مكتبة الإسكندرية تصدر موسوعة «طريق الحرير»

الخميس، 21 يناير 2016 05:03 م
مكتبة الإسكندرية تصدر موسوعة «طريق الحرير»
مكتبة الإسكندرية

أصدرت مكتبة الإسكندرية موسوعة "طريق الحرير" من تأليف أشرف أبو اليزيد وهي موسوعة لمصدر عربي يوثق بها أشهر طرق الرحلات العالمية، وذلك في إطار مشاركة مكتبة الإسكندرية مع وزارة الثقافة في احتفالية عام الصين في مصر بمناسبة زيارة رئيس جمهورية الصين إلي مصر.

وطريق الحرير هو اسم جامع لخطوط القوافل البرية من وإلى الصين في أقصى الشرق، مرورًا بالقارة الآسيوية غربًا، ووصولًا إلى قلب أوروبا.

وتقع الموسوعة المصورة في 220 صفحة، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول يضم المدن التي وصل إليها طريق الحرير أو عبر بها، وقدم فيها الكاتب 374 مدينة، بينما عرض القسم الثاني الآداب والفنون التي اشتهرت في أرجائه، والجزء الثالث والأخير للممالك والأعلام التي عرفها طريق الحرير خلال نحو 16 قرنًا.

يأتي هذا الإصدار في إطار مشروع طريق الحرير الذي تنفذه إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية، وتعد هذه الموسوعة الثانية في السلسلة بعد كتاب "سمرقند"، كما سيصدر في هذا المشروع كتاب "السجاد المملوكي" و"مراكز صناعة الحرير في مصر عبر التاريخ".

ويقول المؤلف "الأيام التي عشتها في مدن طرق الحرير، سواء بالصين، وأوزبكستان، والهند، وسواها من الدول، هي التي أحيت فيَّ فكرة كنتُ أظنها مرهونة بالتاريخ وحسب، فقد كان الغالب أن طريق الحرير مرتبط بالماضي، وأردت، بالبحث في متونه، والقراءة عن فنونه، والتنقل بين مدنه، أن أثبت أنه لم يمت، هكذا رأيته في سمرقند وبخارى مثلما عايشته في كاشغر وأوبال."

ويوضح المؤلف، أنه كان يظن أن طريق الحرير يمر بعشرين أو ثلاثين مدينة، ولكنه جاوز 160 مقصدًا، سواء كانت تلك المقاصد مدنًا سادت ثم بادت، أو بقاعًا غيرت أسماءها ولغاتها، وتعاقب عليها الملوك مثلما تبدلت بها الأديان.

ويبين أنه على الرغم من أننا نعد طريق الحرير تاريخًا، إلا أن مدنه لا تزال تنعمُ بذكريات الازدهار، فطريق الحرير الصيني اليوم، يأتي على رأس قائمة مواقع الجذب السياحي في منطقة شينجيانغ، شمال غرب الصين، التي يعبرها إلى وسط وغربي آسيا، وفي الوقت نفسه يربط طريق الحرير شينجيانغ بالمناطق الداخلية في الصين.

وكان العرب - حتى قبل ظهور الإسلام - وسيطًا تجاريًّا مهمًّا بين الشرق والغرب؛ حيث كانت التجارة القادمة من الشرق (بخاصة الهند والصين) تمر ببلاد العرب عبر طريقين رئيسين؛ الأول يمر بعدن في جنوب غرب اليمن بالبحر الأحمر، حيث تأتي السفن، بعضها يواصل سيره في البحر الأحمر إلى ميناء القلزم (السويس) في مصر، ثم تفرغ حمولتها، وتنقل البضائع بالقوافل إلى الموانئ المصرية على البحر المتوسط، وبخاصة ميناء الإسكندرية، ثم تشحن في السفن بحرًا مرة أخرى إلى أوروبا، وبعضها الآخر يفرغ حمولته في عدن، ثم تحملها القوافل برًّا عبر الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية المطل على البحر الأحمر، وتمر بمكة المكرمة، التي كانت مركزًا تجاريًّا مهمًّا، وبعضها يواصل سيره إلى ميناء غزة في فلسطين.

أما الطريق الآخر فكان يمر عبر الخليج العربي، حيث تواصل السفن سيرها وتفرغ حمولتها في أقصى شماله، بميناء الأيلة غربي البصرة (العراق)، ثم تنقل البضائع على القوافل برًّا عابرة العراق إلى الشام؛ حيث تفرغ حمولتها في موانئ عكا وصور وصيدا وبيروت واللاذقية وأنطاكية، ثم تشحن بحرًا إلى أوروبا.

وقامت التجارة في أغلبها على جلب الحرير من الصين، والتوابل والبخور من الهند،وكانت هذه البضائع مطلوبة على نطاق واسع في أوروبا، وكان العرب يقومون بدور فعال ونشط في عملية التجارة.

أما في العصر الأموي لم يعد العرب وسيطًا تجاريًّا لنقل البضائع بين الشرق والغرب، وإنما أصبحوا سادة الموقف كله، بعد امتلاكهم الطرق التجارية البحرية والبرية، من الصين إلى الأندلس، فبالإضافة إلى ما سبق الحديث عنه بسط المسلمون سيادتهم على الطريق الذي يبدأ من شمال الصين، ثم يجتاز هضاب وسط آسيا وسهولها (بلاد ما وراء النهر) ثم يتفرع إلى عدة طرق، تنتهي كلها إلى موانئ البحر الأسود والبحر المتوسط، ويمر معظمها في الأراضي الإسلامية، ثم تنقل التجارة إلى أوروبا الشرقية والجنوبية، أمَّا أوروبا الغربية وشمال إفريقيا والأندلس، فكانت معظم تجارتها تأتي من الطريق الأول عبر الموانئ المصرية.

وسيطر المسلمون على النشاط التجاري في تلك الرقعة الواسعة من الأرض وأصبحت بلادهم تصدِّر البضائع والمنتجات إلى بلاد الشرق والغرب، فتصدر إلى (الصين) المنسوجات الصوفية والقطنية والكتانية، والبُسُط، والمصنوعات المعدنية، وخام الحديد، وسبائك الذهب والفضة، كما كانت تستورد منها الحرير.

وساعد على ازدهار تلك الحركة التجارية العالمية اهتمام الدول الإسلامية المتعاقبة على حكم تلك البلاد بإنشاء الطرق، وتعبيدها وتأمينها، فكانت القوافل تسير في طرق آمنة، تنتشر على جوانبها الفنادق والاستراحات والأسواق، كما كانت التجارة أعظم مصادر الثروة في العهد المملوكي؛ إذ قاموا بتشجيعها، وعقدوا المحالفات والاتفاقات التجارية مع سلاجقة آسيا الصغرى، وإمبراطور القسطنطينية، وملوك إسبانيا، وأمراء نابلس، وجنوة، والبندقية وكاد المماليك أن يحتكروا تجارة الهند، وخاصة التوابل، بالاتفاق مع أمراء الموانئ الإيطالية.

قد يكون طريق الحرير مسلكًا فوق الرمال، وممرًّا بين الجبال، ودربًا يقطع الفيافي، وجسرًا يعبر الأنهار، وحياة كاملة فوق قافلة تمضي شهورًا من مكان إلى آخر، لكنه قبل ذلك كله صنيعة الإنسان، ففي القرن الخامس الميلادي، عرفت شعوب الأرض، للمرة الأولى في تاريخها، مدينة يبلغ عدد سكانها المليون نسمة، تلك كانت تشانغآن، في زمن لم يكن أحد يدري عن قرية لوتيتا شيئًا؛ وهي التي ستصبح لاحقًا عاصمة فرنسا؛ باريس، وفي زمن كان صيادو السمك قد بدأوا يتجمعون فيه عند نهر التايمز، وعصر كانت فيه موسكو تحت المعاول تنشأ، ولم يكن كريستوفر كولومبس قد تحرك نحو عالمه الجديد بعد.

لذلك كان طريق الحرير ابن هذه المدينة وأخواتها من المدن الزاهرة في عصرها والعصور اللاحقة، والتي واصلت تألقها حتى ظهر طريق الحرير البحري بعد الاكتشافات البحرية لخطوط الملاحة حول رأس الرجاء الصالح، والذي أضاف الكثير إلى الثقافة فمع التجارة جاءت ثقافات، وألسنة ولهجات، وفنون وآداب، وهاجر أعلام، وتنقل رحالة، وهنا ظهرت أهمية طريق الحرير كشريان عبر نبضه عن حياة العالم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة

كيف نحمي أطفالنا من التطرف؟

كيف نحمي أطفالنا من التطرف؟

الإثنين، 23 سبتمبر 2024 06:30 م