أصوات من السماء.. الشيخ علي محمود «سيد القراء وإمام المنشدين»
السبت، 16 أبريل 2022 11:50 معنتر عبد اللطيف
«كان الشّيخ علي محمود سيّدَ المنشدين على الذكر، والمغنين للموالد والمدائح النبوية، وكأني بهذا الرجل كان يجمع في أوتار صوته كل آلات الطّرب.. فإذا شاء جرى به في نغمة العود أو الكمان، أو شدا به شدو الكروان.. وقد حباه الله ليناً في الصوت، وامتداداً في النَّفَس».. هكذا تحدث الأديب الراحل محمد فهمي عبداللطيف عن «سيد القراء» و«إمام المنشدين».
و الشّيخ علي محمود صاحب موهبة فذّة ومدرسة عريقة في التلاوة والإنشاد، تتلمذ فيها كل من جاءوا بعده من القراء والمنشدين.
وهو الشيخ على محمود أعظم من رفع الآذان بين الشيوخ المعاصرين، حيث كان الآذان وما يتبعه من التسابيح والاستغاثات التي تتلى قبيل صلاة الفجر في الحرم الحسيني وراء امتلاء منطقة الحسين وما حولها يوميًّا للاستماع إليه، وقد بلغ من عظمة الأداء وجمال الصوت وخشوعه ما جعل الشيخ عبد العزيز البشري يصفه بقوله:
هو قارئ القرآن الكريم الذي استمد منه علمه الديني وتذوقه للموسيقى وولعه بها لدرجة جعلته يتعلم علم النغمات والمقامات الموسيقية ويسير في دروبها ليعرف أسرارها من مبدعيه المعروفين آنذاك، وعلى رأسهم الشيخ الجليل «محمد عبد الرحيم المسلوب»؛ الذي عمل على تحرير الموسيقى من قوالبها التركية والعثمانية وصبغها بصبغة مصرية فريدة مثّلت النواة لإبداع مصري ذي نكهة خاصة في عالم الموسيقى؛ ليصبح الشيخ علي محمود صاحب مدرسة فريدة في فن الموشحات.
وُلد الشيخ علي محمود سنة 1878 بحارة درب الحجازي، كفر الزغاري التابع لقسم الجمالية بحي الحسين بالقاهرة، لأسرة فقيرة، وأصيب وهو صغير السن بحادث أودى ببصره كاملاً.
تتلمذ على يديه أشهر النوابغ الذين اكتشفهم، ومنهم الشيخ محمد رفعت الذي استمع إليه الشيخ سنة 1918 وتنبأ له بمستقبل باهر وبكى عندما عرف أنه ضرير، واكتشف أيضاً الشيخ طه الفشني والشيخ كامل يوسف البهتيمي والشيخ محمد الفيومي، وإمام الملحنين الشيخ زكريا أحمد والموسيقار محمد عبدالوهاب، وقد تعلم عليه الكثيرون فنون الموسيقى، ومنهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم وأسمهان.
التحق بالكُتَّاب بمسجد فاطمة أم الغلام بالجمالية، وحفظ القرآن على يد الشيخ أبو هاشم الشبراوي، ، ثم رتله وجوده وأخذ قراءاته على يد الشيخ مبروك حسنين، من علماء القراءات القرآنية.ودرس الفقه على الشيخ عبد القادر المزني، والموسيقى على يد الشيخ إبراهيم المغربي، وعرف ضروب التلحين والعزف وحفظ الموشحات الغنائية، كما درسها أيضاً على شيخ أرباب المغاني محمد عبد الرحيم المسلوب، الأستاذ في علم الموسيقي في القاهرة حين ذاك.
وذاع صيته بعد أن أخذ يتلو القرآن الكريم في المساجد وأصبح قارئاً كبيراً يتلو القرآن في مسجد الحسين، وصار الشيخ أحد أشهر أعلام مصر، قارئاً ومنشداً ومطرباً، وبجانب ذلك، أخذ الشيخ علي محمود علوم الموسيقى الأخرى على يد الشيخ التركي عثمان الموصلي، واستفاد منه في الإطلاع على الموسيقى بكل علومها وقواعدها وأداءها، مما جعله أحد أشهر أعلام مصر قارئاً ومنشداً ومطرباً، وبلغ من عبقريته أنه كان يؤذن للجمعة في الحسين كل أسبوع أذاناً على مقام موسيقي لا يكرره إلا بعد عام، وصار منشد مصر الأول الذي لا يعلى عليه في تطوير وابتكار الأساليب والأنغام والجوابات.
