واشنطن تغري الحلفاء بالدعم العسكري.. «لعبة تكسير العظام مع روسيا»
الثلاثاء، 15 فبراير 2022 11:23 ص
تطورات إقليمية وعالمية كبيرة تتزايد وتيرتها مع تزايد الخلاف الروسي والأكرواني من جهة وحلف الناتو من جهة أخرى، لكن تظل الولايات الأمريكية المتحدة لاعباً رئيسياً في تلك الأحداث.
ويظل ملف الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا الملف الأكثر تواجد للتواجد الأمريكي في ظل تحركات داعمة عسكرياً على الأرض من جهة واتصالات مع موسكو من جهة أخرى.
الغزو الروسي لأوكرانيا قد يبدأ في أي وقت، وربما هذا الأسبوع، تصريحات جاءت على لسان كارين جان بيير نائبة السكرتير الصحفي للبيت الأبيض للصحفيين، مؤكدة على أن الطريق إلى الدبلوماسية لا يزال مفتوحًا لحل الأزمة.
وذكرت كارين جان بيير، أن الولايات المتحدة واضحة بشأن الوضع على الأرض، حيث يحتشد عشرات الآلاف من القوات الروسية على حدود أوكرانيا.
ومن ناحية أخرى قال البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون استعرضا الاثنين، الجهود الدبلوماسية بخصوص أوكرانيا، وأكدا دعمهما لسيادتها وسط الحشد العسكري الروسي.
وقال البيت الأبيض في بيان إن بايدن وجونسون ناقشا أيضاً خلال اتصال هاتفي الجهود المبذولة لتعزيز الموقف الدفاعي على الخاصرة الشرقية لحلف شمال الأطلسي "ناتو" واستعداد أعضائه وشركائه لفرض عواقب وخيمة على روسيا إذا اختارت المزيد من التصعيد العسكري.
لم تكن الأزمة الأوكرانية وحدها هي الأكثر نشاطا للإدارة الأمريكية، بل كان للشرق الأوسط نصيب كبير، فالاعتداء الحوثي الأخير على الإمارات، كان له رد فعل أمريكي كبير، فالمتابع للأوضاع، يرى تطور كبير في موقف واشنطن، حيث تمثل في الإدانة السياسية لهذه الهجمات الإرهابية والتعهد بمحاسبة منفذيها.
وأكدت واشنطن أيضاً على تأكيد الالتزام بأمن الإمارات والعمل مع شركائها في أبو ظبي في مواجهة كل ما يهدد أراضيهم، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، في مطلع فبراير 2022، نشر مقاتلات من الجيل الخامس لحماية المجال الجوي للإمارات، وإرسال المدمرة "يو إس إس كول" USS Cole، فضلاً عن التعاون الاستخباراتي بين البلدين بشأن تلك التهديدات.
وبعدها بأيام أعلنت واشنطن أعلنت عن صفقة لبيع مُعدات عسكرية لدعم نظام دفاع الجوي للإمارات بقيمة 65 مليون دولار، كما تم الإعلان عن صفقة مماثلة مع السعودية، وهو ما يؤكد تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة لحماية الحلفاء.
كذلك التحرك في سوريا، حيث نجحت القوات الأمريكية في توجيه ضربة نوعية ناجحة لتنظيم داعش في سوريا، أدت إلى مقتل زعيم تنظيم داعش في إحدى قرى محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وهو ما اعتبره الرئيس الأمريكي جو بايدن حمايةً للشعب الأمريكي "وحلفائنا ولجعل العالم مكاناً أكثر أمناً".
كل هذه التطورات يراها الدكتور علي الدين هلال، في عرض بحثي بعنوان: "هل تُغير واشنطن استراتيجيتها لدعم حلفائها في المنطقة؟"، أنها نقطة تحول كبيرة أظهرت تغير في استراتيجية واشنطن تجاه منطقة الشرق الأوسط.
يقول إن الدول الكبرى لا تغير استراتيجياتها السياسية والعسكرية بسرعة أو نتيجة لحادث هنا أو هناك، خاصة أن الاستراتيجية الأمريكية المُتبعة تتضمن إمكانية اتخاذ مثل هذه الإجراءات في إطارها من دون الحاجة إلى تغيير الأسس التي أُقيمت عليها، لكن الإجابة على سؤال: "هل تغير واشنطن سياسيتها؟"، تستند إلى دراسة تطور الالتزامات الأمريكية تجاه الدول الصديقة والحليفة في منطقة الخليج والشرق الأوسط عموماً، وإلى تحديد الولايات المتحدة لأمنها القومي والمصالح الحيوية المُرتبطة به.
