دينا الحسيني تكتب: وثائق "الاختيار 3" تجبر التنظيم على تغيير استراتيجية الجدل
الإثنين، 18 أبريل 2022 10:31 م
معنى أن تُثير الجدل أن تنشر فكرتك الصارخة في الممنوع المرغوب بكل أريحية، قد يستلزم ذلك الخروج على المبادئ والأخلاق وكل شيء، وكان ذلك هو مسلك جماعة الإخوان التي احترفت فن "إثارة الجدل" كطريق مختصر إلى النجومية والظهور على الساحة.
رواج كبير حققه مسلسل "الاختيار3" منذ بدء عرضه مطلع رمضان، مصحوبا بالتفاف شعبي واسع واحتفاء واشادات لا تنتهى على منصات التواصل الاجتماعي، تلك الحالة الإيجابية قابلتها مواقف متوقعة من خصوم الحكاية والدولة والتاريخ القريب، إذ نشطت لجان جماعة الإخوان بشكل منظم لاستهداف طاقم العمل والشكل الدرامي، وليس المحتوى الفاضح لإرهاب الجماعة.
توهمت الجماعة أن وضع "الاختيار 3" محل نقاش واسع بطرق اللجان التقليدية المحفوظة يمكن أن يخصم من حضوره وتأثيره، مرت الأيام والحلقات ولم يحدث ما أراده الإخوان، وتحول الجدل نفسه إلى رعب جديد للتنظيم، لما حواه المسلسل من وثائق وأدلة دامغة على وقائع ارتكبوها، ومخططات روتها تسجيلات نهاية كل حلقة من أفواههم، وباتت نقطة الثقل وأشد عناصر الجذب والتأثير في الحلقات المُعدة بعناية فائقة.
التوثيق هو الأهم، فالروايات محل الجدل تم تفنيدها من واقع التسجيلات، الوقائع تم تأصيلها، وباتت مخاوف الاخوان من التركيز على تصويب وتصحيح الأحداث التاريخية لجيل لم يعش الاحداث، فكان البديل امام الجماعة والتيار القطبي تحديدا هو محاولة التشويش وليس الرد أو إثارة الجدل.
الجماعة بعودتهم للحياة من جديد في بداية السبعينات بخروجهم من السجون في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، سارت على نهج جديد، ألا وهو إثارة الجدل حول أنفسهم، إيجاباً أو حتى سلباً المهم أن يدور هذا الجدل حول الجماعة، في اعتقاد خاطئ منهم أن الجدل كلما ثار حولهم، كلما حققوا مكاسب شعبية أكثر، ومن وجهة نظرهم أن الجدل سيجعل أسمائهم مطروحة دائماً على الساحة السياسية، ومن ثم الاعتراف بتواجدهم ضمن النخب السياسية داخل النظام، فكان الجدل لديهم بمثابة فرصة عظيمة ليروجوا ما يشاءون ما بين مظلومية واضطهاد.
بالعودة إلى الوراء وتحديداً الموسم الرمضاني 2010، كان التنظيم على موعد مع عمل درامي تدور أحداثه عن حسن البنا وعن جماعة الإخوان التي أسسها، وعلى الرغم من سهام الانتقادات التي أطلقها مكتب الارشاد تجاه وحيد حامد مؤلف المسلسل، إلا أن الجماعة وجدت أن المسلسل فرصة لإعادة طرح أفكارها من جديد وفي مقولة شهيرة صرحت قيادات الجماعة: "المسلسل أدخل جماعة الإخوان في كل بيت ".
"الاختيار 3" أغلق منذ بداية عرضه في الموسم الرمضاني الحالي كل أبواب الجدل الفارغة من التوثيق، هذا الجدل الذي كان يعطي الجماعة فرصة للرد ونشر الأكاذيب، ولكن مع "الاختيار 3" تحديدا وثقت الحلقات ما يقولوا وما يفعلوا بالصوت والصورة، فأغلقت عليهم فرصة الجدل، وأوضح للجميع أن الخيانة طبع أصيل في دماء جماعة الإخوان، وأنهم ليسوا على قلب رجل واحد، وليس مثلما يظهروا للناس، فبداخلهم صراعات.
المسلسل أوضح أن هذا الصراع وهذه الانقسامات الداخلية مسألة "دنيا" وليست مسألة "دين"، معنى ذلك أن "الاختيار 3" وضع الصورة الحقيقة لجماعة الإخوان أمام الرأي العام المصري بل والعالمي وهذا ما يمثل القيمة الحقيقة لهذا العمل الوطني، فالجميع بالداخل والخارج قد عاصروا الأحداث التي سردها المسلسل، إلا أن ما كان يتم في الغرف المغلقة بين الجماعة أًصبح متاح في عمل درامي ليري الجميع كيف أن هذه الجماعة شيطانية ولديها نزعة في الوصول للحكم مهما كان الثمن حتى وإن كان إراقة الدماء أو إهانة الدين.
لذلك أن الجدل الأن كابوس للجماعة بخلاف الجدل الذي كانوا يحبونه في الماضي، فبعد أن كان الجدل في الماضي على صلب الموضوعات المثارة بشأن نشأة الجماعة وقادتها، وأهدافها وتوجهاتها، بات مع "الاختيار3" الجدل متمثل في الاسقاط على العمل كدراما، أداء الممثلين، ومشاهد التصوير، في محاولة لإبعاد الأنظار عن القيمة الحقيقة للمسلسل والتي هي التوثيق.