د. أسامة فخري الجندي يكتب:

شهر رمضان استثمار في الدنيا ونيل أَعظم الأرباح في الآخرة

الأحد، 03 أبريل 2022 12:29 م
شهر رمضان استثمار في الدنيا ونيل أَعظم الأرباح في الآخرة

فإذا أرَدْتَ أن تنالَ النَّظَرَ الإِلَهِيَّ، والرَّحْمَةَ، والرِّضَا، والحَفَاوَةَ، والكَرَامَةَ، والعَطَايَا، والمَغْفِرَةَ، فَعَلَيْكَ أَن تُحَقِّقَ ذَلِكَ فِي الوُجُودِ عَمَلًا وَإِقْبَالًا وَطَلَبًا لَهَا، لا سِيّمَا في مَوَاسم الخَيْرِ
إننا إذا افترضنا أن إنسانًا يريدُ أن يُقِيمَ بناء (((دون خريطة بناء))) فسنجِدُه يَبني حائطًا هنا وحائطًا هناك ... وهكذا، ثم نَجِدُه يضَعُ سَقْفًا على ما قَام بِبِنَائِه... ثم بَدَا له بعد ذلك أنه يريدُ عَمَلَ نافذةٍ في أحد جوانب هذه الحوائط .. ماذا سيفعل؟؟؟؟ 
ستجده يُخَرِّبُ في بنائه ليصنع النافذة ... ثم بَدَا له بعد ذلك أن يصنعَ أمرًا آخر في أحد جوانب الحوائط ... فستجده أيضًا يُخَرِّبُ في بنائه .... وهكذا فكلما بَدَا له أمرٌ جديد فإنه لكي يقومَ به سيُخَرِّبُ في بنائِه حتى يصلَ الأمرُ إلى عدمِ الاعتدال وعدم الاستقامة، ويصابُ البناءُ بالخَلَلِ والفساد؛ مما يؤدي إلى سُرْعَة هدمه ونَقْضِه وعدم الاستفادة منه .
معنى ذلك أن أيَّ بناءٍ حتى يكونَ بناءً مستقيمًا معتدلًا ليس به عَطَبٌ ولا إفْسَادٌ ولا خَلَلٌ، وحتى يَعِيشَ فترةً زمنيَّةً طويلةً على قدر متَانَتِه ورَصَانَتِه وقُوَّتِه، وحتى تستشرفَ به مستقبلًا يعود عليك بالخير والنفع والراحة والسعادة والرِّضا .... لا بد وأن يسبِقَه (((خريطة البناء ))).وليس هناك ما هو أفضل من البِنَاءِ الأُخْرَوِيِّ واستحضار اللّحظة النهائية التي سيقف فيها كلُّ إنسان منَّا أمام ربّه سبحانه وتعالى، الأمر الذي يجب معه أن تكونَ هناك خريطةُ بناء للاستثمار في الدنيا ونَيْلِ أعظم الأرباح في الآخرة؛ لأنها تكون من الله (عز وجل)، وهذا يتحقق بحُسْن ضيافة الأعمار والأنفاس، فالعاقل الفَطِن هو الذي يُدرك قيمةَ وقَدْرَ الأيامِ والليالي التي تمر عليه، ومن حسن تصرف الإنسان أن يُدْرِكَ أنه عبارةٌ عن زمن، وأن رأسَ مالِه هو زَمَنُه وحَيَاتُه وأَنفَاسُه، فينبغي أن يُنفِقَ أنفاسَه التي هي رأسُ مالِه فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، وليعلم أنَّ عُمرَه ضَيْفٌ عليه، فَلْيُحْسِن في ضِيَافَتِه. 
• فعلى قدر كرامة الضيف، على قدر ما يكون الإكرام له. 
• وعلى قدر مكانة الضيف ومنزلته، على قدر ما تكون الضيافة له. 
• وعلى قدر سُمُوّ ومَعَزّة الضيف، على قدر ما يكون الحرص عليه.
• فهل هناك ما هو أعزّ وأكرم على الإنسان من حياته ؟؟؟ من عمره ؟؟؟ من أنفاسه ؟؟
إذن فليحسن الإنسان ضيافةَ عمرِه بالحرص عليه وتوجيهه لكلِّ ما يُرْضِي الله (عز وجل)؛ حتى ينصرف العُمر وهو يثني على صاحبه لا يذمه، يقول الحسن البصري (رحمه الله ) : (نَهَارُك ضَيْفُك فَأَحْسِنْ إلَيْهِ فَإِنَّك إنْ أَحْسَنْت إلَيْهِ ارْتَحَلَ بِحَمْدِك، وَإِنْ أَسَأْت إلَيْهِ ارْتَحَلَ بِذَمِّك، وَكَذَلِكَ لَيْلُك) ( ) .
وليستحضر كلُّ إنسانٍ مِنَّا دَوَائِرَ ثلاثة (الأمس واليوم والغد)، فأما الأمس فقد مرّ وذهب بما فيه ... وأما الغد فقد لا يدركه الإنسان منا ... وأما اليوم فهو لَك .. فاعمل فيه وأحسن ضيافته ( ). فهي تجارة رابحة لمن أراد أن يجعل عمره استثماريًّا لا استهلاكيًّا . فاغتنموا أعمَارََكم بمزيد توجيهٍ للقلوب وللأنفاس لكل ما يُقرّبنا من الله (عز وجل) ويورثنا الرِّضا، الذي يكون طريقَنا إلى نيلِ أعظم نعيم في الجنة، وهو لذّة النَّظَر إلى وجهه الكريم إن شاء الله. 
وإذا كنا في هذا الزمان الشريف (شهر رمضان)، فإنَّ من أوجب الواجبات ألا تَغِب عَنَّا لحظة منه؛ لما أودع الله فيه من الإكرامِ والرَّحْمَةِ والمَغْفِرَةِ والرِّضْوَان والعِتْقِ مِن النَّيرَان، وأن نستثمرَه خيرَ استثمارٍ وأفْضَله، بالإقبال على الله (عز وجل) بأنواع الطاعات والعبادات المختلفة؛ لنكون أهًلا لأن نَنَالَ الخَيْرَ الوّفِيرَ الذي أعدّه الله (عز وجل) فيه لعباده المُقْبلين عليه ، والمستثمرين لفضله، والراغبين في عطائه .

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة