تصريح 28 فبراير 1922.. عندما كانت مصر بلا جيش فعبثت بريطانيا باستقلالها

السبت، 26 فبراير 2022 08:24 م
تصريح 28 فبراير 1922.. عندما كانت مصر بلا جيش فعبثت بريطانيا باستقلالها
كتب- أحمد النجمي

الدرس الذي يمر عليه مائة عام يقول إن الجيش هو أساس الدولة المصرية ووحدها في عهد مينا ثم حررها من الاحتلال البريطاني والملكية الفاسدة وبعدها أنقذها من الاحتلال الإخواني البغيض

في 28 فبراير من العام 1922 أصدرت بريطانيا تصريحا شهيرا بلا اسم، سماه معاصروه تصريح 28 فبراير وظل يحمل هذا الاسم إلى اليوم.

درسناه جميعا في كتب التاريخ في الثانوية العامة، وإذا اجهد أحدنا ذاكرته ليصطاد معلومة من منهج التاريخ في آخر سنوات دراسته الثانوية سيتذكر أن «كتاب الوزارة»- كما كنا نسميه- كان يصف هذا التصريح بأنه أعطى مصر «الاستقلال الشكلي»، ولم يشرحوا لنا معنى الاستقلال الشكلي هذا في المدارس.

مائة عام تفصلنا عن هذا الحدث تكتمل تماما الاثنين المقبل، دون أن نرى التفاتا يذكر اليها من المؤسسة الثقافية للدولة «وزارة الثقافة» ولا من المثقفين والمؤرخين والكتاب، مع أن هذا الحدث كان فاصلا بحق في التاريخ المصري الحديث.

ولمن نسي تسلسل الأحداث في ذلك الزمان، نقول أن الاحتلال البريطاني فرض الحماية على مصر في العام 1914 مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، والحماية باختصار تعني اعتبار مصر جزءا من أملاك التاج البريطاني، وظل هذا الوضع قائما حتى اندلعت الثورة الشعبية في العام 1919 وانتهت الحرب العالمية الثانية، وبرزت زعامة سعد زغلول وحزب الوفد للشارع المصري، والتفتت الشعوب المحتلة إلى حقها في الاستقلال، فأخذت القوى الاستعمارية تعطيها الفتات لعلها تقنع وتكف لسانها عن المطالبة بحقها في الاستقلال، وأسفر هذا الحراك التاريخي عن صدور تصريح 28 فبراير الذي هللت له النخبة آنذاك، لكنه كان مجرد حبر على ورق فإن لم تصدقنا أيها القارئ الكريم فعليك بقراءة نص التصريح.

يقول نص التصريح:

البند الاول: إنهاء الحماية البريطانية على مصر وأن تكون مصر دولة ذات سيادة.

البند الثاني: تلغى الأحكام العرفية التي أعلنت في 24 نوفمبر 1914.

البند الثالث: إلى حين إبرام الاتفاقات بين الطرفين يكون لبريطانيا بعض التحفظات:

تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر.الحق في الدفاع عن مصر ضد أي اعتداءات أو تدخلات خارجية.الحق في حماية المصالح الأجنبية في مصر وحماية الأقليات.الحق في التصرف في السودان.

ولنتأمل قليلا هذه البنود المسمومة، فالبند الأول ينص على إعلان إنهاء الحماية وليس إنهاء احتلال مصر، وفي الوقت ذاته يتكلم عن أن مصر دولة ذات سيادة، أية سيادة وما تم انهاؤه هو الحماية المباشرة وليس احتلال الأرض؟!

والبند الثاني تكلم عن إنهاء الأحكام العرفية التي لم تنته عمليا وبقيت بكامل تفاصيلها كماهي.

الأخطر هو البند الثالث الذي يسمي الشروط القهرية بالتحفظات، فمصر التي يفترض أنها بهذا التصريح قد نالت استقلالها ستكون وفق التصريح مجرد معبر للاحتلال البريطاني من أراضيه إلى مستعمراته وبخاصة الهند درة تاج بريطانيا، فإي استقلال هذا الذي يكرس وجود جيش الاحتلال في البلد المحتل؟.. وأي استقلال هذا الذي يحرم مصر من تكوين جيش وطني يدافع عن أرضها وبحرها وجوها؟.. لقد حرم التصريح مصر من تكوين الجيش الوطني بموجب النقطة الثانية في البند الثالث الذي ذكرناه، التي قالت بحق بريطانيا في الدفاع عن مصر ضد أي اعتداءات أو تدخلات خارجية.

المدرسة الاستعمارية العتيدة في دوائر الخارجية البريطانية صاغت هذه النقطة بمنطق «خلى عنكم يا مصريين، لا تكونوا جيشا وطنيا يحميكم لإننا نحن من سيحميكم».

أما النقطة الثالثة التي تكلمت عن حق الاحتلال في حماية المصالح الأجنبية في مصر والأقليات بها، فتعني مباشرة التدخل في أدق شئون مصر الداخلية وتعني أيضا عدم اعتراف بريطانيا بأن هناك دولة مصرية بالأساس، ناهيك عن أن تكون دولة مستقلة!.

أما النقطة الرابعة التي نصت على أن لبريطانيا حق التصرف في السودان، فهي تعني فصل السودان عن مصر مع أن السودان كان من الناحية الرسمية جزءا أصيلا لا يتجزأ من الدولة المصرية آنذاك.

هكذا صدر التصريح الكارثة في 28 فبراير 1922، الذي تم عمل بروباجندا ضخمة له لتسويقه للمصريين، الا أن الشعب المصري لم يبلع الطعم بل اعتبر التصريح مدا قانونيا موثقا للاحتلال، وكذلك لم يتعاطف الوفد بزعامة سعد زغلول معه، بل تعامل معه بمنطق سياسي وتصالح مع الملك فؤاد ليصدر دستور 1923، الذي وإن كان قد حقق هامشا للحريات وجعل الملك «يملك ولا يحكم»، ونتجت عنه انتخابات تشريعية نزيهة جاءت بالوفد إلى الحكم، إلا أن كل هذا تحطم بعد أقل من سنة وأخرج الملك الوفد من الحكم بمرسوم ملكي وتحطم دستور 1923 وتم دهسه بالأقدام الملكية والاستعمارية، فلا حقق تصريح 28 فبراير استقلالا لمصر ولا نتجت عنه حياة دستورية حرة، ولم يبق منه سوى شئ واحد وهو الشيء الحقيقي: الاحتلال البريطاني البغيض. أما الملك فقد أصدر بعد التصريح بأيام مرسوما يعلن الاستقلال وتحول مصر من سلطنة إلى مملكة مستقلة، وسط تهليل نخبة منافقة موالية له وللاحتلال البريطاني.

وهكذا تفاعلت الأحداث في السنوات التي تلت التصريح حتى قامت ثورة الطلبة العظيمة ضد الاحتلال والملك فؤاد في عام 1935، وحين رأى الاحتلال خطورة هذه الثورة أبرم اتفاقا شكليا آخر هو معاهدة 1936 التي تورطت فيها القوى السياسية كافة وعلى رأسها الوفد، الذي اضطر زعيمه بعد ذلك مصطفى النحاس إلى إلغائها بعد ابرامها بما يزيد على 15 عاما، واندلعت في محافظات قناة السويس أضخم حركة تحرير شعبية مسلحة ضد الاحتلال البريطاني وصلت إلى ذروتها في أواخر 1951 وأوائل 1952.

في كل هذه الفصول من فبراير 1922 إلى شتاء 1952، ثلاثون عاما من خداع الاحتلال للمصريين ورفض المصريين بدورهم لهذا الخداع، وثاروا عليه وعلى من يصنعونه، وفي كل هذه الفصول لم تكن مصر تملك جيشا وطنيا يحميها إلى أن فتح باب التقدم بالمصادفة إلى الكلية الحربية بعد 1936 في ظل حكومة الوفد، فالتحق جمال عبد الناصر ورفاقه بالجيش وكونوا بعد أكثر من عشر سنوات من التحاقهم هذا تنظيم الضباط الأحرار الذي أطاح بالملكية، والذي كان وحده القادر على الإطاحة بالاحتلال البريطاني.

النخب السياسية والقصر الملكي سقطوا في فخ الاستعمار وقطاع منهم كان يخدمه فضاعت القضية المصرية في ظل عدم وجود جيش وطني، وحينما تشكلت نواة هذا الجيش في الثلاثينيات وصار هناك ضباط وطنيون طهروا مصر من النخبة الفاسدة والملك والاحتلال جميعا.

هذا هو الدرس الذي يمر عليه مائة عام يوم الاثنين القادم. الدرس يقول إن الجيش هو أساس الدولة المصرية الذي وحدها في عهد مينا قبل أكثر من 5 آلاف سنة، وحررها من الاحتلال البريطاني والملكية الفاسدة بعد ثورة 1952 المجيدة، وهو الجيش العظيم الذي حررها من الاحتلال الإخواني البغيض وايامه السوداء في ثورة 30 يونيو المجيدة حين انتصر قائده العظيم عبد الفتاح السيسي لأحلام الشعب المصري ورغبته في الخلاص، وحرر مصر من براثن الجماعة الإرهابية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة