محصول القمح يؤكد أننا نستطيع
الأحد، 20 مارس 2022 10:00 ص
ليس بعيدًا أن تكتفي مصر من القمح وليس مستحيلًا أن يزيد المحصول ونصبح من المصدرين فساعة الجد يصبح لحبة القمح تأثيرًا كتأثير مدافع الميدان الثقيلة
في الأسبوع الماضي نطق لسان الدكتور رضا محمد على، رئيس الحملة القومية للقمح بوزارة الزراعة بالبشري.
قال المسئول الكبير لبرنامج تلفزيوني، ما ملخصه: إن الدولة المصرية تعمل على تحسين مستوى الإنتاج النباتي والحيواني، وإن المساحة الإجمالية لزراعة القمح العام الماضي بلغت نحو 3.4 مليون فدان، بينما توسعنا الآن وهناك نتائج مبشرة فيما يخص المحصول الجديدة، وأضاف: أول مرة في تاريخ مصر نورد من 9 إلى 10 ملايين طن من القمح بعد بلوغ المساحات المنزرعة 3 ملايين و659 ألف فدان.
وتابع: أنه لا يوجد ما يدعو للقلق تجاه المخزون الاستراتيجي من القمح، نظراً لتوفر مخزون يتراوح ما بين 4 إلى 5 أشهر، بالإضافة إلى بداية موسم الحصاد الجديد وهو الأمر الذي يكفي حتى نهاية العام الجاري.
ولفت رئيس الحملة القومية للقمح بوزارة الزراعة، إلى أن هناك توجها بالتوسع فى زراعة القمح وعمل سياسات تحفيزية تدعم الفلاحين بمنح حافز إضافي لسعر توريد القمح لتشجيع المزارعين.
انتهى كلام المسئول الكبير الذي يدعو إلى الأمل والتفاؤل ويؤكد شيئًا مهمًا جدًا يكاد من فرط أهميته يماثل فرض العين، وذلك هو الإيمان بأننا نستطيع.
نعم نحن نستطيع والأرقام التي ذكرها الدكتور رضا تؤكد ذلك وتسقط جملة من الأوهام التي روج لها البعض فأصبحت بفضل التكرار من الرواسخ التي لا يمكن نقاشها!
إن مشكلة القمح في مصر ليست وليدة عامنا هذا أو العام الذي سبقه ولا وليدة الأعوام القريبة الماضية، هي مشكلة قديمة تراكمت حولها الأوهام والأكاذيب، حتى بتنا نظن أن المشكلة قدر إلهي لا يمكن الخلاص منه.
في مذكرات السياسي المصري القديم، مصطفى باشا النحاس كلام مهم جدًا عن جذور المشكلة، فقد قال الكثير عن شح الخبز في المنصورة وأسيوط، وتزاحم الناس حول المخابز مما أدى إلى وقوع مشاجرات أدت إلى قتل بعض المواطنين.
كلام النحاس باشا مفزع، خاصة عندما نعلم أنه يؤرخ للسنوات الأولى من الأربعينيات، يعني قبل ثمانين عامًا من عامنا هذا.
ثم يمضي النحاس باشا في سرد شهادته فيقول: إنه بعد قبوله بتشكيل الوزارة بعيد حادثة أربعة فبراير 1942 كان على رأس الشروط التي فرضها على المحتل الإنجليزي مجيء البواخر الإنجليزية إلى الشواطئ المصرية محملة بالدقيق!
ومن زمن النحاس باشا لم يواجه أحد المشكلة حتى عندما تفاقمت وكادت تعصف بأمن وأمان البلاد.
في العام 2009 تحدث الدكتور عبد السلام جمعة، وهو الملقب بـ " أبو القمح المصري " إلى جريدة المصري اليوم عن مشكلة القمح التي أصبحت كارثة وليست مشكلة فكان من أبرز ما قاله: إن استيراد القمح ليس وليد اليوم، فقد بدأ منذ بدايات عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يحلم بالارتقاء بمستوى معيشة الفقراء، فعندما اخبروا الرئيس عبد الناصر أن الفلاحين والبسطاء يأكلون رغيف الخبز المصنوع من الذرة، أصدر قراراً بصناعة رغيف الخبز من القمح، وهو ما زاد من حجم الاستهلاك المحلى للقمح بشكل تحتم معه استيراده من الخارج، وبمرور الوقت تفاقمت المشكلة نتيجة زيادة عدد السكان مقارنة بالمساحة المزروعة من هذا المحصول، إلى جانب اتخاذ الحكومات المتعاقبة، عدداً من القرارات التى أضرت بإنتاج هذا المحصول الاستراتيجي.
ولم نتعلم من الدرس الذي منحته لنا الولايات المتحدة الأمريكية فى العام 1965، حينما قررت عقابنا بعدم بيع القمح لنا، وهو ما تسبب فى نشوب أزمة فى كل القطاعات الصناعية والغذائية المرتبطة بالدقيق. وواصلنا ذات السياسة التى غاب عنها البعد الاستراتيجي لزراعة القمح، بل تزايد حجم الاستيراد بمرور السنوات، ففي عهد الرئيس السادات كنا نستورد 1.5 مليون طن قمح، ارتفع فى العام 2000 ليصل إلى 2.5 مليون طن، ثم تضاعف الاستيراد مرتين فى عام 2001 ليبلغ 6.5 مليون طن، ثم وصل 9.6 مليون طن فى العام 2005، فى الوقت الذى يبلغ فيه حجم الاستهلاك المحلى نحو 14 مليون طن طبقاً للأرقام الرسمية المعلنة. وهكذا أصبحت مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح على مستوى العالم.
أما الدكتور أحمد الليثي وزير الزراعة الأسبق فقد قال ما هو أخطر قال: على مدى 40 سنة لم يهتم بقضية تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح سوى وزيرين للزراعة، الأول هو الدكتور مصطفى الجبلي الذي تولى وزارة الزراعة فى الفترة من 1972 وحتى منتصف 1973، أما الوزير الثاني فكان أنا، ولكن أيا منا لم يحقق ما سعى له.
وأضاف: كلمة أقولها للتاريخ، إن عدم نجاحنا فى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لا علاقة له باتفاقية كامب ديفيد، كما أنه ليس له علاقة بالرئاسة ولكنه قرار حكومي. فعندما أعلنت فى العام 2004 سياسة زراعية، تهدف لزراعة 3 ملايين و60 ألف فدان بالقمح، أيدنى الرئيس مبارك بنفسه، ولكن الحكومة لم تكن مستعدة لذلك الأمر. والدليل أن المساحة المزروعة بالقمح فى الموسم 2005 -2006 بلغت 3 ملايين فدان، ولكنها تناقصت فى الموسم 2006 - 2007 إلى 2.2 مليون فدان، نتيجة وضع العراقيل فى طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.
ما سبق كان نقضًا لأوهام روج لها البعض، فعندما قررت الدولة متمثلة في أرفع قياداتها زيادة المساحة المزروعة بالقمح لم يقف عائق في وجه الدولة وكان لها ما أرادت.
الموضوع باختصار وهو قرار حكيم قوي وجريء تتخذه الدولة بمحو آثار كارثة القمح، والحمد لله أن القرار تم اتخاذه وها هي الأخبار المبشرة بالخير تصلنا، وليس بعيدًا أن تكتفي مصر من القمح، وليس مستحيلًا أن يزيد المحصول ونصبح من المصدرين، فساعة الجد يصبح لحبة القمح تأثيرًا كتأثير مدافع الميدان الثقيلة.
نعم نحن نستطيع، وعلينا انتهاز فرصة قرار لدولة بزيادة المساحة المخصصة للقمح والبناء عليها لكيلا يتلاعب بنا أحد شرقًا كان أو غربًا.