مدفع صوت: أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد خير نساء الجنة
الأحد، 10 أبريل 2022 11:18 صريهام عاطف
خديجة بنت خويلد بن أسْد القرشيَّة هي أمُّ المؤمنين وأولى زوجات النبيِّ محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأمُّ أولاده، وهي أوَّل من آمن به وصدَّقه عندما أنزل الله وَحيه عليه، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي بشَّره بأنه نبيُّ الأمَّة، كنيتها أمُّ القاسم، وكانت تُلقَّب في الجاهليَّة بالطَّاهرة.
مولد السيدة خديجة ونشأتها
ولدت السيدة خديجة -رضي الله عنها- في مكة سنة ثمانٍ وستينَ قبل الهجرة، وكانت تَكبُر النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بخمسة عشر عاماً ، وقد كانت من أشراف قريشٍ وأكابرهم. كان ثراؤها وثراء آبائها وأجدادها معروفاً في بطون العرب، وكانت ترسل كلَّ عامٍ الرِّجال ممن تأتمنهم على سلامة أموالها وربحها لبلاد الشام فتختار ذوي الخبرة المخلصين في عملهم والمعروفين بنزاهتهم وأمانتهم وعفَّة أنفسهم.
وعندما علمت بصدق حديث محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعِظَم أمانته عرضت عليه أن يخرج في مالها إلى بلاد الشَّام فخرج في تجارتها إلى سوق بصرى بحوران ليتَّجر لها، وعاد غانماً رابحاً، ولفت نظرها ما كان عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- من خُلقٍ قويم، وحياءٍ وأمانة، فمالت نفسها إليه، ورغبت أن يكون زوجاً لها.
وقد تزوجت أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- قبل زواجها بالنبي -عليه الصلاة والسلام- مرّتين، ولها من زوجيها أربعة وقد امتنعت خديجة -رضي الله عنها- عن استقبال الراغبيين بالزواج بها بعد وفاة زوجها الثاني، ورفضت جميع من تقدّم لخِطبتها، من أشراف قريش حتي أكرمها الله -عزّ وجلّ- بالزواج من مُحمدٍ -عليه الصلاة والسلام-، وكانت قد انشغلت بالتجارة، وتنمية أموالها؛ بأن تستأجر الرجال ليخرجوا عاملين بأموالها، وقد اشتُهر قومها بالتجارة إلى بلاد الشام واليمن صيفاً شتاءً، وقد وصفهم الله -تعالى- بقوله: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ).
أم المؤمنين
قصة زواج السيدة خديجة من النبي
تزوَّج النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- خديجة -رضي الله عنها- قبل نزول الوحي عليه بخمسة عشرة سنةٍ تقريبا، وكانت خديجة تكبر النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بخمسة عشر سنة؛ حيث كان عمره حين تزوجها خمساً وعشرين سنة بينما كان عمرها أربعين. وزوَّجها منه عمُّها عمرو بن أسد، فقال حين خطبها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة بنت خويلد، هذا الفحل لا يُقدَع أنفه".
وكانت خديجة قد سمعت عن رسول الله كرم أخلاقه وصدق حديثه وأمانته فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجراً إلى الشَّام على أن تعطيه ضعف ما تعطي غيره من التُّجار، فقبل -صلَّى الله عليه وسلَّم- وخرج مع غلامٍ لخديجة اسمه ميسرة إلى الشّام حتى استظلَّا تحت شجرةٍ قريبةٍ من صومعة راهب من الرهبان، فأتى الرَّاهب ميسرة فسأله عن هذا الرجل وعلم أنه من قريش، فقال: "ما نزل تحت هذه الشجرة قطُّ إلا نبيّ"، ثم باع سلعته وربح ضعف ما كانوا يربحون، وحدَّث ميسرة خديجة -رضي الله عنها- بأمر الراهب وأخبرها بما ربحوا في تجارتهم فسُرَّت بذلك وأرسلت إلى النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقالت له: "إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك"، ثم عرضت عليه نفسها، فلما قبل -صلَّى الله عليه وسلَّم- كلَّم أعمامه أبا طالبٍ وحمزة والعبَّاس فذهبوا إلى عمِّ خديجة فخطبوها إليه فتزوجها -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأنجبت خديجة -رضي الله عنها- زينب كبرى بنات النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ثم رقيَّة، ثم أمّ كلثوم، ثم فاطمة الزَّهراء، وولدت له من الأولاد القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبد الله الذي كان يُلَقَّب بالطَّيِّب والطَّاهر، وقد ماتا صغاراً .
وقد كان جميع أولاد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من خديجة إلا ولده إبراهيم فهو من جاريته مارية.
السيدة خديجة ونزول الوحي
كانت السيدة خديجة أول من لجأ إليها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعدما نزل عليه جبريل أول مرَّة مختلياً بغار حراء، فلجأ إليها خائفاً وقائلاً: زملوني، فزملته وطمأنته حتى ذهب عنه الرَّوع، وأخبرها بما جرى معه وكيف خشي على نفسه فما كان منها إلا أن تقول: (كَلّا أبْشِرْ، فَواللَّهِ، لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، واللَّهِ، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ).
ثم انطلقت به إلى ابن عمِّها ورقة بن نوفل الذي كان يقرأ التوراة والإنجيل، فبشَّره بالنبوَّة.
وكانت السيدة خديجة أول من أسلم من النساء وأول من آمنت من النَّاس وصدَّقت بما أُنزل على محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، كما كان لها دور كبير في تثبيتها للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وتبشيرها له، والوقوف بجانبه والتخفيف عنه حين يصدُّه الناس ويكذبونه، فكانت فرجاً من الله للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وسكناً له.
خير نساء الجنة
السيدة خديجة -رضي الله عنها-خير نساء الجنة، كما أنها واحدةٌ من النساء الأربع (مريم بنت عمران، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد) اللواتي بوَّأهُنَّ الله بأرفع المنازل ، وقد إرسال الله السلام إليها مع جبريل -عليه السلام- وأمره نبيَّه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصبٍ لا صخبٌ فيه ولا نصب، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنّ النبي -عليه السلام- قال: (أَتَى جِبْرِيلُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ: هذِه خَدِيجَةُ قدْ أتَتْ معهَا إنَاءٌ فيه إدَامٌ، أوْ طَعَامٌ أوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هي أتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِن رَبِّهَا ومِنِّي وبَشِّرْهَا ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ، ولَا نَصَبَ).
لم يتزوج عليها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى ماتت؛ لأنها أغنته عن غيرها، وهذه الفضيلة انفردت بها السيدة خديجة عن سائر أمهات المؤمنين.
خديجة الكبري
حبُّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لها رزقٌ رزقه الله إياه وفضيلةٌ حاصلة، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنِّي رُزِقْتُ حُبَّها فتربّعت خديجة -رضي الله عنها- في قلب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فكانت من أحبّ نسائه إليه، فوقعت الغِيرة منها في قلب عائشة -رضي الله عنها- على الرغم من أنّها متوفيةٌ، وفي ذلك روى الإمام مسلم في صحيحه: (ما غِرْتُ علَى نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إلَّا علَى خَدِيجَةَ وإنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قالَتْ: وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فيَقولُ: أَرْسِلُوا بهَا إلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ قالَتْ: فأغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلتُ: خَدِيجَةَ، فَقالَ: رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا).
ومن صور وفاء النبي -عليه الصلاة والسلام - لأمّ المؤمنين خديجة، أنّه كان كثير الذكر لها، وذكر مواقفها في شدّته، والثناء عليها، ومدحها بعد وفاتها أمام زوجاته، وفي ذلك تروي عائشة -رضي الله عنها-: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذكَرَ خَديجةَ أَثْنى عليها، فأحسَنَ الثناءَ، قالت: فغِرْتُ يومًا، فقُلْتُ: ما أكثرَ ما تذكُرُها حَمراءَ الشِّدْقِ، قد أبدَلَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها خَيرًا منها، قال: ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ
وفاة خديجة بنت خويلد
توفّيت السيدة خديجة في السنة العاشرة من البعثة، بعد المقاطعة التي كانت لبني هاشم، وكانت قد بلغت من العمر حينها خمساً وستين سنةً، ودُفنت في مقبرة الحُجون، وقد دفنها الرسول، إلّا أنّه لم يصلِ عليها؛ إذ لم تكن صلاة الجنازة مشروعةً، وكان ذلك بعد وفاة عمّ الرسول أبي طالب بمدةٍ قصيرةٍ، فذكر الحاكم أنّها توفيت بعده بثلاثة أيامٍ، وقيل بشهرين وخمسة أيامٍ كما نقل ابن الجوزي، وسمّي ذلك العام بعام الحزن؛ لما كان فيه من تتابع الأحزان على النبي؛ بموت عمّه ثمّ زوجته.
خديجة أم المؤمنين