شائعة حرب..

«الغاز الطبيعي» كلمة السر في التهديدات العسكرية المتبادلة بين أمريكا وروسيا.. وأوروبا أكبر الخاسرين

السبت، 26 فبراير 2022 06:30 م
«الغاز الطبيعي» كلمة السر في التهديدات العسكرية المتبادلة بين أمريكا وروسيا.. وأوروبا أكبر الخاسرين
غاز أوروبا- أرشيفية
محمد فزاع

- «غزو أوكرانيا» لعبة أعصاب روسية للسيطرة الكاملة على الطاقة.. وإبعاد واشنطن من المشهد
 
حرب تدور رحاها من أعماق الأرض إلى منازل الأوربيين تتحكم فيها روسيا، وسط ذروة من التوتر والقلق يعيشه الكوكب كله على صفيح ساخن من حرب قد تندلع بين أوكرانيا وروسيا، وتؤدي فيما بعد لحرب عالمية ثالثة في حال قررت حلف شمال الأطلسى «الناتو» دعم كييف.
 
قلق الأوربيين يزداد يوما بعد يوما من أزمة حصتهم من الغاز الذي يعد المصدر الأول للطافة في القارة، فروسيا تعد أكبر موردي الغاز لأوروبا وتمد القارة بما يقارب 40% من احتياطاتها، وتحرك عجلة حياة فيها، لكن يبدو أن التلويح بالحرب مجرد شائعة حرب ورائها هدف آخر عنوانه «من يمتلك السيادة على مصادر الطاقة بالقارة، يتحكم في القرار السياسي للدول». 
 
خلال السنوات الأخيرة، باتت الطاقة، ولا سيما في مجالَي الغاز والنفط، سلاحاً جيوسياسياً تستخدمه القوى العالمية، إما دفاعاً عن نفسها، وإما هجوماً ضد خصومها. ولعلّ الأزمة الأخيرة بين بيلاروسيا ودول أوروبية حول المهاجرين، وما سبقها من عقوبات أوروبية على مينسك، والأزمة الأوكرانية المستمرة، إضافةً إلى أزمة ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، تعطي لمحة عن الغاز الروسي وأهميته بالنسبة إلى دول الاتحاد وتأثيره أيضاً.
 
عودة إلى الماضي
 
معظم صادرات الغاز الروسي تدفّقت إلى أوروبا بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي، هكذا قالت صحيفة «فايننشال تايمز»، البريطانية، موضحة أن البنية التحتية الموجودة بخطوط الأنابيب في أوكرانيا ساعدت في ذلك، لكن في العقود الـ3 الماضية، ولأسباب سياسية، سعت شركة «جازبروم» الروسية الحكومية لتنويع شبكة الغاز، وتقليل اعتمادها على جارتها أوكرانيا، ومد خطوط أنابيب جديدة.
 
بداية من 1997، بدأ العمل على خط أنابيب الغاز عبر «يامال – أوروبا»، الذي يمر بأراضي 4 دول، «روسيا وبيلاروسا وبولندا وألمانيا»، وفي 2003، صدرت روسيا الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب «بلو ستريم» تحت البحر الأسود، وأوجدت طريقاً رئيسياً آخرَ بعيداً عن أوكرانيا 2011 عبر بحر البلطيق، بخط أنابيب «نورد ستريم 1»، وفي العام 2020، بدأ تشغيل خط أنابيب في البحر الأسود، هو «تورك ستريم»، بالتعاون مع تركيا. وفي سبتمبر الماضي، أعلنت شركة «جازبروم» الشروع في بناء خط أنابيب «نورد ستريم 2»، ليمر تحت مياه بحر البلطيق أيضاً ويربط روسيا بألمانيا، وهو ما تلوح به أمريكا كورقة ضغط حاليا على روسيا بعدم تشغيله.
 
ومؤخراً، أبرمت شركة «جازبروم» الروسية عقداً مع هنغاريا، لتزويدها بالغاز حتى العام 2036 بعيدا عن أوكرانيا، ما جعل كييف المعادية لروسيا تخشى على دورها كبلد عبور للغاز الروسي لأوروبا.
 
