق الدولة الجديدة أو الجمهورية الجديدة.
ربما يتسأل البعض لماذا الحديث الآن عن حوار سياسي؟
الإجابة مرتبطة بمجموعة من العوامل والأسس التي دفعت الرئيس لمثل هذا الإعلان، أخذا في الاعتبار حقيقة مهمة، وهى إن هذا الحوار يختلف تماماً عن الصيغ المتعددة للحوارات السياسية المعروفة لدينا في القاموس السياسى.
فالحوار السياسى لدينا مرتبط بأوضاع سياسية مأزومة، أو تقلبات سياسية ناتجة عن صراعات بين تيارات سياسية متبارية وتسعى كل منها للحكم بطريقتها الخاصة، وهو وضع لا ينطبق على مصر، فالدولة مستقرة سياسيا واقتصادياً ومجتمعيا ايضاً، ودلالات هذا الاستقرار كثيرة ومتعددة لا داعى لذكرها لإنها معروفة ومعلومة للجميع.
لذلك فإن الحديث عن الفلسفة أو الهدف الذى يسعى إليه الرئيس من وراء هذا الحوار مهمة لكى نعرف إلى أين نذهب.
الهدف كما هو واضح، إن مصر تتجه منذ سنوات إلى جمهورية جديدة، تأخذ في حسبانها الكثير من المعايير المدنية التي تحفظ للإنسان حقوقه وكرامته، وهو ما ظهر من خلال عدة مشاريع ومبادرات وطنية اطلقها الرئيس على مدار السنوات الماضية، وتستهدف تغيير شكل الدولة المصرية، لكى تكون قادرة على استيعاب كل طاقات وقدرات المصريين، ولعل المثال الأبرز هنا المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» التي تعمل على تغيير شكل الريف المصرى، وبالتبعية تغير حياة والنمط المعيشى لأكثر من 57% من المصريين ممن يسكنون القرى، وظلوا لعقود طويلة عرضة للتهميش، لكنهم اليوم باتوا في صدارة مشهد الاهتمام الرئاسي.
الجمهورية الجديدة التي بشرنا بها الرئيس قبل عامين، تتطلب بالتبعية فلسفة جديدة، ومن هنا جاء الإعلان الرئاسي بالدعوة إلى حوار سياسى، يشترك فيه جميع المصريين، بهدف الاتفاق على المستقبل الذى نريده جميعاً لمصر، وهو أمر محمود لإنه يؤكد الرغبة الرئاسية في إشراك كل المصريين في تحديد مستقبلهم.
واللافت هنا إن مشروع حياة كريمة، كان بداية الطريق لإشراك الشعب في تحديد الخطط المستقبلية، من خلال إدخال شباب وأهالى القرى المستهدفة من المبادرة الرئاسية في تحديد المشروعات المستهدفة لكل قرية، لإنهم الأقدر من غيرهم على تحديد احتياجاتهم.
وحتى تصل مصر إلى فكرة إطلاق الحوار السياسى فقد مرت بمراحل كثيرة، كان ولازال عنوانها الرئيسى هو البناء والتجديد في كل شيء، بداية من 2014 وحتى اليوم، وهى سياسة مستمرين عليها.
هذا الحوار جاء بعدما خاضت الدولة معركة كبيرة اسمها معركة الإصلاح الاقتصادي؛ الذى جعل الدولة أكثر قدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية، خاصة إن الأزمة الاقتصادية التي شهدتها الدولة أعقاب ما حدث في 2011، أدت إلى فقدان مصر جزءا كبيرا من الاحتياطي الأجنبي، ولم يتبقى سوى «الاحتياطي العيني»، وهو ما استدعى وقتها تدخلات سياسية واقتصادية لكبح هذا الانزلاق التي كانت تعيشه الدولة، لكن ذلك لم يحدث، وازداد الوضع سوء، إلى إن جاء الرئيس السيسى في 2016 وأعلن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى راهن خلاله على تحمل المصريين له، وبالفعل نجح البرنامج بفضل جهد المصريين وصلابتهم مما أدى إلى زيادة النمو الاقتصادي.
والتجربة المصرية الناجحة فى الإصلاح الاقتصادى، ساعدتنا فى التعامل الإيجابي المرن مع التحديات العالمية الراهنة، إضافة إلى تطوير إدارة المالية العامة للدولة من خلال التوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة فى تعزيز حوكمة إجراءات المصروفات والإيرادات، وتحقيق الانضباط المالى، ورفع كفاءة الإنفاق العام، عبر الاعتماد على نظام المعلومات المالية الحكومية «GFMIS»، فضلاً على المشروع القومى لتحديث وميكنة منظومتي الضرائب والجمارك الذى يرتكز على التوسع فى الحلول التكنولوجية لتعظيم جهود دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى، والتيسير على مجتمع الأعمال، وتحفيز الاستثمار؛ على نحو يُسهم فى تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية والتنموية، وتوفير المزيد من فرص العمل.
