مرصد الأزهر يحلل تطور فكر التنظيمات المتطرفة في إفريقيا.. فماذا قال؟
الأحد، 13 مارس 2022 01:30 مكتبت منال القاضي
قال مرصد الأزهر في تقرير له إنه مع دخول القارة الإفريقية تسعينيات القرن الماضي تم فتح الباب أمام عوامل ومؤثرات ثقافية غريبة على الثقافة الإفريقية، الأمر الذي استغلته التنظيمات المتطرفة ليتسللوا إلى داخل المجتمع الإسلامي في إفريقيا وتحت اسم: إحياء الدين والشرع، بدأوا في تشويش عقول المسلمين، وهنا اصطدموا مع المجتمع الصوفي السائد ومع المؤسسات المدنية، عندها بدأ الشقاق والانقسام الذي كان اللبنة الأولى لظهور تيار العنف والتشدد في سبيل نشر أفكار تلك التنظيمات وأهدافها، وكان ذلك تحت مسمى الدفاع عن الإسلام ونشر رايته.
وتابع المرصد أن الأمر داخل القارة الإفريقية في بدايته لم يعدو كونه تنظيمات محلية تنسب نفسها للإسلام، تحت مظلة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ألقت العولمة الحديثة ظلالها على القارة الإفريقية، ومع تطور وسائل التواصل وفَّرت تنظيمات إرهابية دولية مثل: "القاعدة" و"داعش" الدعم الأيديولوجي واللوجيستي لتلك التنظيمات المحلية في سبيل تقديم الولاء لها وإعلان البيعة؛ مما جعل تلك التنظيمات تستفحل في القارة ناشرة العنف والإرهاب في ربوعها -طبقًا لمؤشر الإرهاب والإحصائيات التي يقوم بها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، حيث تعد كل من حركة "الشباب " وتنظيم "بوكو حرام" و"متمردو تحالف القوى الديمقراطية" ضمن المجموعات الإرهابية الأكثر دموية في إفريقيا – وبإعلان الولاء لمثل هذه الشبكات الإجرامية العالمية أصبحت تلك التنظيمات أكثر قدرة على البقاء والانتشار، مع استغلال الروابط الاجتماعية بينها وبين بعض السكان المحليين، والتهديد والقمع لكل مخالف.
ومن هذا المنطلق صارت تلك التنظيمات تتخلى عن الدعوة الفكرية القائمة على استقطاب العقول إلى ممارسة العنف لتطبيق أهدافهم، وبناء دولة تجمع أفرادها في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، ونستطيع أن نشير إلى أن ثمة مصادر رئيسة أدت إلى هذا العنف باسم الدين: أولًا: فكرة التخلص من الفاسدين والمخالفين في العقيدة.
ثانيًا:تستند التنظيمات المتطرفة في القتل باسم الدين على مفهوم "الفرقة الناجية"، ولعل ذلك يسوّغ رفض التنظيمات الأخرى وعدم التسامح معها. فقد قامت "بوكو حرام" باغتيالات شخصيات إسلامية تابعة لطوائف مغايرة لها، وأحرقت عددًا من المساجد، زعمًا منها أنها هي فقط الفرقة الناجية وما سواها كافر وهذا ما أعلنه صراحة زعيمها السابق "أبوبكر شيكاو" في فيديو شهير يكفر فيه كل الطوائف والفرق الإسلامية ويعلن أن جماعته فقط هي الناجية.
ثالثًا: كما أن الاعتقاد لدرجة الهوس بفكرة معينة وهو ما تتسم به التنظيمات المتطرفة كان سببًا في ترويجهم لفكرة القتل باسم الدين، فعلى سبيل المثال نجد أن فكرتي الخلافة وعدم موالاة الكفار اللتين تروّج لهما التنظيمات المتطرفة كان لهما دائمًا مكانة راسخة في الفكر السياسي والديني السائد لدى تلك التنظيمات في إفريقيا منذ القرن التاسع عشر. لذا نجد أن كلًّا من "بوكو حرام" و"الشباب" حاولا بناء دولة مزعومة خاصة بكل منهما، بل إن منهما مَن أعلن قيام هذه الدولة المزعومة في مناطق السيطرة والنفوذ وذلك بتطبيق الحدود وأحكام الشريعة على الأقاليم التي سيطروا عليها من خلال فهمهم الخاطئ للشريعة الإسلامية.
ومن هنا نستخلص أن هذا التطور في فكر التنظيمات المتطرفة من أجل المحافظة على البقاء أدى إلى تخليها عن أيديولوجياتها الثابتة التي نشأت على أساسها. فنحن الآن أمام تغير من نظام مبني على أيديولوجيات قائمة على فهم خاطئ للشريعة إلى نظام قائم على عددٍ من الأنشطة الإجرامية والأعمال المخالفة للشرع تمامًا من باب الغاية تبرر الوسيلة. الأمر الذي قد يبشر ببداية انحسار انتشار تلك التنظيمات نظرًا لفقدان الثقة من قبل الشباب، وتكسير القواعد التي ترسخت في عقول الناس عن هذه التنظيمات من كونها حريصة على تطبيق الشرع كما يزعمون، ناهيك عن التنافس والتناحر فيما بين تلك التنظيمات من أجل السيطرة والمحافظة على بقائها واستمرارها. نتيجة لما سبق، فإن استمرار هذا الفكر البراجماتي للتنظيمات الإرهابية، وهذا التحول الإستراتيجي ينال من الخطاب الاستقطابي لتلك التنظيمات وتبريرها للعنف ومخالفة الشرع في سبيل تحقيق الغايات، الأمر الذي يصب في مصلحة القوى الناعمة التي تحارب الإرهاب من خلال الدعوة وتصحيح الأفكار والمفاهيم. ومع قيام الحكومات والشعوب بمزيد من التخطيط الجيد وتطوير إستراتيجيات مكافحة الإرهاب، ومن هنا تتزايد فرص تواري التنظيمات الإرهابية شيئًا فشيئًا. هذا، ويقوم مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بدوره المنوط.