وفي 3 يوليو 1939 جاءت التلاوة الأولى للشيخ على محمود كقارئ معتمد ببرامج الإذاعة المصرية في السابعة وخمس عشرة دقيقة، وتضمنت التلاوة التي جاءت من بداية المصحف «فاتحة الكتاب» والربعين الأول والثاني من سورة «البقرة»، وبلغ زمن تلك التلاوة أربعين دقيقة، واعتمدت الإذاعة منذ ذلك اليوم الشيخ علي محمود قارئاً للقرآن مساء يوم الإثنين من كل أسبوع.
وتوالت القراءات بعد ذلك وبانتظام لم تقطعه مشاركات الشيخ في الاحتفالات الخاصة بالمناسبات الدينية، ومنها حفل أقيم بدار الأوبرا الملكية بالقاهرة في ذكرى عقد قران الملك فاروق والملكة فريدة، وافتتح الشيخ ‹‹علي›› وقائع الحفل بعد عزف السلام الملكي بتلاوة قرآنية بلغ زمنها ربع الساعة، وهو الذي أنشد عقد قران ولي عهد إيران وشقيقة الملك فاروق.
وظهر الشيخ علي محمود بصوته وصورته في بعض الأفلام المصرية القديمة وهو يتلو القرآن الكريم ويؤذن في بعض مشاهدها، كان أولها فيلم "أولاد مصر" عام 1933 من إنتاج وإخراج أحمد المشرقي، بالاشتراك مع فكري كامل وحنان رفعت ودولت محسن وإبراهيم حسنين وغيرهم، وكان يتلو القرآن في أحد المشاهد.
وتكرر الأمر في فيلم "الحل الأخير" عام 1937 للمخرج عبد الفتاح حسن، وبطولة سليمان نجيب وسراج منير وعباس فارس وراقية إبراهيم وأنور وجدي،.
رحل الشيخ علي محمود بعد أن أثرى المكتبة الدّينية والموسيقية بإبداعاته في 21 ديسمبر عام 1946 تاركاً عدداً غير كثير من التسجيلات التي تعد تحفاً فنية رائعة من سور «الأنفال» و«يوسف» و«الكهف» و«مريم» و«الأنبياء» و«القيامة»، وله العديد من الأناشيد والموشحات والأغاني. وغيرهم من الأناشيد والموشحات والأغاني الخاصة بالشيخ علي محمود والموجودة بالاما عن عن أشهر الأناشيد والموشحات والأغاني للشيخ على محمود:
أشرق فيومك ساطع بسام (مقام بياتي)
أدخل على قلبي المسرة والفرح (مقام بياتي)
ته دلالا فأنت أهل لذاكا (مقام هُزام)
خلياني ولوعتي وغرامي (مقام رست)
السعد أقبل (مقام نهاوند)
هتف الطير بتحلال الصبا (مقام حجاز)
أهلاً بغزال (مقام صبا)
أنعم بوصلك (مقام بياتي)
سل يا أخا البدر (مقام عجم)
يا نسيم الصبا (مقام حجاز)
فيا جيرة الشعب اليماني (مقام سيكا)
طلع البدر علينا (مقام هُزام)
شكوت لخاله لما جفاني (مقام بياتي)
وبعض التواشيح الأخرى، بعضها مطبوع على شرائط شركة (صوت القاهرة).
و نعاه محمد الحفني الطرزي باشا، رئيس شرف رابطة القراء وجميع أعضائها، وكتب في نعي الرابطة أن أعضاءها «ينعون بمزيد من الأسف الأستاذ الشيخ علي محمود الرئيس الإداري، الذي اكتسب بدينه وخلقه محبة القلوب، فبفقده فقدت الرابطة بل الأمة المصرية عَلَماً خفاقاً وبلبلاً صداحاً».