روسيا تخرج أمريكا من المعادلة
 
أخرجت روسيا الولايات المتحدة من الهيمنة على الغاز بدون تدخل مباشر، ويرجع تراجع أمريكا من منافسة الغاز الروسي المتجه لأوروبا، لأسباب أبرزها السعر، فالغاز الروسي أرخص من الغاز الطبيعي المسال الذي تورّده الولايات المتحدة للقارة الأوروبية، ولا سيّما أن كلفة الغاز الروسي الذي يتمّ نقله عبر الأنابيب إلى أوروبا مباشرة أقل بكثير من الغاز الأمريكي المسال الذي ينقل على متن السفن ويحتاج إلى موانئ خاصة، كما أن كلفة استخراجه وتحويله إلى غاز مسال، ومن ثم توريده، لا تتناسب مع الأسعار المحلية الأوروبية، ويمكن أن تعود بخسائر على الشركات الأمريكية.
 
ورغم تكثفت المحاولات الولايات المتحدة العقدين الماضيين لإيجاد بدائل من الغاز الروسي المتجه إلى أوروبا، لم تتمكّن من منافسة الغاز الروسي، سواء من جهة الأسعار أو من جهة العوامل اللوجستية، وعمدت واشنطن إلى دعم مشاريع بديلة عبر خطوط أنابيب موازية، وسط رغبة أمريكية في إبقاء الساحة الأوروبية بعيدة عن النفوذ الروسي من باب الطاقة.
 
كانت بداية المحاولات الأمريكية مع خط غاز «نابوكو» الذي أعلن عنه في العام 2002 بدعمٍ من الولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي، وكان من المقرر أن يأتي من 3 دول في آسيا الوسطى، هي كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان، ثم يتوجه غرباً نحو بحر قزوين إلى أذربيجان، ومن ثم إلى جورجيا، فتركيا، ويتابع مساره إلى بلغاريا ورومانيا وهنغاريا والنمسا، حيث محطات التجميع والتوزيع باتجاه أوروبا.
 
روسيا بدورها لم تصمت وقطعت الطريق على خطط أمريكا في «نابوكو» وأعلنت صراحة أنه «مشروع معادٍ»، وتحركت سريعاً بإبرام عقود بيع وشراء الغاز في آسيا الوسطى، ولم تقف عند هذا الحد بل اشترت نسبة كبيرة من إنتاج دول تركمانستان وأوزباكستان من الغاز، فيما لمحت أذربيجان إلى عدم وجود فائض من الغاز يمكن ضخه في «نابوكو» بعد توقيعها اتفاقاً مع روسيا، وهكذا، لم يبقَ من دول بحر قزوين سوى إيران الخاضعة لعقوبات. 
 
من سيبيريا إلى دمشق
 
في 2009، دعمت الولايات المتحدة مقترحاً لإنشاء خط أنابيب يمتد من دول خليجية عبر والأردن ثم سوريا، ومن ثم أوروبا، وبناءً على مشاورات روسية – سورية، رفض الرئيس السوري بشار الأسد، التوقيع على الخطة، ودعمت روسيا خطاً يمر من إيران عبر العراق إلى سوريا إلى البحر المتوسّط. 
 
اندلعت بهدها الأزمة السورية بعد أشهرٍ من رفض خط الغاز المقترح، ما جعل روسيا تدافع عن مصالحها بالوقوف بجانب الحكومة السورية، وبدأت الحرب السورية وبدأت تتشكل تحالفات كان أساسها الغاز والصراع على الطاقة.
 
تقول تقارير إعلامية غربية أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين، قرروا تنظيم تمرد ضد بشار الأسد، وحدث قصف أمريكي لسوريا في 2018، في مساعي من واشنطن للإطاحة بالرئيس السوري وتمكين أوروبا من تنويع اعتمادها على الغاز بعيداً عن روسيا التي دعمت نظام استقرار الحكم في سوريا، لمنع وصول نظام حاكم يسمح بمد خط أنابيب إلى أوروبا، ما يهدد مصالح موسكو بالنسبة إلى تصدير الغاز من حقول سيبيريا للقارة العجوز.
 
ووسط تراجع قدرة واشنطن على إحداث تغيرات في مجال الطاقة، وحرصها على عدم الدخول في حرب جديدة، ومع عدم وجود بديل قوي يضمن مصالحها الاقتصادية، يبدو أن أوروبا مكبلة سياسيا، وعاجزة عن مواجهة نفوذ روسياً في القارة وخارجها، وسيكون الحل الوحيد فرض المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على موسكو.
 
وتستغل روسيا الغاز كسلاحٍ أمام السياسات الأوروبية وتطوِّع الاختلال في العلاقات الدولية لمصلحتها، وتستغل الثغرات التي تتركها أمريكا خلفها من آسيا الوسطى إلى القوقاز وشرق المتوسط، لتعزيز نفوذها.