الدعوة للحوار السياسى جاءت بعدما استطاعت مصر إن تقف بمفردها في وجه الإرهاب الذى كان يلقى تمويلاً وتأييدا من إطراف إقليمية ودولية، إرهاباً كان يعتمد على بنية إرهابية وضعت أسسها جماعة الإخوان الإرهابية قبل 2011 بخمس سنوات في سيناء، التي أرادوا لها إن تكون نقطة انطلاق لمشروع الخلافة.
الدعوة للحوار السياسيى جاءت بعد أشهر من الغاء حالة الطوارئ، ففي 25 أكتوبر الماضى أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي إلغاء حالة الطوارئ في البلاد، وقال في تغريدة: «يسعدني أن نتشارك معا تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد، فقد باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هنا فقد قررت ولأول مرة منذ سنوات إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد».
الدعوة للحوار السياسى جاءت بعدما نجحت الدولة في العبور من كل الأزمات التي لاحقت الاقتصاد العالمى، وفى القلب منه الاقتصاد المصرى، سواء بسبب جائحة كورونا إو الأزمة الأوكرانية التي لاتزال تؤثر، لدرجة إن صندوق النقد الدولي أكد في أخر تقرير له أن 143 دولة ستتأثر اقتصاديا جراء الأزمات، لكن بفضل الله، وبالتخطيط السليم من الإدارة المصرية، استطاعت مصر إن تحقق معدلات نمو اقتصادي إيجابية حتى في ظل أزمة كورونا، بلغت ما بين 3.2% و3.8 %، فيما ارتفع النمو مع بداية العام الحالي 2022 إلى 9%، وهذا المعدل جاء مخالفا لما تعرضت له دول العالم، كما أن الدولة المصرية وبالرغم من هذه الأزمة العالمية تمكنت من توفير جميع السلع الأساسية التي يحتاجها المواطنون، حيث حرصت الدولة منذ 2017 على أن يكون احتياطي السلع الأساسية كافيا لمدة 6 أشهر، ولذلك رصدت الموارد المالية اللازمة لتحقيق ذلك الهدف ومجابهة أية تحديات وأزمات محتملة بالسوق المصرية.
الدعوة لهذا الحوار جاءت بعدما استطاعت الدولة إن تعالج جميع القضايا من منظور شامل، عكس ما كان في السابق عندما كانت يتم التركيز على قضايا دون غيرها، وأقرب مثال على ذلك سلاسل التوريد والتخزين التي كانت غير كافية وقاصرة، لكن اليوم الصوامع التي شيدت استوعبت 5ر3 مليون طن قمح.
الدعوة للحوار جاءت بعدما أرست الدولة مبدأ المواطنة وعدم التفرقة بين المصريين على أساس الدين، كما تجاوزت محاولات التفرقة بين المسلم والمسيحي، حيث أن كل ممارسات الدولة خلال الفترة الماضية استهدفت التأكيد على أن الجميع متساو في الحقوق والواجبات ولا يوجد تمييز بين شخص وآخر، مع الحفاظ على الوطن باعتباره المظلة التي تحمي المصريين جميعا، وتزامن ذلك مع التمسك بعقيدة مهمة، وهى أن حرية الرأي والاعتقاد مصانة، أو كما قال الرئيس السيسى في أكثر من مناسبة: «لن أختلف معك في أفكارك.. فكر مثلما شئت واعتنق ما شئت، لكن يجب أن تكون المظلة التي تحمينا جميعا هي أن نحافظ على بلدنا».
الدعوة للحوار السياسى جاءت بعدما استقرت الدولة سياسياً، وبات لدينا مؤسسات تشريعية «مجلسى النواب والشيوخ» ممثل بها كافة التيارات والأحزاب السياسية، وتمارس عملها بكل حرية وشفافية تامة.
هذه الأمور يجب أن تكون واضحة للعيان ونحن نتحدث عن الحوار السياسى.
لكن في المقابل علينا أن نركز على جزئية مهمة، وهى النقاط على سيعمل هذا الحوار على معالجتها، وكلى يقين إن هناك شبه اقتناع بأن تكون القضايا المجتمعية في صدارة المشهد، وتحديداً قضي الزيادة السكانية، خاصة إن العمل على ضرورة ضبط النمو السكاني بات ضرورة مهمة، ليس فقط لكى يشعر المواطنون بتحسن اقتصادي، ولكن أيضاً لإن الجمهورية الجديدة تطلب تقليص الفجوة بين النمو الاقتصادي للدولة والنمو السكاني، وإنه إذا لم نعمل على ضبط النمو السكاني فلن نشعر بأي تحسن سواء كان هذا التحسن اقتصادى أو غيره.