وأردف: "كانت المصالح التقليدية الأمريكية على مدى عقود تتمثل – وبدون ترتيب - في حماية أمن إسرائيل، وإمدادات النفط، وضمان الاستقرار الإقليمي، وحماية الحلفاء والشركاء من الاعتداءات الخارجية. وفي مرحلة لاحقة، أصبح الخصم لواشنطن هو التنظيمات السياسية المتطرفة وأنشطتها الإرهابية، ثم أصبح الهدف هو منع إيران من أن تصبح قوة نووية وعسكرية في الإقليم. وبالطبع، فإن إضافة أهداف ومصالح جديدة لا تعني إلغاء ما سبق، وإنما إعادة ترتيب الأولويات.
يرى هلال أن المبدأ الحكام للسياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط كان طول الوقت هو حماية المصالح الأمريكية، وعملت الولايات المتحدة على تنمية قدراتها العسكرية في دول المنطقة والتي تُوفر لها فرصة التدخُل إذا تعرضت هذه المصالح للخطر، وظلت طرفاً رئيسياً في أغلب التفاعلات السياسية والاقتصادية والعسكرية في الملفات المشتعلة في المنطقة.
يضيف أن هذه الترتيبات مستمرة لم يطرأ عليها تغيرات جوهرية بعد إعلان واشنطن استراتيجية "التوجه شرقاً"، ما عدا بعض الأمور، مثل انتهاء عمل القواعد الأمريكية في السعودية وسحب منظومة صواريخ " باترويت" منها، والإعلان عن انسحاب القوات المقاتلة من العراق مع استمرار المستشارين والمدربين في أداء عملهم، ونقل بعض المعسكرات من قطر إلى الأردن، وكل هذا في إطار الاستراتيجية العسكرية الأمريكية القائمة.
ويوضح أنه ينبغي فهم ما يتردد عن الانسحاب العسكري الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط، فليس المقصود على الإطلاق تخلي واشنطن عن وجودها العسكري في المنطقة، والمقصود أساساً هو عدم انخراط القوات الأمريكية في حروب المنطقة بأعداد كبيرة على النحو الذي شهده العراق بعد عام 2003، ولكن ذلك لا يعني عدم استخدام الولايات المتحدة للأداة العسكرية دفاعاً عن أمن الدول الحليفة والصديقة لها إذا تعرضت لعدوان خارجي.
وبالتالي فإن الدعم العسكري الأمريكي للإمارات وحلفائها يدخل في صميم الالتزام بالدفاع عن الحلفاء، خصوصاً عندما تتوافر الشروط اللازمة والمُبررة لهذا الدعم، فهو دعم لمواجهة هجوم قادم من خارج حدود الدولة، وفق هلال. ويدخل مراقبون أوكرانيا في نفس السياق، حيث عززت قدراتها الدفاعية والهجومية.
وانتهى أستاذ العلوم السياسية إلى أن الاستراتيجية العسكرية والأمنية للدول الكبرى تقوم على تقدير دقيق لخريطة المخاطر والتهديدات العالمية، وعلى معرفة توازن القوى مع الخصوم والأعداء ليس فقط حالياً أو في الأجل المتوسط، ولكن في الأجل الطويل أيضاً، وعلى استشراف للسيناريوهات المُحتملة في تطور العلاقات مع الحلفاء والأصدقاء من ناحية، ومع الخصوم والأعداء من ناحية أخرى.
ووفق الدراسة التي نشرها مركز المستقبل للدراسات، فإن كل وثائق الأمن القومي الأمريكي، ودراسات مراكز الفكر والبحوث الأمريكية؛ تشير إلى أن الصين تمثل التحدي الرئيسي لدور الولايات المتحدة القيادي في العالم ولمكانتها الدولية، وطالما ظل هذا الاعتقاد سائداً في أجهزة التخطيط الاستراتيجي الأمريكي، فإن الأولوية ستظل مواجهة الصين وروسيا ومحاولة احتوائهما.
واختتم: يترتب على ذلك أن ندرك أن الشرق الأوسط لم يعُد ضمن أولويات السياسة الأمريكية في قضايا الحرب والسلام باستثناء السلاح النووي الإيراني، وأن واشنطن لن تُقدم على إرسال أعداد كبيرة من قواتها المسلحة للمُشاركة في صراعات المنطقة. ولكن ذلك لا يمنعها بالتأكيد من تقديم المدد العسكري واللوجيستي وأعداد من المستشارين والمدربين لدعم شركائها في المنطقة، خاصة عندما يربطها بإحدى الدول العربية اتفاقية دفاع أو تعاون عسكري مشترك مثل حالة الإمارات التي يربطها بالولايات المتحدة اتفاقية للتعاون الدفاعي والأمني بدأ سريانها في مايو 2019، والتي تتضمن عقد حوار عسكري بين البلدين سنوياً؛ كان أحدث حلقاته في ديسمبر 2021.