في ذكرى رحيله.. ماذا تبقى من تركة هيكل؟
الخميس، 17 فبراير 2022 06:48 ممحمد أبو ليلة
في عام 1997 وقبل رحيله في مثل هذا اليوم ال ١٧ من فبراير بـ 19 عاماً كتب الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل وصيته في ثماني صفحات على هية وديعة مغلقة عند رفيقة حياته وزوجته السيدة هداية تيمور.
وفي 16 فبراير من عام 2016 قبل وفاته بلحظات أملى على نجله الأكبر الدكتور على هيكل أموراً إضافية لم تتضمنها وصيته بعضها ترتيبات لما بعده وبعضها الأخر رسائل إنسانية لأصدقاء أقلقهم التدهور السريع في حالته الصحية ولم يتسن له أن يلقي عليهم نظرة وداع.
نعى هيكل
يقول الكاتب الصحفي عبد الله السناوي في كتابه "أحاديث برقاش"، أن هيكل أودع بوصيته نعياً مقتضباً وبسيطاً كتبه بنفسه بلا أي ادعاء ولا مبالغة لينشر في صفحات الوفيات بجريدة الاهرام عند رحيله، كما أوصى أن يوضع على قبره مسجل بصوت الشيخ محمد رفعت يتلو آيات من الذكر الحكيم الذي يحفظه عن ظهر قلب منذ أن كان صبياً صغيراً ويرى في صوت الشيخ الجليل نفحة من السماء، قال " لو أن صوتاً لا يتقن التلاوة أو به نشاز قرأ القرأن على قبري فإنني قد أموت فيها".
هيكل لم يكتب سيرة ذاتية وكل ما أراد أن يتركه أشار إليه في كتاباته وكتبه، أو أودعه على شرائط مسلجة بثتها محطة الجزيرة في برنامجه سيرة حياة، ونصوصها فُرغت على ورق وضبطت صياغتها لتكون صالحة للنشر وقد راجعها بنفسه.
قبل رحيله بثلاث سنوات عرضت عليه دار هاربرمولينز البريطانية التي تتولى نشر الطبعات الدولية من كتبه أن يكتب كتاباً جديداً عن الربيع العربي مُقابل مليون جنيه إسترليني، شرع في زيارات خارجية ابتدأها بلبنان للحصول على وثائق يؤكد بها روايته للحوادث العاصفة التي جرت وكان لديه ما يقوله جديداً وموثقاً، لكن مشروع هذا الكتاب لم يكتمل بسبب وفاته.
حريق مكتبة هيكل
في صباح الأربعاء 14 أغسطس من عام 2013 بعد فضي اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بساعات قليلة، اقتحمت مجموعات مسلحة الباب الرئيسي لبيت هيكل في برقاش، وأحرقوا حديقة المنزل بزجاجات المولوتوف، وأخذت تُدمر كل ما فيه من أثاث ولوحات وذكريات.
"أول ضربات الكوراث أن الكتلة الرئيسية من الكتب النادرة والوثائق التاريخية التي لا سبيل لتعويضها راحت"..يقول السناوي وهو صديق مُقرب لهيكل طيلة 15 عاماً.
مكتبة هيكل كان تحوي على 14 ألف كتاب من الذخائر العربية والدولية في الاستراتيجية والتاريخ والفلسفة والعلوم الإنسانية الأخرى والأداب والفنون، كل كتاب له قيمته التاريخية والفكرية بعضها نادر يصعب الوصول إليه أو الحصول على نسخة منه.
في وقت سابق كان هيكل قد قرر أن يودع كتبه في مكتبة عامة مع كتب أخرى لم تنلها يد التخريب والحرق ضمن مؤسسة تحمل اسمه من بينها نسخة أصلية مرقمة من 800 نسخة من موسوعة "وصف مصر" طُبعت في باريس على عهد نابليون بونابارت لكنه لعد الحريق وُجد جزأن منها في مصرف بجوار بيته ببرقاش.
من بين ما فقد فى الحريق مجموعات الوثائق الدولية والإقليمية حول مصر وتاريخيها المعاصر مرتبة بطريقة علمية لكل وثيقة ثبت يحدد موقعها وموضوعها نشر أغلبه في كتبه أو استخدمها في سياقات ما روي.
"إرث هيكل"
ويؤكد السناوي أنه لسنوات طويلة ساروت هيكل مخاوف وشكوك من أن تصل يد التخريب المتعمد إلى الوثائق فحفظها في مأمنها الأوربي مرتبة بصورة تسهل استدعاء ما يريد منها إلى القاهرة عند الحاجة إليها فكل وثيقة مرقمة في مجموعتها وكل قائمة محفوظات تشير إلى ما فيها.
وفي نوفمبر 2005 تصور أن هناك فرصة لعودة الوثائق والأوراق إلى مصر، لكنه تراجع بسبب انتقادات النظام له بعد محاضرة الجامعة الأمريكية التي أبدى تخوفه فيها من توريث الحكم لنجل مبارك.
من الحين للأخر كان يفكر هيكل في إقامة مؤسسة تحمل اسمه، وبعد مشاروات بينه وبين مؤسسة الأهرام من جهة، وبينه وبين نقابة الصحفيين من جهة أخرى كي يضع فيهما ما تبقى من وثائقه وكتاباته لتكون منفذا للأجيال الشابة من الصحفيين، استقر به المقام إلى وضع كل له من "إرث" في مؤسسته "محمد حسنين هيكل" ووضع تصور واضح لهذه المؤسسة من بينها انشاء مكتبة عامة تجمع كل ما كتب وما لدى هيكل من كتب في الصحافة والسياسة والحروب والتاريخ والمذكرات والأدب والفن وغير ذلك، بالإضافة لمكتبة مفتوحة تحوي الأوراق الصحفية والسياسية لهيكل لما فيها مجموعة كتبه ومقالاته وأحدايثه ومقابلاته تكون متاحة لكل المستغلين بالصحافة.
إضافة لمكتبة اخرى سياسية يكون استعمالها وفق تصريح من مجلس أمنا المؤسسة وتضم ما تحصل عليه هيكل من وثائق مصرية وعربية وعالمية بما يلقي أضواء أبعد على مراحل مهمة من التاريخ السياسي الحديث للشرق الأوسط، بالإضافة لمكتب مكلف بخدمة مهنية مستمرة وبلا مقابل لم يشاء من المشتغلين بالصحافة، واقامة حلقات نقاشية ودعوة صحفيين أجانب وتنظيم دورات لصحفيين مصريين عن طريق بروتوكلات بين المؤسسة ومؤسسات دولية، وعدة ركائز أخرى لعمل المؤسسة ذاتها.
"لا أعرف كيف يمكن للأجيال السابقة واللاحقة أن تعرف كثيرا من الحقائق التي حجبت أو أخفيت عمداً أو نتيجة عدم الاكتراث لولا ما نشره هيكل".. قال ذلك الكاتب الصحفي الراحل سلامة أحمد سلامة عن هيكل.
وكانت المفاجأة الكبرى بعد رحيله أن وثائقه وأوراقه لم تتحرك يوماً من «برقاش»، لا ذهبت إلى لندن ولا أى مكان آخر خارج مصر، كانت تحت البصر طوال الوقت فيما المثقفون يطرحون سؤالهم الملح: «متى تعود أوراق هيكل؟».
أخيرا.. استقرت وديعته فى مكتبة الإسكندرية، أوراقه ووثائقه، مراسلاته ومقتنياته.
بعد ست سنوات على رحيله استقرت أوراقه ووثائقه وكتبه، أو ما تبقى منها، فى مكتبة الإسكندرية، التى كانت قد طرأت على تفكيره فى رحلة البحث عن مستقر لوديعته.
مما هو لافت رمزية توقيت افتتاح معرضه الوثائقى مع مرور (80) سنة بالضبط على أول مهمة صحفية لشاب فى التاسعة عشر من عمره عند حافة الحياة والموت فى حرب العلمين.
وديعته تعطى لمحة موثقة عن مصر ما بين عامى (1952) بجوار «جمال عبدالناصر» و(1974) حين افترقت الطرق والسياسات مع «أنور السادات» ولمحة عميقة أخرى عنه شخصياً، كيف عمل؟.. ولماذا نجح؟