بوصلة ليبيا تتجه إلى القاهرة
الأحد، 03 أبريل 2022 01:00 ص
جهود واسعة تبذلها مصر لإعادة الاشقاء الليبيين إلى خط الاستقرار.. ورئيس المجلس الرئاسي الليبي يثمن دور القاهرة وجهودها الحثيثة لاستعادة الأمن
جهود واسعة تبذلها مصر في الفترة الأخيرة، من أجل إعادة ليبيا على خط الاستقرار، بعد أن وصلت الأزمة إلى طريق مسدود بتجدد الخلاف بين الأطراف الليبية المختلفة والتخوف من اللجوء للعنف وعودة الصراع العسكري لبلد يعتبر الحفاظ على هدوءه واستقراره أمن قومي مصري.
وتتحرك مصر وفق مبادئ ثابتة، أهمها الحفاظ على وحدة ليبيا، ورفض أي تدخل خارجي في شأنها والمطالبة بسحب المرتزقة والقوات الأجنبية، والسعي نحو تقارب وجهات النظر بين الأطراف الليبية لتفويت الفرصة على الطامعين في سرقة موارد الشعب الليبي.
ولم تتوقف مصر للحظة عن تقديم كل ما في وسعها من أجل حل الأزمة الليبية بشكل سريع، آخرها استضافة الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس المجلس الرئاسى الليبي محمد المنفي الأسبوع الماضي في القاهرة لبحث تطورات الوضع في ليبيا، وأكد الرئيس السيسي دعم مصر لكل ما من شأنه تحقيق المصلحة العليا لليبيا، والحفاظ على وحدة أراضيها وتفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي، في إطار المبدأ المصري الثابت الداعم لاضطلاع مؤسسات الدولة الليبية بمسؤولياتها ودورها وصولاً إلى عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا، وإنهاء المرحلة الانتقالية، وبما يتيح للشعب الليبي المجال لتقرير مصيره واختيار قياداته وممثليه.
ولم يخف على أحد في الإقليم، وداخل ليبيا حجم الدور المصري المبذول لاستعادة عافية الدولة المجاورة، وهذا ما أكده رئيس المجلس الرئاسي الليبي خلال لقاءه بالرئيس السيسي مثمناً الدور المصري الحيوي وجهودها الحثيثة والصادقة لاستعادة الأمن والاستقرار في ليبيا من خلال دعم جهود المصالحة الوطنية الشاملة بين الليبيين، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة، فضلاً عن دعم تنفيذ مختلف المخرجات الأممية والدولية بشأن خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، بما يحفظ لليبيا وحدتها وأمنها وسيادتها.
وفي تفاصيل اللقاء، ناقش السيسي والمنفي مجمل المشهد السياسي الداخلي الحالي في ليبيا، حيث تم التوافق على تكثيف التشاور والتنسيق بين الجانبين خلال الفترة المقبلة لمتابعة مستجدات العملية السياسية والإجراءات الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية، مع التأكيد على خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، فضلاً عن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متزامن، بما يساعد على استعادة استقرار ليبيا، وتمكين الشعب الليبي من السيطرة الكاملة على مقدراته وسيادته.
وتمر ليبيا بحالة من الاستقطاب السياسي خلال الفترة الأخيرة، في أعقاب تكليف مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، في وقت ترفض فيه حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد دبيبة تسليم السلطة.
وقدمت الأمم المتحدة عبر مستشارة الأمين العام في ليبيا ستيفاني وليامز مبادرة لتشكيل لجنة مكونة من مجلس النواب الليبي ومجلس الدولة الاستشاري، للتوافق بينهما لإنشاء قاعدة دستورية تقام على أساسها الانتخابات، ولكنها تعثرت في جمع المجلسين على طاولة الاجتماعات مرة أخرى، حيث لم يتجاوب البرلمان الليبي مع الدعوة الأممية معتبرها تجاوز للاتفاق الذي تم مؤخراً وأنتج حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا.
ودفع هذا التأزم، القاهرة إلى التحرك سريعاً قبل أن تشتعل الأزمة الليبية وتنتقل إلى مربع الاقتتال مرة أخرى، وهذا ما أكدته مصر من خلال وزير الخارجية سامح شكري قائلا: "إن مصر تتواصل مع كل الأطراف لإذكاء التفاهم والتوافق والتوصل لحلول سياسية، بعيدًا عن الصراع العسكري، وتعزيز المؤسسات الشرعية المسؤولة، المجلس الرئاسي أو مجلس النواب، وفقًا للقوانين وصلاحية مجلس النواب، في تحديد شخص رئيس الوزراء وتمكينه من الاضطلاع بمسؤوليته في رعاية الشعب الليبي".
وذكر شكرى أن "مصر تؤيد الانتفال السلس السلمي للسلطة، تنفيذًا لقرار مجلس النواب، ومراعاة الحاجة للتفاهم بين المؤسسات الليبية والأطياف السياسية"، مؤكدا أن مصر توفر على أرضها ساحة للتفاهم وتقريب وجهات النظر، ومستمرة في ذلك مراعاة لحقوق ومصلحة الشعب الليبي الشقيق، مشددا على أن موقف مصر ثابت بشأن دعم المسار السياسي الليبي ووحدة واستقرار وسيادة ليبيا، إضافة إلى عدم التدخل في الشؤون الليبية، وضرورة الالتزام بالفترة الانتقالية، لافتا إلى أن مصر تؤكد على أهمية الالتزام بمقررات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن وبيان برلين 1 و2 وباريس؛ من ضرورة الوصول إلى انتخابات حرة، وخروج القوات الأجنبية والتعامل مع المرتزقة والميليشيات.
وبالنظر لمحطات الدعم المصري للشعب الليبي، ترى القاهرة أن الانتخابات هي الحل الأمثل لإعادة السيادة لهذه الدولة الحدودية، لذا تعمل بكل جهد لإنجاح هذا الاستحقاق، عبر التأكيد على ضرورة الالتزام بالفترة الانتقالية، تنفيذًا لقرار مجلس النواب للتحضير لانتخابات حرة ونزيهة.
وكان 76 عضواً بمجلس النواب الليبي أصدروا الثلاثاء الماضي، بيان مشترك بشأن المسار الدستوري والانتخابات، ومبادرة مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، وأكد النواب رفضهم مناقشة تشكيل أي لجان خارج إطار التعديل الدستوري الثاني عشر الذي تم إقراره معتبرين أن أي حوار آخر يجرى خارج هذا الإطار هو حوار غير دستوري، وأعلنوا رفضهم الدخول في أي حوار قبل أن يتم احترام سيادة القرار الوطني التوافقي ويتم استلام الحكومة الشرعية لمهامها داخل العاصمة طرابلس وبسط نفوذها على كامل البلاد، كما طالبوا بضرورة التزام البعثة الأممية بدورها الداعم للعملية السياسية واحترام ودعم أي اتفاق ليبي ليبي يتم التوصل إليه، وأكدوا تعهد مجلس النواب والتزامه التام بإجراء الانتخابات في موعدها والقيام بكل ما هو مطلوب منه في سبيل انجاز ذلك دون تأخير، مشددين على ضرورة الالتزام بقرارات مجلس النواب بشان اعتماد خارطة الطريق والتعديل الدستوري الثاني عشر وتكليف حكومة جديدة، حيث إن خارطة الطريق قد أخذت في الاعتبار معالجة أهم الملفات التي لن يكون ممكنا أجراء أي انتخابات قبل انجازها وعلى رأسها المصالحة والأمن والدستور وقد اتفق المجلس على كيفية معالجتها وسبل دعمها.
وتحضر مصر بصورة فاعلة في الملف الليبي، خلال السنوات الماضية استنادا إلى الروابط الجغرافية وما يربط ليبيا بمصر من حدود لا تقل عن 1200 كيلو متر، لذلك استخدمت كل قوتها لتكون راعي للسلام بين الليبين وبشهادة عدد من المسئولين في ليبيا كان لها دورًا فاعلًا في إجراء عدد من المفاوضات والمباحثات بالقاهرة التي جمعت بين جيمع الأطراف الليبية لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية ودمج المؤسسات الاقتصادية.
ورغم ما شهدته ليبيا من تعقيدات سياسية وعسكرية، جعلت من الأزمة تحديا رئيسيا لمصر في تعاملها مع قضايا الأمن القومي، حيث انتشر في ليبيا السلاح وسيطرت مجموعات متشددة على صنع القرار، إلا أن القاهرة نجحت في وضع خطوط أدت إلى إعادة ترتيب الملف الليبي.
وتدعو مصر منذ اندلاع الأزمة الليبية، إلى ضرورة المقاربة الشاملة من خلال التعاطي مع جميع أبعادها السياسية غير مكتفية بالبعد الأمني والعسكري، منادية بوضوح بتسوية بعيدة عن التدخلات الأجنبية الهادفة إلى الهيمنة على مقدّرات الشعب الليبي، من هنا تحركت القاهرة منذ بداية العام قبل الماضي في الكثير من المحطات، حيث شاركت مصر في عدد من المؤتمرات الدولية الخاصة بالأزمة الليبية، على رأسها مشاركة الرئيس السيسي في فعاليات قمة مؤتمر برلين حول ليبيا، فضلا عن ذلك أطلقت القاهرة الكثير من المبادرات السياسية الخاصة بالأزمة الليبية والتي أدت إلى هدوء الوضع هناك، حيث أطلقت القاهرة في يونيو قبل الماضي إعلان القاهرة الذي تم على أساس مبادرة ليبية ليبية لإنهاء الأزمة والوصول إلى تسوية سلمية تتضمن وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية وعودة ليبيا بقوة إلى المجتمع الدولي .
ولاقت المبادرة المصرية ترحيباً عالميا كبيرا، خاصة من الدول الكبرى، لتبدأ مصر بتحركات سياسية، متواصلة مع كافة القوى من أجل إعطاء مبادرتها قوة دفع وزخم، وبالفعل انعكست كافة هذه الخطوات والتحركات على الملف الليبي، ونجحت في الدفع إلى وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية باعتبار ذلك خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار في ليبيا وحفظ مقدرات شعبها، حتى رعت الأمم المتحدة ملتقى الحوار السياسي الليبي واجتماعات اللجنة العسكرية التي عقدت في مصر وهو ما أدى في النهاية إلى الاتفاق على اختيار سلطة جديدة مؤقتة ترعى الاستحقاقات القادمة.
هذه التحركات تعيد للإذهان أيضاً حديث الرئيس السيسي قبل عامين عن خط سرت الجفرة كخط أحمر، والذي ما هو إلا دعوة للسلام ونبذ العنف في ليبيا، حيث أدى التحذير فعليا إلى إيقاف الحرب وتوصل الفرقاء بعد شهور قليلة من اتفاق لوقف إطلاق النار في جنيف يقضي بطرد المرتزقة والقوات الأجنبية.
كما مثلت مصر في هذا الإطار، محطة رئيسية لإعادة الليبيين إلى طاولة المفاوضات، لتفويت الفرصة على الطامعين في استغلال الأزمة من أجل تحقيق أهدافهم الساعية إلى استمرار الحرب وانتشار السلاح وارتباك السلطة لتدخل ليبيا في دوامة دائمة من الفوضى.