«نورد ستريم 2» ألمانيا تدعم وأوروبا تعترض
 
احتفظت روسيا عندما انهار الاتحاد السوفيتي السابق، بأكبر احتياطيات الغاز في العالم، لكن أوكرانيا ورثت خطوط الأنابيب، ومنذ ذلك الحين، اختلف البلدان حول هذا الإرث.
 
و«نورد ستريم 2» يعد مشروع خط أنابيب جديد لنقل الغاز الطبيعي بطول 1200 كيلومتر، يمتد من غربي روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق، ويعتبر خط إمدادات الغاز الذي تبلغ كلفته مليارات الدولارات ورقة مساومة رئيسية في الجهود الغربية المبذولة للحيلولة دون غزو روسي محتمل لأوكرانيا.
بدأت أعمال إنشاء خط «نورد ستريم 1» عام 2011، واكتملت في العام التالي، وبدأ إنشاء خط «نورد ستريم 2» عام 2018، واكتمل في عام 2021، لكنه تعرض لانتقادات من دول في شرق أوروبا ودول أوروبية أخرى إضافة للولايات المتحدة، إذ يتجاوز خطوط الأنابيب الأرضية الموجودة أساسا في بعض دول أوروبا الشرقية، مثل أوكرانيا وبولندا.
 
ومع تشغيل الخط الجديد، يمكن أن تخسر كييف 1.8 مليار يورو وهي رسوم «العبور» التي تدفعها موسكو مقابل استخدام خطوط الأنابيب الأوكرانية لشحن الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، بينما تجد بولندا نفسها غير راضية أيضا لتجاهلها كدولة عبور. وهناك أيضا معارضة للمشروع داخل الاتحاد الأوروبي خشية استخدام روسيا الغاز كسلاح لزيادة نفوذها في أوروبا.
 
بدوره وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي «نورد ستريم 2» بأنه «سلاح جيوسياسي خطير بيد الكرملين»، وقال إن نتائج تشغيل خط الأنابيب ستكون خطيرة «على أوروبا بأسرها». ولمنع تشغل الخط وفرضت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات على روسيا بسبب مشروع «نورد ستريم 2»، لكن ألمانيا كانت تدعم المشروع بشكل قوي، إذ تأمل بأن يخفف خط الأنابيب الجديد الضغط عليها وعلى إمدادات الطاقة في أوروبا.
 
ويتوقع أن يضخ «نورد ستريم 2» حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، ويمثل هذا أكثر من 50% من الاستهلاك السنوي لألمانيا، ويمكن أن يحقق ما يصل إلى 15 مليار دولار لشركة «غازبروم»، الروسية، بناءً على متوسط سعر التصدير في عام 2021، ولكن ينتظر تشغيله بعد الشهادة النهائية من المنظمين الألمان، لكن المستشار الألماني أولاف شولتز قال إن التصديق على الخط لا يمكن أن يمضي قدما في ضوء التطورات الأخيرة من الجانب الروسي.
 
ورقة الأسعار.. أوروبا الخاسر 
 
أما فيما يتعلق بسوق الغاز والطاقة، توقع الرئيس مركز «كوروم» للدراسات الاستراتيجية في لندن، أن يكون للأزمة بين روسيا وأوكرانيا تأثير في سوق الطاقة، خاصة أن روسيا أكبر منتجي الغاز عالمياً، وأي تعطل في إنتاجها يؤثر بشكل مباشر بالأسعار، موضحا أن انشغال روسيا بالحرب مع أوكرانيا، قد تتأثر الإمدادات الروسية إلى ألمانيا التي تُعد أكبر اقتصاديات منطقة اليورو، بالتالي سيتأثر أكبر اقتصاد في أوروبا في حال انقطاع الإمدادات.
 
وعلى المدى القصير، من المعترف به على نطاق واسع أن حرباً بين روسيا وأوكرانيا، حتى لو كانت محدودة، من شأنها أن تؤدي لارتفاع هائل في أسعار النفط والغاز، بخاصة بأوروبا، حيث تستحوذ روسيا على نحو 30% من نفط أوروبا و35% من غازها الطبيعي، والتي سيجري قطعها في حالة الصراع. ويعتقد الباحثون في مجال الطاقة في «رابو بنك»، أن «ذلك قد يدفع أسعار النفط إلى الأعلى من المستويات المرتفعة بالفعل عند حوالي 90 دولاراً للبرميل إلى 125 دولاراً، مع ارتفاع أسعار الغاز».
 
