خيمة رمضان: حكاية أول رمضان يحتضن فيه الهلال الصليب على أرض مصر
السبت، 02 أبريل 2022 07:09 مكتبت :إيمان محجوب
عندما تشاهد المقر البابوي المسيحي «الكاتدرائية المرقسية في العباسية» ستجده يحتفي بقدوم شهر رمضان الكريم ويعلق الزينات، فهذه المودة بين مسلمي مصر ومسيحيها لم تأتي من فراغ، ولأن أحداث التاريخ تلقي بظلالها على الحاضر وتعيد صياغته، فهذا الاحتفاء بقدوم الاسلام لمصر عمره 1423 عام منذ الفتح الاسلامي لمصر في الأول من شهر رمضان الكريم عام 20 لهجرة الرسول الكريم، وذلك كان أول رمضان يعانق فيه الهلال الصليب وتنتشر فيه المحبة والتسامح بين الأديان من مصر درة التاج وبشارة الرسول للصحابة الذي واصاهم بأهل مصرخيرا، فإن لهم ذمة ورحما.
بدايه الحكاية، قبل الفتح الاسلامي لمصر عاش المصريين في قهر واستعباد، ونهب لثرواتهم فقد احتفي الرومان بحكمهم لمصر بإصدار عملة عليها سيدة تتكأ علي جوال من القمح، وكان اقباط مصر مضطهدين فهربوا للصحراء حتي يستطيعوا ممارسة عقائدهم، حتي الوظائف الادارية للدولة كانت محرمة علي المصريين، فكان يتولاها المحتلين من الرومان.
وفي مثل هذا اليوم من الأول من شهر رمضان عام 20 بعد الهجرة، عام641 ميلاديه استطاع المسلمون في عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب بقيادة عمرو بن العاص من دخول مصر ، بعدما حاصر عمرو بن العاص حصن نابليون لمدة 7 أشهر، فأرسل المقوقس إليه يفاوضه مقابل رجوع المسلمين إلى بلادهم، لكن عمرو بن العاص رفض، واستمر بعدها الحصار حتى استسلم الروم، وبعد سقوط حصن نابليون.
فقد الروم معظم مواقعهم الهامة في مصر، فتمركزوا في الأسكندرية، ورأى عمرو بن العاص أن مصر لم تسلم من الروم طالما الأسكندرية ما زالت تحت سيطرتهم، فاتجه إلى المدينة وحاصرها لمدة 4 أشهر، ثم اقتحمها، ثم وقعت معاهدة الأسكندرية مع عمرو بن العاص والتي نصت على انتهاء حكم الدولة البيزنطية لمصر وجلاء الروم عنها.
حيق كانت مصر أثناء الحكم البيزنطي خاضعة مباشرةً للامبراطور البيزنطي في القسطنطينية، وذلك لأهميتها الاقتصادية للدولة الرومانية في الشرق والغرب، حيث كانت مصر تعتبر مخزن غلال الامبراطورية وذلك خلافاً لبقية مقاطعات الدولة الرومانية، وكان اختلاف عقيدة المصريين عن حكامهم سببا في اضطهادهم من قبل البيزنطيين وذلك لإختلاف عقيدة المصريين الذين رفضوا قرارات مجمع خلقيدونية (451) عن عقيدة البيزنطيين الذين قبلوا بقرارات هذا المجمع.
وعن الفتح الاسلامي لمصر ذكر يوحنا النقيوسي في كتابه تاريخ الكنيسة المصرية (ص 64) : «كان البابا بنيامين (البطريرك الـ 38) هارباً من قيرس (المقوقس) البطريرك الملكاني، وبعد الهزيمة التي مني بها الروم ورحيل جيشهم عن مصر، غدا قبط مصر في مأمن من الخوف، وبدأوا يشعرون بالحرية الدينية، ولما علم عمرو بن العاص باختفاء البابا القبطي بنيامين نتيجة الظروف التي كان يمر بها الأقباط، كتب كتاب أمان للبابا بنيامين يقول فيه: "الموضع الذي فيه بنيامين بطريرك النصارى القبط، له العهد والأمان والسلامة من الله، فليحضر آمناً مطمئناً ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته»
كما يقال: (أن عمرو وهو في طريق عودته بعد فتح الإسكندرية، خرج للقائه رهبان وادي النطرون، فلما رأى منهم الترحاب سلمهم كتاب الأمان للبابا، فلم يلبث عهد الأمان أن بلغ بنيامين، إلا وخرج من مخبئه وعاد إلى الإسكندرية ودخلها دخول الناصرين وفرح الناس برجوعه فرحا عظيما بعد أن ظل غائباً ثلاثة عشر عاماً.
ويذكر البطريرك شنودة الثالث في كتابه مرقس الرسول القديس والشهيد (إن أحد البحارة سرق رأس مار مرقس الرسول من كنيسة بوكاليا بالأسكندرية التي كان بها رأس وجسد مرقس الرسول الذي ادخل المسيحية إلي مصر وأبلغ الأنبا بنيامين البطريرك 38 للكرازة المرقسية عمرو بن العاص حاكم مصر في عام 644 م الذي فتش في كل السفن الموجودة بالإسكندرية حتي عثر عليها عمرو بن العاص في إحدي السفن، وتم تسليم رأس مارمرقس الرسول إلي البطريرك ويسلمه كذلك عمرو بن العاص مبلغ عشرة آلاف دينار لعمل كنيسة لرأس مارمرقس الرسول وهذه الكنيسة موجودة حتي الآن باسم المعقلة بالإسكندرية الكائنة بشارع المسلمة واستقر رأس مرقس الرسول بها).
وبعد الفتح العربي الإسلامي لمصر في (20هـ/ 641م)، رفض الخليفة عمر بن الخطاب اتخاذ مدينة الإسكندرية عاصمة للبلاد، وهي التي كانت عاصمة لمصر طوال عهد البطالمة والرومان- فوقع اختيار عمرو بن العاص على موقع خال من البناء والعمارة، عند مدينة منف الفرعونية لتأسيس العاصمة الجديدة، وأطلق عليها اسم "الفسطاط" أي الخيمة، وبدأت عمارتها ببناء جامع عمرو بن العاص الذي أطلق عليه فيما بعد اسم "الجامع العتيق"وقد ظلت الفسطاط عاصمة لمصر لمدة 113 عامًا وسمح لاقباط مصر ببناء كنائسهم في العاصمة الاسلامية الجديدة والتي تعرف حاليا بمنطقة مصر القديمة.