مدير المشروع البحثى "تكلفة الإرهاب": مكافحة الإرهاب قضية مرتبطة بجهود وزارات وجهات حكومية عديدة
الإثنين، 11 أبريل 2022 03:46 م
أكد الدكتور جمال عبد الجواد مدير المشروع البحثى "تكلفة الإرهاب"، وعضو الهيئة الاستشارية في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن العناية بقضية التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإرهاب موضوع في غاية الأهمية، نظرًا لوجود تقصير في دراسة هذه الظاهرة، رغم أننا من أكثر البلدان التي تعاني من نتائجها وأثارها.
وقال عبد الجواد خلال الندوة التي أقيمت بوزارة التضامن الاجتماعى بالتعاون مع المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، لتدشين مشروع بحثى غير مسبوق حول "التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإرهاب فى مصر"، أن الإرهاب ظاهرة موجودة في كل العالم، لا يكاد هناك بلد نجت من الإرهاب، لكن أيضًا البلاد الإسلامية هي الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة، حيث إن العدد الأكبر من الضحايا يقع في البلاد الإسلامية، والتكلفة الاقتصادية الأكبر تقع في البلاد الإسلامية، فهذه المجتمعات تدفع ثمن باهظ أكثر من المجتمعات الأخرى، وبالتالي، من الطبيعي والمنطقي أن تكون هذه الظاهرة على أولياتنا البحثية والدراسة، وأن نكون مصدر رئيسي لإنتاج المعرفة المتعلقة بدراسة الإرهاب، أكثر من غيرنا من الأمم الذين بالتأكيد يتأثرون بها لكن بدرجة أقل، لكن للأسف هذا ليس حادثًا، فمنطقتنا ليست المصدر الرئيسي لإنتاج المعرفة العلمية الرصينة المؤسسة على مدارس وعلم الاجتماع، وهذا المشروع يمنحنا فرصة لاستعادة المبادرة وتقديم إسهام وخلق تراكم، نظرًا لوجود تقصير في هذا الملف.
وأكد عبد الجواد أن غياب الجهد الكافي من الباحثين العرب في المجتمعات المسلمة في دراسة هذه الظاهرة، حرمنا من تقديم سرديتنا عن هذه الظاهرة رغم مركزيتها في تطورنا الفكري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، مشيراً إلى أن المشروع البحثى هدفه عرض سرديتنا الخاصة لهذه القضية، سردية مش فقط في إطار المحاكاة الفكرية، إنما في إطار موضعة الإرهاب والتطرف في تطورنا الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي، بشكل عام، خاصة إن هذه الظاهرة تؤثر فينا على جميع المناحي اقتصاديًا.
وشدد عبد الجواد على إن الإرهاب والتطرف يفرض محاذير ويفرض مخاطر تجبرنا على اتخاذ إجراءات تحوطية لتوفير الأمن والأمان، مؤكداً إن الإرهاب بمعني العمل العنيف هو قمة جبل الجليد لظاهرة كبيرة جدًا الجزء الأعظم منها مخفي تحت سطح الماء، وله جذور في المجتمع والثقافة والاقتصاد، وفي اللحظة التي يتورط فيها فرد أو مواطن يشترك في جماعة إرهابية تسبقها خطوات كثيرة جدًا.
وقال عبد الجواد إن "مصر تعاني من الإرهاب منذ عقود طويلة، منذ الأربعينيات عندما حدثت أول الأعمال الإرهابية واستمرت بعد ذلك، بما يشير إلى أن الأمر مستمر معنا لفترة طويلة، وليس علينا أن نتصور أن هناك جهدًا واحدًا سيقدم كل الإجابات أو سيكون كافيًا لتمكينا من التعامل مع هذه الظاهرة الآن ولفترات طويلة في المستقبل. بالعكس، الإرهاب سوف يستمر لفترات طويلة وبالتالي علينا أن تواصل الجهد وتقديم التحليل، وعلينا التعامل مع أي نتيجة نصل إليها في هذا البحث على أنها أفضل نتيجة استطعنا الوصول إليها في هذا الوقت، لكن علينا بذل المزيد من الجهد للوصول إلى فهم افضل، وتجديد المعرفة لأن هذه الظاهرة تتجدد وتغير جلدها وشكلها طوال الوقت".
وأوضح عبد الجواد إن "مكافحة الإرهاب قضية لا تتعلق فقط بالأمن، وإنما بجهود وزارات وجهات حكومية عديد، وليست مصادفة أن يضع التكليف الرئاسي لبحث في يد وزارة التضامن الاجتماعي، نظرًا للأبعاد ليست فقط الأمنية لهذه الظاهرة، وهذا يشمل كل الوزارات المعنية بقضايا التنمية والوعي، فهما العمودان الرئيسيان الذي إذا حدث تقصير بهمها يخلق الإرهاب، والنجاح في الأداء فيها بشكل جيد تساهم في محاصرة الإرهاب والسيطرة عليه".
من جهتها قالت الدكتورة هويدا عدلي، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن فحص التكلفة الاجتماعية للإرهاب كان قائمًا على العمل الميداني في المناطق الأكثر تأثرًا بالإرهاب، ووقع الاختيار على 9 قرى في محافظة المنيا وقنا بواقع 3 قرى في المنيا 6 في قنا، مبينة أن التصورات التي خرجت من المقابلات كانت ذات مؤشر مهم وظواهر لابد من التعامل معها والعلاج سيتخذ وقت لان المشكلة ممتدة. وقام هذا البحث على فحص التصورات الذهنية للمرأة والأقباط لدى الإخوان المسلمين والسلفية، وقابلت مجموعة من القيادات للاطلاع على افكارهم.
وأضافت أن النتائج أظهرت أن الموقف من المرأة وهو منتشر في القرى انها كائن يحتاج الإعالة والاهتمام وأنها ليست كاملة الحقوق، فالحرمان من الميراث أمر طبيعي وانتشار الزواج المبكر، وهو ما يعد ستر للفتاة من وجهة نظرهم، وهو ما يفسر النظر حول حرمان تجاه المرأة فهناك فجوة نوعية تجاه المرأة ككل من تعليم وعمل وصحة وغيره، وأظهرت النتائج أن فكرة العمل خارج البيت غير مقبولة من المجتمع، وهناك تزواج بين الافكار الاجتماعية القديمة والفكر المتشدد لأن جزءًا كبيرًا من هذه التقاليد مازال موجودًا، وهو ما يؤشر على نقطة أزمة التحديث في هذه المجتمعات سواء كانت مادية أو مجتمعية، وبالتالي أصبحت ساحة مفتوحة لانتشار الفكر المتشددة بشكل كبير.
وأوضحت الدكتورة هويدا عدلي أنه فيما يتعلق بالأقباط، هناك من يصور القبطي على أنه ذمي أو أنه صاحب الثروة، ويجب أن يدفع الجزية، وهناك صور أخرى أظهرته على أنه تابع للدولة الصور عن الأقباط كانت حذرة وبها الكثير من الشك، مشيرة إلى أن هذه المقابلات كشفت عن أمرين مهمين لهما أثر على التكلفة الاجتماعية للإرهاب، الأول هو فكرة الأثر السلبي على التماسك الوطني وعدم وجود ثقة بين أفراد المجتمع، والثاني هو إهدار قيم المواطنة والتعامل معهم على أنهم ناقصي الأهلية، وبالتالي هذه تكلفة اجتماعية شديدة الخطورة ولها انعكاسات على المجتمع؛ فمثلا ليس هناك اختلاط بين الفتيات والذكور.
وفيما يتعلق بأسباب التطرف، أوضحت أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن الأدبيات لا تتحدث عن أن هناك علاقة مباشرة بين الإرهاب والفقر، فالكثير من المنخرطين في العمليات الإرهابية من الطبقة الوسطى وذوي تعليم عالٍ، ولكن التهميش الاجتماعي بيئة مواتية لظهور التطرف لتوفر عوامل الجذب بها البيئة الطاردة التي لا يوجد بها فرص اجتماعية أو اقتصادية، فالجماعات تنتهز هذه الفرص لجذب الشباب وتقدم لهم بديل لاشباع حاجات اساسية وبالتالي هذه البيئات حاضنة للفكر الإرهابي، وذكرت أن هناك أربع قضايا في التهميش الاجتماعي، هي البعد المكاني للإرهاب مثلا المقارنة بين شمال سيناء والمنيا يتشابهان في أنهما أكثر المحافظات شهدت عمليات إرهابية وطائفية، المنيا نحو ستة ملايين نسمة، وشمال سيناء 450 ألف نسمة، شمال سيناء المنطقة المأهولة منها 7.24% في المنيا المنطقة المأهولة 7.5% من مساحتها، والباقي مناطق صحراوية وجبلية، وبالتالي الطبيعة القبلية في شمال سيناء والمنيا لها عامل. وكذلك المنيا بها أكبر تجمع مسيحي، وبالتالي البعد المكاني يجب وضعه في الاعتبار عند وضع خطط توزيع مشروعات التنمية واعادة توزيع السكان.
وأفادت الدكتورة هويدا عدلي أنه عندما دشن الرئيس حياة كريمة هدفها تحقيق العدالة المكانية وهو أمر جدير بالاهتمام، ولكن هناك فجوة تنموية مركبة فليس ريف الوجه القبلي هو الأفقر في مصر، لكن هناك فجوة في التعليم والعمل، وهناك مشكلة في الريف لصالح الحضر فهذه الفجوات تعمق الشعور بالتهميش وهو ما يمثل بيئة مواتية لانتشار التطرف. لافتة إلى أنه بمتابعة دور الجمعيات الاهلية نجد أن 43% في التسعينيات كانت تابعة لمساجد أهلية يسيطر عليها السلفيون، ولعبت دورًا في بناء آليات النفوذ، وكان النظام السياسي مبتعد في هذه الفترة.
وأكدت الدكتورة هويدا إن مشروع حياة كريمة مشروع مهم للإصلاح الاجتماعي ولابد من تعزيز الفرص لهذا المشروع وتوزيع الخدمات الأساسية صحة وتعليم وبنية أساسية وغيره،
من جهته أكد الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، وعضو مجلس الشيوخ المصري، إن موضوع تكلفة الإرهاب من الموضوعات الهامة، مشيراً إلى أهمية التفريق بين التكلفة والسبب والنتيجة، وقال "في بعض الأحيان يحدث قدر كبير من الخلط بين السبب والتكلفة والنتيجة، واعتقد أن هذا البحث لابد أن يركز على التكلفة الاقتصادية والاجتماعية، وأنا سوف أركز على الجوانب الاجتماعية لأنها هي التي يحدث بها التداخل بشكل أكبر، حيث إن التكلفة الاقتصادية واضحة، أما في الجوانب الاجتماعية أحيانًا يحدث".
وأضاف زايد "القضية الثانية تتصل بطبيعة المكونات الأساسية، ويُمكن أن تكون الفكرة الأساسية وراء هذا المشروع أن الإرهاب يُعطل التنمية، وهذه حقيقة لأن في هذه الحالة لا تستطيع الدولة الوطنية إكمال مشروعها، وبالتالي يحدث في قضية التنمية الكثير من العقبات التي تعطل هذا المشروع والتي تدفع الدولة إلى إعادة تخصيص ما تنفقه على البشر في خدمات تعليمية وصحية واستثمار ورفع الدخل القومي ورفع معدلات النمو، إلى مجال مكافحة الإرهاب، وبالأخص في التسليح والتدريب أو معالجة الآثار الضارة بالإرهاب. وأنا اعتقد أن هذه نقطة أساسية تسبب البطء الشديد في حركة التنمية في مصر. لكن الامر ليس بهذه العمومية، فهناك موضوعات تتصل بقطاعات معينة من الاقتصاد، ومن الممكن أن يكون لها أثار اجتماعية، فعلى سبيل المثال، عندما يُضرب قطاع السياحة (كانت السياحة مقصد كبير من مقاصد الإرهاب) تحدث أثار اجتماعية خطيرة في معدلات البطالة وتوقف المشروعات عن العمل، مما يؤدي لتعطل الشباب عن العمل، وبالتالي تتأثر أسر كثيرة جدًا بهذا التعطل، فعندما يكون أحد أفراد الأسرة عاطلًا يكون هناك شكل من أشكال القلق والخوف والفزع في هذه الأثر. وبالتالي رغم وضوح الأثر الاقتصادي إلا أن هناك تشبيكات وتوابع اجتماعية مهمة جدًا ويمكن ملاحظتها على الدائرة المرتبطة بهذا الموضوع".
وأوضح زايد أنه إذا تعمقنا في الجوانب الاجتماعية بشكل أكبر، الدكتورة هويدا أشارت لموضوعي الانقسام والعشوائيات. نحن دائمًا نتحدث في علم الاجتماع أن أي شكل من أشكال التهديد – خاصة التهديد الخارجي – يخلص تماسك اجتماعي. وهذه قضية هامة هنا، لذلك إذا تحدثنا عن اللا تماسك أو الخلل الاجتماعي أو الانقسام في موضوع الإرهاب، لابد من الحديث عن نوعية الإرهاب، كون الظاهرة ليست متشابهة، فهناك إرهاب موجه إلى فئات معينة داخل المجتمع ويكون مرتبط بقوى خارجية تساندها قوى داخلية، وهذا كان شكل الإرهاب الذي يعاني منه المجتمع المصري؛ فجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والجماعات الجهادية يكون لهم وجهة معينة تجاه الأقباط، وهذا ما يحدث الانقسام والخلل، لذلك لابد من النظر إلى الأثار الاجتماعية التي ترتبط بنوعية معينة من العمليات الإرهابية.
من جهته قال عبد الفتاح الجبالي، الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي، إن تلك هي المرة الأولى أن يتم دراسة موضوع تكلفة الإرهاب بهذه المنهجية العلمية في مصر، حيث تم الحديث عن الإرهاب منذ عقود إلا أنه لأول مرة يتم محاولة قياس التأثير المباشر على المجتمع والاقتصاد المصري، مشيراً إلى أنه تم التعاون مع الفريق البحثي؛ الدكتورة/ عادلة رجب، نائب وزير السياحة الأسبق، والدكتور/ أحمد عاشور، مستشار وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والدكتور/ أحمد سليمان، الأستاذ بمعهد التخطيط القومي، موضحاً نه في محاولة لقياس التكلفة الاقتصادية للعمليات الإرهابية، تم الاعتماد على المنهجية التي اعتمد عليها معظم بلدان العالم في هذا الشأن. وبناء على هذا، اعتمد الفريق البحثي على منهجية المؤشر الارهاب العالمي الأمريكي، والذي حاول قياس التكلفة الاقتصادية للإرهاب على اقتصادات العالم آخذًا في اعتباره الناتج المحلي الإجمالي فقط.