وحذر «رابو بنك» من أنه بافتراض «أن كل الدول أوقفت مشترياتها من الطاقة الروسية، فإن التأثير المحتمل للأسعار سيكون هائلاً، حيث سيرتفع سعر النفط إلى 175 دولاراً والغاز الأوروبي إلى 250 دولاراً». وأشار التقرير إلى أنه «من غير المرجح أن تمتثل كل الدول، كما يُرجَّح أن تدعم الصين روسيا من خلال عمليات شراء كبيرة، وحتى من غير المرجح أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن الطاقة الروسية بالكامل، وقد يعني ذلك ارتفاع الأسعار في البلدان التي تطبق العقوبات وانخفاض الأسعار لأولئك الذين ما زالوا على استعداد لشراء النفط والغاز الروسي». وقد يؤثر التهديد بفرض عقوبات إذا غزت روسيا أوكرانيا على التدفقات عبر خطوط أنابيب مثل «يامال- أوروبا» و«نورد ستريم 1» و«ترك ستريم».

خيارات أوروبا محدودة
 
وبعد التهديد بفرض عقوبات على نورد ستريم 2، علقت ألمانيا التصديق على المشروع، وقالت المفوضية الأوروبية إن إمدادات الغاز الأوروبية الحالية لن تتأثر لأن خط الأنابيب لم يعمل بعد، وقال محللون بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إن الاحتمالات الأخرى هي أن تعلق روسيا مبيعات الغاز لأوروبا ردا على العقوبات أو أن يتسبب الصراع العسكري في أضرار بأحد خطوط الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا لنقل الغاز إلى أوروبا.
 
ولدى بعض البلدان خيارات أخرى، فعلى سبيل المثال، يمكن لألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي، الاستيراد من النرويج وهولندا وبريطانيا والدنمارك عبر خطوط الأنابيب. غير أن رئيس وزراء النرويج، ثاني أكبر مورد لأوروبا، قال إن بلاده تشحن الغاز الطبيعي بأقصى طاقتها ولا يمكنها تعويض أي إمدادات تُفقد من روسيا.
 
ويمكن لدول جنوب أوروبا استقبال الغاز من أذربيجان عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول من خلال تركيا. كما أن بإمكان الدول المجاورة نقل الغاز عبر الروابط البينية، لكن ربما لا يكون بعض الدول مستعدة للتخلي عن الغاز الذي قد تحتاجه، وحينئذ سيتعين على المستوردين دفع ثمن باهظ.
 
وقال محللون لدى باركليز إن تعويض ما يتراوح بين 150 و190 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي لا يمكن تحقيقه على المدى القصير، وستبلغ شحنات الغاز الروسي الشتوي إلى الاتحاد الأوروبي حوالي 48 مليار متر مكعب بمعدلات التشغيل الحالية، بانخفاض 30% على أساس سنوي.
 
وإذا ظلت التدفقات الروسية منخفضة، فمن المرجح أن يصل مخزون الغاز في الاتحاد الأوروبي في نهاية الموسم إلى مستوى منخفض يبلغ 20 مليار متر مكعب، حتى بعد الطلب الشتوي الضعيف نسبيا والواردات القوية للغاز الطبيعي المسال. ويرغب الاتحاد الأوروبي في مطالبة الدول بأن يكون لديها مايكفي من مخزون الغاز الطبيعي قبل كل شتاء للمساعدة في تعزيز المخزونات والتعامل مع اضطرابات الإمدادات، وفقا لمسودة وثيقة اطلعت عليها رويترز، الأسبوع الماضي.
 
تاريخ قطع الغاز
 
على مدى 15 عاما مضت، وقعت عدة خلافات بين روسيا وأوكرانيا بشأن الغاز تتعلق في الغالب بالأسعار المدفوعة، ففي عام 2006، قطعت شركة "جازبروم الإمدادات عن أوكرانيا ليو مواحد. وفي شتاء 2008/2009 تكرر انقطاع الإمدادات الروسية في أنحاء أوروبا. وفي 2014، قطعت روسيا الإمدادات عن كييف بعد ضم شبه جزيرة القرم. وتوقفت أوكرانيا عن شراء الغاز الروسي في نوفمبر 2015. وخفضت أوكرانيا الاعتماد على واردات الغاز المباشرة من روسيا، عبر آلية تدفق عكسي تسمح لها بالاستيراد من دول الاتحاد الأوروبي.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق