نوستالجيا رمضان!

على امتداد سنوات رمضان السابقة، تنتابنا ذات المشاعر ، كلما اقترب الشهر الكريم، تختلط الروحانيات ، مع الذكريات، في «نوستالجيا»، نظل نفتقدها حتى موعد آخر لرمضان جديد، نلتقيه، ونستقبله بالترحيب، والمشاعر الفياضة، والحنين إلى زمن فات! ويأتي رمضان كل عام، وقد فقدنا عزيز، أو غالي، أو حبيب، ليرحلوا، ويتركونا وسط دوامة ذكريات، عاصفة لا تهدأ. في طفولتنا، كنا نستقبل رمضان، بشراء الفانوس، وتعليق الزينة، نصنعها من أوراق" الكراريس" القديمة، ونشكل منها حلقات، نغلف حوافها بعجين، من خليط الدقيق، والماء. هناك في ركن ما من الذاكرة، تداعب الحاضر، أطياف من ماضٍ، لن يعود، ربما يشكلها الوعي، مثلما الأحلام، في صور هلامية، بيضاء، وسوداء. تتراقص «عناقيد» الزينة الورقيه، في الهواء، والفراغ، هشة، مثل مركب تائه تتلاطمه الأمواج، وسط بحر هائج، ذات شتاء عاصف! لا يحميها الخيط الرفيع الذي يشد أطرافها، من عبث الهواء، أو نسمة ليل افلتت من قيظ الحر. «الفانوس»، المغلف بأوراق شفافة لتجليد الكتب، صنعه نجار على عجل، ، يتحلق حوله الصبية وهو يدق مساميره الصغيرة في أخشابه الواهنه. الضجيج لا يتوقف قبل الإفطار، الكل في شوق إلى صوت المدفع الواهن، المتناهي عبر أثير الإذاعة والتلفاز. «الله أكبر، الله أكبر»، يأتي صوت الأذان بصوت الشيخ «محمد رفعت»، تتعلق الروح بالسماء، سرعان ما ترتد إلى الأرض، تبحث الأفواه، عما تسد به جوع يوم طويل، ضاع نصف في النوم على «حصير» بـ«درب» مترب رش بالماء، تختلط رائحة ذرات التراب، في الأنف بدخان طعام، يطهي على «كانون»، تصاعد إلى عنان السماء، كمدخنة قطار يعم بالفحم، وخبز ينضج في فرن من طين. وذباب يطن غير مكترث بالحر. قبل المغرب، «الراجل ده هيجنني»، سحر صوت «صباح»، واعتراض «فؤاد المهندس» على تأخرها في إعداد الطعام، قبل أن يذهب «عمو فؤاد» في رحلة صيد! لا يحلو تناول الإفطار إلا وأنت تشاهد «بوجي وطمطم»، وزيكا، وطماطم، وصوت «عم شكشك» الأجش، وهو يلبي نداء والده! تمر، وجرعة ماء، وقمر الدين، «ذهب الظَّمأُ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله»، حسنا فلنبدأ بـ«سيد الطعام»! النفس قلقة، لا تشعر بالراحة، لكن الجسد، استرد عافيته، امتلأت البطون، وما تزال الروح، خالية الوفاض، ربما يهدأ من روعتها صلاة العشاء، والتراويح. تسابق الزمن حتى لا تفوتك « فوازير رمضان»، نيلي وربما شريهان، وأحيانا سمورة وفطوطة، وحكايات ألف ليلية وليلة ومسلسلات الشهر الكريم، و«يا تليفزيون يا» للراحل «رمسيس زخاري». بعد يوم طويل لن تستطع أن تصحو، لتتناول لقيمات السحور، لتنام على أمل «إفطار جديد»، وسحور ربما استطعت التغلب على نومك، لتتناول «المدمس وعلبة الزبادي» يوما ما!