الحرية والحرام.. هناك فرق

الإثنين، 24 يناير 2022 04:03 م
الحرية والحرام.. هناك فرق
شيرين سيف الدين

 
بناء جيل جديد سوي محترم مجتهد محافظ على قيم ومبادئ المجتمع يعد أمرا هاما لبناء الأمة والحفاظ على الوطن، ويحتاج الأمر إلى تضافر جهود الجميع كي نصل إلى ما نصبوا إليه، والبداية دائما تأتي من البيوت.
 
أصبح من المهم جدا أن نوضح لأبنائنا الفرق بين الحرية والحرام، فالحرام يظل حراما مهما اختلفت الأزمنة، كما أن هناك سقفا للحرية ينتهي عند حدود الآخرين فأنت حر إن لم تضر.
 
قيم الأسرة يجب أن تحافظ عليها الأسرة أولا، فلا يماثل دور الأب والأم في التربية وبناء الشخصية أي دور آخر، حتى المدرسة تعتبر عنصر مساعد لا يغني عن دور الأهل في تقويم سلوك الأبناء وتوجيههم وتربيتهم تربية سليمة، كما أن القوى الناعمة برغم دورها الكبير إلا أنها مجرد داعم لدور الأسرة وليست بديل، لذا من الضروري أن يقترب الآباء والأمهات من أبناءهم بقوة في الزمن الحالي، وأن يقيموا معهم علاقات قوية قائمة على المحبة والصداقة والثقة والاحترام المتبادل منذ الصغر.
 
وتعتبر مصارحة الأهل للأبناء وتوعيتهم حول بعض الأمور في هذا الزمان أمرا ضروريا لا يستدعي الخجل، فالحديث حول فكرة المثلية الجنسية مثلا لابد أن يكون مصدره الأول هم الأهل كي يوضحوا لأبنائهم مدى حرمانية هذا الأمر في جميع الأديان وأضراره ومخالفته للفطرة السليمة، وتسببه في انهيار الأسر، والتأكيد على عواقبه الوخيمة وعلى أن مثل هذا الأمر لا يعد حرية شخصية بل أنه يدخل في نطاق الحرام البين، ولابد أن يتطرق الأهل أيضا للحديث مع أطفالهم عن أجسادهم وحدود الآخرين في التعامل معها، وتشجيعهم على التصدي منذ الصغر لأية محاولة للعبث بهم أو خدش حياءهم بالفعل أو القول، كما أن على الأهل دور كبير في تأديب الأطفال ونهيهم عن التعدي على أجساد الآخرين سواء بالعنف أو التحرش والتأكيد على مبادئ احترام النفس والغير وتقوى الله .
 
إن التطرق لمثل تلك الأمور يساعد الأبناء على الفهم وتكوين خلفية ومعلومات من مصدر موثوق بالنسبة لهم، تصبح كحائط الصد أمام ما يواجهونه من أفكار مضادة قد يتلقونها مستقبلا.
 
أمور خطيرة كثيرة علينا الانتباه لها ومراقبتها كي نستطيع احتواءها في مراحل مبكرة، وقيم عديدة يبدأ غرسها منذ الصغر فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر، ولا يكفي الأهل الحديث والإرشاد والتوجيهات الكلامية بل عليهم أن يكونوا قدوة لأبنائهم بالفعل لا بالقول فقط، فالأبناء يسيرون على خطى الآباء لا على كلامهم النظري الذي لا يطبقونه هم شخصيا، فلا يمكنك مثلا إجبار ابنك على الصلاة وأنت لا تحافظ عليها، ولا يمكنك نهيه عن الكذب في حين أنك تكذب أمامه بكل بساطة!.
 
وبما أننا أصبحنا اليوم نعيش في عالم مفتوح لا تفصل بينه حدود في ظل وجود الإنترنت، وبضغطة زر واحدة تبدأ رحلاتك حول العالم أجمع وأنت متكئ على أريكتك، تجول وتصول في المجتمعات المختلفة وتتفاعل مع بشر من جميع أنحاء العالم بمختلف أفكارهم ومبادئهم ودياناتهم، والعالم كله أصبح قرية صغيرة نعيش فيها سويا، وكل شيء أصبح بين أيادي الجميع وعلى رأسهم الأطفال الذين يقضي أغلبهم معظم أوقاتهم بصحبة الأجهزة الإلكترونية دون رقيب ولا حسيب ولا توجيه مع الأسف، لم يعد طفل اليوم كطفل الأمس أبدا سواء من ناحية الخبرات أو التفكير أو الانفتاح على العالم الخارجي، وأصبح من المستحيل فصله عما يدور حوله أو منعه من التعرف على مختلف الأفكار والثقافات، والمشكلة الحقيقية تكمن في انحسار دور الأسرة وانشغال الأهالي في عالمهم المادي البحت، وعدم اهتمام الكثيرين بتقوية العلاقة مع أبناءهم وتوجيههم بشكل سليم، ومناقشتهم فيما يشاهدونه ويقرؤونه والتعرف على أفكارهم وتوجهاتهم ورغباتهم والاهتمام بتربيتهم على الأخلاق الكريمة .
 
