«الناتو» المريض يخسر الرهان في أوكرانيا

السبت، 05 مارس 2022 07:00 م
«الناتو» المريض يخسر الرهان في أوكرانيا
حرب أوكرانيا

- ماكرون وصف الحلف الأطلسي في 2019 بـ «الميت دماغيا».. والرئيس الأوكرانى عن أعضاءه: الجميع خائفون
 

في 2019 خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريح أثار موجة من الغضب ضده. ماكرون وصف حلف شمال الأطلسى «الناتو» بأنه «ميت دماغيا»، بعدما أكد أنه لم يعد هناك تنسيق بين أعضاء الحلف.

وكان من ضمن الغاضبين من تصريحات ماكرون الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذى سبق وأن شن هجوماً على الناتو بعدما طالب الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف أن تنفق المزيد من الأموال على الحلف بدلا من ترك الولايات المتحدة تأخذ على كاهلها تحمل العبء الأكبر في ميزانية الحلف.

ويضم الناتو 29 دولة، وبلغت ميزانية النفقات العسكرية والمدنية للحلف على سبيل المثال في 2019 نحو 1.67 مليار يورو (1.84 مليار دولار) بحسب إحصاءات الناتو، تدفع الولايات المتحدة منها أكثر من 22% بينما تساهم ألمانيا بـ 14.76%، وكل من فرنسا وبريطانيا بأقل من نسبة 10.5% لكل واحدة منهما.

وبعد خسارة ترامب الانتخابات الأمريكية وفوز جوزيف بايدن، تجددت آمال الأوربيين بأحياء الدور الفاعل للناتو، وإنهاء السنوات العجاف التي مرّت على حلف شمال الأطلسي في عهد ترامب.

والناتو منظمة عسكرية دولية تأسست عام 1949 بناء على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن في 4 ابريل سنة 1949، بهدف تشكيل نظاما للدفاع الجماعي تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية. ويتكون الحلف اليوم من 29 دولة من أمريكا الشمالية وأوروبا. وتشارك 21 دولة أخرى في برنامج الشراكة من أجل السلام التابع لمنظمة حلف شمال الأطلسي، مع مشاركة 15 بلدا آخر في برامج الحوار المؤسسي.

اليوم يتجدد الحديث عن الحلف الأقوى عسكريا في العالم، وهل هو قادر على البقاء والصمود وسط التحديات الدولية أم أنه في سبيله للانحسار، ويصبح جزء من الماضى.

تجدد هذا الحديث في اعقاب الأزمة الأوكرانية التي نشبت أساسا بسبب السعي لضم أوكرانيا إلى عضوية الحلف، وهو ما اعترضت عليه روسيا، ووصفته بأنه تهديد لأمنها، وقالت أن انضمام أوكرانيا للحلف "خط أحمر".

ورغم ان الناتو هو السبب الرئيسى في الأزمة، خاصة بعدما تسارعت خلال الأسابيع الماضية التصريحات الغربية ومن الدول الأعضاء في الحلف لإعلان مساندتهم لأوكرانيا في مواجهة أي تدخل عسكرى روسى، الا ان التدخل حدث، وكانت المفاجأة ان الناتو لم يفعل شيئاً، بل أن الرئيس الاوكرانى فلاديمير زيلينسكي خرج الجمعة قبل الماضية في تصريحات قوية كشفت عن حالة اترهل التي أصابت الناتو، حينما قال "سألت 27 قائدا أوروبيا عن عضوية بلادي في الناتو ولم يجبني أحد"، متسائلاً "من مستعد لضمان عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي؟ الجميع خائفون".

وكان هذا الموقف المتخاذل من جانب الحلف العسكرى دافعاً لروسيا لكى تلوح بأن أوكرانيا لن تكون الأخيرة، بعدما خرجت قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الجمعة الماضية لتقول في مؤتمر صحفى " من الواضح أن انضمام فنلندا والسويد إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، وهو في الأساس، كما تفهم جيدًا، كتلة عسكرية، سيكون له عواقب عسكرية وسياسية خطيرة تتطلب من بلدنا اتخاذ خطوات متبادلة".

وجاءت تصريحات ماريا زاخاروفا رداً على ما قاله الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج، بأنه دعا فنلندا والسويد، وهما ليستا عضوين في المنظمة، للمشاركة في القمة الطارئة الافتراضية للحلف التي عقدت الأسبوع الماضى حول الوضع في أوكرانيا، وكذلك تصريح رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين في اجتماع برلماني، بأن "البلاد مستعدة للتقدم بطلب للحصول على عضوية الناتو إذا أثيرت مسألة أمنها القومي".

من خلال المتابعة لردة فعل الحلف على الأزمة الأوكرانية يتكشف لنا مدى الترهل الذى أصابه، لدرجة أن أعضاءه باتوا بالفعل كما قال الرئيس الأوكرانى "خائفون"، واكتفوا فقط بحزمة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، دون ان يقتربوا من بند "التدخل العسكرى" لنصرة أوكرانيا، مكتفين أيضاً ببعض التعهدات الفردية لدول في الحلف بتسليم أوكرانيا مساعدات مالية لا ترقى لحجم المشكلة، وكذلك منح عسكرية لا تكفى للدفاع عن مدينة وليس دولة بأكملها في مواجهة قوى عسكرية دولية في وضعية روسيا.

ربما يعود ذلك إل الاختلاف الواضح بين دول الحلف تجاه التعامل مع روسيا، في ظل وجود مصالح اقتصادية وسياسية متشابكة بين موسكو والعديد من العواصم الغربية التي تتعامل مع الازمة من موقع "التردد" خوفاً من أن تتأثر سلباً، وأقرب مثال على ذلك ألمانيا التي تعتمد بنسبة كبيرة على الغاز الروسى، وكذلك تشير تقديرات اقتصادية إلى وجود ارتباط قوى بين نظامها المالى والنظام المالى الروسى، مما دفعها لرفض اى تحرك دولى لإزالة روسيا من نظام "السويفت" الخاص بالبنوك.

كما أن هناك دولاً تنظر للازمة منذ بدايتها على أنها صورة مجددة من الصراع الروسى الأمريكي الذى لن يفيد أحد، وبالتالي من الأفضل الانتظار إلى حين استقراء الصورة او المشهد بشكل أوضح.

ويؤكد هذا الرأي أن هناك توجه دولى يفيد بأن الصراع الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا لن ينتهى، نظراً لأن المصالح الدولية والتنافس على كسب مناطق النفوذ سوف تظل هى اللغة السائدة والحاكمة في العالم، وأن الأزمة الأوكرانية الحالية لن تكون الأخيرة مهما كانت التعهدات ومهما تم التوصل إلى تفاهمات سياسية أو أمنية، لذلك فإن الدول عليها ان تهيئ نفسها لما هو قادم، وأن تحفظ كل دولة ما لديها من كروت للقادم، الذى سيكون أسوء مما عليه الوضع اليوم، خاصة أن الحالة الأمريكية الراهنة في ظل إدارة بايدن تشير إلى أن عصر الهيمنة الأمريكية المطلقة باتت محل شك كبير، وأن نظام القطبية الثنائية عاد مرة أخرى، وربما نضيف عليه عنصر الصين، لتكون القطبية الثلاثية، فالدول الثلاثة باتوا اليوم يملكون أقوى الجيوش والمعدات العسكرية على مستوى العالم.

لكن يبقى السؤال.. هل تراجع الولايات المتحدة وترهل الناتو يؤشر في لحظة معينة إلى إمكانية حدوث مواجهة مباشرة على الأقل بين روسيا والولايات المتحدة، وأن تبقى الصين في موقع المتفرج ولو مؤقتاً؟.

كل التحليلات الدولية المستندة لوقائع على الأرض تؤكد أن فرص المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين مستبعدة وقد تكون منعدمة تماماً، فالمواجهة ستظل كما كانت في الماضى على ميادين خارج الدولتين، مثلما كان الحال في فيتنام وأفغانستان وغيرها، واليوم في أوكرانيا، وربما غداً في مكان أخر، لغن كلاً من واشنطن وموسكو يدركان ان المواجهة المباشرة تعنى انهيار الدولتين، وبالتالي فإنهما يفضلان المواجهة في ميادين مختلفة، تسهل على أيا منهم التراجع في لحظة حاسمة يشعر خلالها أن يقترب من الخسارة.

ومن أشكال المواجهة غير المباشرة العقوبات التي تفرضها واشنطن ضد موسكو، والتي ألحقت بالدولة الروسية اضرارا اقتصادية كبيرة، رغم محاولاتها المتكررة للالتفاف حول هذه العقوبات من خلال مسارات متعددة وعلاقات متشعبة مع دول خرجت من تحت العباءة أو السيطرة الأمريكية.

الشاهد الآن أن الازمة الأوكرانية تعد مؤشر على تغيرات بينية كبيرة في السياسة الدولية، فبجانب غياب فاعلية الناتو مستقبلاً، أو على الأقل تحوله إلى ما يشبه الجسد المريض الذى لا يقوى على التحرك، وإن لم تنقطع عنه زيارات الأهل والأصدقاء، فإن روسيا تحت قيادة بوتين، وبمساعدة من الصين تعمل على وضع قواعد أمنية جديدة للمنطقة المحيطة بها، ولست اتفق مع من يقول بأن بوتين يعمل على إحياء إمبراطورية الاتحاد السوفيتي السابقة، لإنه مهما حدث فإن الدول التي كانت تحت عباءة الاتحاد السوفيتى قبل التفكك لن تقبل أن تعود مرة أخرى تحت هذه العباءة، لكن بوتين كل ما يأمله ويسعى إليه هو وضع قاعدة أساسية لهذه الدول وهى الا تنضم إلى الناتو وألا تكون مصدر تهديد للأمن القومى الروسي، وهو ما أكدته القيادة الروسية التي تشترط لإى وساطة او حلول سياسية أن تكون في إطار التوصل إلى اتفاق بشأن الضمانات الأمنية التي يمكن أن تقبلها.

وهنا يكون السؤال.. هل تقبل هذه الدول الصياغة الروسية الجديدة أم أنها ستعاند؟

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق