صلاح سبب شفائي ( الحلقة الأولى)
الثلاثاء، 05 أبريل 2022 09:42 ص
14 سنة كانت عمر إدمانه، البداية كحب استطلاع بتدخين سيجارة كتقليد للرجال الكبار، وكان من الكبار الذين يتعاطون مخدرات والده صاحب القهوة في منطقة المطرية، وبالتدريج بدأ يدخل مادة الحشيش في السجائر، وهذا كان يمثل له الرجولة وقتها خاصةً أنه كان يعمل بداخل القهوة مع والده، بجانب التعليم حتى حصل على شهادة الدبلوم بعد الإعادة أكثر من سنة.
حكى "وائل.س" العمر 42 سنة متزوج ولديه ولدين وبنت، وأكبر أولاده 16 سنة وأصغرهم 7 سنوات، أن البيئة التي نشأ فيها وخلافات والديه المستمرة كانت السبب في تعاطيه المواد المخدرة، مع زيادة عدد أخواته وعدم تعليم والديه، وعندما عرف والده بتعاطيه لم يمنعه وكأنه شيئاً طبيعياً، حتى وصل إلى أنه يخلط مواد عديدة مخدرة وكيماوية وتزوج في عمر 25 عاماً ورزق بابنه الكبير.
وفي عمر 30 سنة أصبح لديه اعتمادية على المخدرات فلا يستطيع أن يعمل ويتحرك ويتحدث مع من حوله إلا بعد تناول المادة المخدرة التى زادت بمرور الوقت بمواد عن طريق الأبر والهيروين وجميع الأنواع التي تخطر على البال، حتى تم إصابته بفيروس"سي"، وبدأ في خسارة كل شئ، وبداخله انكار شديد إنه يحتاج إلى علاج، وأن فكرة الشفاء غير موجودة وأنه ليس مدمن ويمكن أن يمتنع عن تناول المواد المخدرة في أي وقتاً.
لكن في حقيقة الأمر وائل كان لا يستطيع التوقف عن المواد المخدرة، وكان بيقنع زوجته بأشياء هو نفسه غير مقتنع بها، وغير واعي بخطورة ذلك على بيته وأولاده، وكان يقابله مواقف صعبة منها مرض ابنه، لكنه غير مدرك أن علاجه أهم من شراء المواد المخدرة، وكانت حياته كلها للمخدرات حتى لو بيته خاوي من الأطعمة، ومشاكل عديدة حدثت ووقفت على الطلاق بينه وبين زوجته، أدت إلى الانتقال من شقة إلى أخرى من ايجار قديم لإيجار جديد حتى يحصل على مال مع بهدلة عفشه وتكسيره.
يستكمل "وائل" قائلاً:" كنت مرفوض من كل الناس ولا يريدون التعامل معي، ووصل الحال بي أني سرقت ونصبت لأخذ مال من كل الناس المحيطين"، لم يسجل في قضية لكن كان يمكن القبض عليه ويتم خرجه من القسم بعد إجراء قانوني والتعرض للإهانة والبهدلة بسبب وجود مادة مخدرة معه، وفي كل هذه المواقف كان لديه النية بالامتناع عن التعاطي والإدمان لكن كان ينقصه القرار.
كان هناك موقفين حتى يأخذ "وائل " القرار ولم يستطيع نسيانهما الأول عندما ترك أحد أدواته التي يستخدمها في الإدمان داخل الحمام ودخل ابنه الكبير 12 سنة وقتها ووجدها وواجه إنه دائماً يُكذب والدته ويؤكد أنه لم يتناول الهيروين، وقتها خذل أمامه ولم يستطيع النطق بكلمةً واحدةً، وحزن حزناً شديداً، وبعدها بفترة قليلة كان هناك مكتب تقسيم أراضي ومقاولات داخل منطقته قام بفتحه وأخذ منه كل شيئاً، ولم يدرك أن المكان به كاميرات وسجل دخوله وخروجه وكل حركاته، وهذا الموقف وضع والده في موقف محرج من أصحاب المنطقة عندما شاهد "وائل" في الشاشة وتم الحكم عليه بدفع كل ما أخذه وائل والتصالح بشكل ودي.
وكان هذا وقت أخذ القرار وتنفيذه عندما شاهد إعلان اللاعب "محمد صلاح" أنت أقوى من المخدرات، وساعدته زوجته بالاتصال بالخط الساخن(16023)، وجلس حوالي 5 أيام يواجه أعراض الانسحاب في المنزل لكن لديه حركة صعبة ولا يستطيع النزول بالرغم من تشجيع زوجته التي وقفت بجواره، وكان سمع عن مستشفى المطار أحد المستشفيات الحكومية التابعة لصندوق مكافحة المخدرات، بالفعل نزل وتوجه لها في اليوم السادس، ذهب بشكل غير مهندم وليس معه حتى القليل لركوب مواصلات، لكنه وصل مع زوجته وعجبه حسن الاستقبال والتشجيع والتأكيد أن الاستشفاء يحدث.
وشاهد "وائل" نماذج بالفعل تم شفائها ونماذج أخرى تنتظر الشفاء، وتقابل مع شخص يدعى" عبدالحميد" شخص متعافي من الادمان بدأ يطمئنه ويتحدث معه ويشجعه حتى زاد اقتناعه، وكانت أصعب فترة هي فترة الانتظار قبل الحجز والتي يواجه فيها كل أشكال الامتناع ويحجز نفسه في المنزل ووالده يتولى أمره وأمر أسرته من مآكل ومشرب وإيجار وكل التزاماته خلال الـ 3 شهور، يأخذ العلاج وينتظر وقت الحجز دون الضعف لأي مادة مخدرة، لوجود متابعة أسبوعية يتم تحليل دمه فيها قبل الحجز الفعلي ويواجه أعراض الانسحاب من تعب وعرق شديد على أمل أنه سوف يشفى.
تم الاحتجاز داخل المستشفى في 30 ديسمبر 2017 وخرج في مارس 2018، 90 يوماً بهم اجازات كل 30 يوماً مرة والرجوع مرةً أخرى، وكان من ضمن المرات لدى "وائل" التفكير في عدم الرجوع للمستشفى لوجود صعوبة وشعوره أنه بعيد عن أسرته وأولاده ويحمل هم التعامل بعد الخروج، مع الخوف للعودة للمواد المخدرة، خاصةً أن الكثير فشل في الشفاء بسبب عدم الاستمرار، وكان يقابل منتكسين امتنعوا ورجعوا، فكان يحرص على معرفة السبب ويخزنه في عقله حتى عرف كل الأخطاء وتجنبها بعد الخروج.
كل المواقف كانت تجبره على الاستمرار لعدم العودة للدمار من جديد، ووالده يتولى أيضاً أمر أسرته واحتياجاته داخل المستشفى، لكن بعد الشفاء كان تفكيره كيف يبتعد عن جو المقهى التي يعمل بها مع والده؟، حتى استشار طبيب لديه من ضمن المعالجين ونصحه بالعمل في "كافيهات" بعيدة.
وبالفعل بحث وائل عن عمل في كافية بعيد وعمل فيه لمدة 3 سنوات وداخله تفكير الابتعاد عن جو المقاهي والكافيهات بشكل عام، وبدأ يبحث عن شغل أخر حتى وجد منذ سنة وعمل في شركة اسانسيرات أمين مخازن، والتي تعتبر مواجهة صعبة جداً بالنسبة له والخوف ليضعف أمام ما تحتويه هذه المخازن، لكنه يعتبر أن ربنا يختبره بوجوده في هذا المكان، وكل شيئاً تحت عهدته بالآلاف، لكن سرعان ما يذكر حاله ويوجه نفسه "أن كل شئ لا يمكن أن ينهدم".
وبجوار ذلك قام بعمل مشروع خاص وزاد رزقه بكثير عن الأول، ويتصف داخل شغله الحالي أنه الرجل الأمين المحترم وهذا أهم ما حدث بعد الشفاء والوضع على الطريق الصحيح، بفضل زوجته ووالده، وبالأخص زوجته التي كانت تلازمه وتحضر معه لتتعلم كيفية التعامل معه بعد الشفاء وأصبح لديها الوعي الكافي وتشاركه بحل المشاكل قبل حدوثها، مع حرص "وائل"على المتابعة يوماً كل أسبوع مع المجموعة العلاجية والتفريغ لكل الشحنات السلبية خلال هذه الجلسة العلاجية مع زملائه المتعافين.
وختم "وائل" حكايته أنه نموذج عملي لكل الشباب المدمنين، وشدد عليهم عدم التفكير في صعوبة التوقف عن الإدمان والمخدرات، لإن هذا يأخر خطواتهم، وأن المخدرات لم تحل أي مشكلة بل تزيدها وهي أرض الهروب من المسئولية، قائلاً:" ولو راجل قف وكمل بدون مخدرات"، وأخر المخدرات الموت، وأن الشفاء هو الحل ويجعلك أفضل من أشخاص عاديين.
قصة " وائل" تعلمنا أن هناك كثيرين مظلومين بسب نشأتهم الخاطئة، وأن بمجرد مد يد العون لهم يتغيرون، لكن يجهلون الطريق الصحيح، وتحويل الحياة من نقمة إلى نعمة، ومن نعم بطل القصة زوجته التي جاوراته حتى الشفاء و هناك زوجات يطلبن الطلاق من الوهلة الأولى، الإرادة والإصرار هي نقطة التحول في التغيير وأخذ موقف، هذا النموذج يتبعه نماذج أخرى في الحلقات الأسبوعية القادمة بها رسالة لكل من أخطأ في حق نفسه قبل حق من حوله فحواها "الطريق سهل والتجربة ليست صعبة وكل ما تحتاجه عدم التراجع أو الضعف".