أصبح الجميع بمختلف طبقاتهم يلهثون وراء جني المال، لتلبية الرغبات المادية في ظل مغريات الحياة الكثيرة التي تزداد يوما بعد يوم، في حين أن الجانب النفسي والعاطفي والروابط الأسرية والتربية هي الأهم وهي المدخل الأساسي لتقويم سلوك الأبناء لما فيه صالحهم وصالح المجتمع.
 
مع الأسف لم تعد الأسرة تجتمع على طاولة طعام واحدة تتناول خلالها الأحاديث وتناقش الأمور الخاصة بأفرادها إلا نادرا، ولم يعد هناك اهتمام بفكرة النزهات الأسرية التي تقوي الروابط العاطفية وتبني الذكريات، ولم تعد الكثير من الأمهات تنتظر أبنائهن أثناء العودة من المدرسة أو الجامعة للتعرف على  طبيعة سير اليوم وما مر به الأبناء من تجارب أو مشكلات ومحاولة احتواءهم ومساعدتهم على تخطي مشكلات المراحل السنية المختلفة، ولم يعد الكثير من الآباء يستمعون لأبنائهم ويتواجدون بجوارهم لانشغالهم بما هو أهم من وجهة نظرهم.
 
إن القيم المجتمعية التي ينادي الجميع بأهميتها تحتاج لأسر مترابطة ولأم وأب يمنحون أبناءهم وقتا قيما وليس مجرد تواجد جسدي دون اهتمام حقيقي وتركيز.
 
من المؤسف أن الكثير من المبادئ والسمات الأساسية للشخص الذي نطلق عليه "متربي وابن ناس" أصبحت نادرة في ظل إهمال الأهل تربية أبناءهم، ووصل بنا الحال لأن نشهد جرائم أخلاقية لم تعد محصورة في فئات معينة كما كان في السابق، بل على العكس أصبحت تتم من خلال من كان يُطلق عليهم "ولاد ناس"، وأصبح الخاسر الأكبر في النهاية هم الأهل الذين تهاونوا في القيام بدورهم التربوي تجاه أبناءهم حتى أضاعوهم وأفشلوهم وخسروهم للأبد، وانتهى الحال بالكثيرين منهم في السجون بسبب ارتكابهم جرائم أخلاقية واستهتارهم بحياة الآخرين، ومنهم من فقد حياته في حوادث طرق سببها الاستهتار والمخدرات وغيرها كما شاهدنا مؤخرا.
 
القضية حقا ليست قضية أفلام وأعمال فنية تدس السم في العسل فقط، لكن القضية الأكبر هي قضية التفكك الأسري واهمال الأهل دورهم الأساسي في التربية التي إن اهتموا بها لن يستطيع ألف فيلم أن يؤثر في سلوك وقناعات أبناءهم، وبالرغم من اقتناعي بأهمية دور الفن في الارتقاء بالمجتمعات ورفضي تقنين وتمرير ما لا يليق بمجتمعنا، إلا أن من وجهة نظري أن المنع لن يجدي كثيرا فأغلب الأجيال الحالية منفتحة على سينما ودراما الغرب بشكل أكثر وأكبر، ولن يمكن لأحد منع هذا الجيل من شيء إلا بالحكمة والإقناع العقلي المبني على أسس منطقية، وبوجود علاقة وثيقة بين الآباء والأبناء، والتأكيد على ضرورة احترام الثقة المتبادلة بينهم وبين الأهل وضرورة مراعاة حدود الله فيما يشاهدونه.
 
إن الأبناء أمانة حملها ثقيل وتربية الأجيال الجديدة لم تعد مهمة سهلة أبدا، فمن لا يجد في نفسه القدرة والرغبة في بذل الجهد من أجل إنبات نشأ محترم ومفيد لنفسه ولمجتمعه أنصحه بتأجيل فكرة الإنجاب أو الاكتفاء بطفل واحد يستطيع الاهتمام به مهما كانت قدراته المالية، فالمال وحده لا يكفي، والشواهد كثيرة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق