قرار ترامب .. القدس عاصمة لإسرائيل مائة عام من التمهيد
الأحد، 10 ديسمبر 2017 07:08 م
بعد التدخل الأمريكي السافر بإعلان ترامب أن القدس عاصمة إسرائيل يتحتم علينا مواجهة عدد من المغالطات التاريخية الفجة والمصحوبة بتجرؤ منقطع النظير على حقوق الشعوب وحرياتها المقدسة .
فإذا بحثنا عن شهادة ميلاد القدس والتأصيل التاريخى لها نجد أنها في الأصل تحمل اسم يبوس نسبة إلى أحد البطون الكنعانية، وكانت سكنى لهؤلاء الكنعانيين ومركزًا لعبادتهم، ولفظ أورشليم مأخوذ من لغة الكنعانيين المكون من مقطعين (يورى) بمعنى مدينة و(شليم) اسم إله الكنعانيين بمعنى السلام ، ويرجع تاريخها إلى القرن 15 ق.م.
لم تذكر التوراة أن اليهود هم من أسسوا مدينة القدس، بل جاءوا إليها أثناء غزو يوشع بن نون للمنطقة، وقد شهد الكاتب اليهودي ألفريد ليلنتال أن الكنعانيين هم أول من سكنوا فلسطين ثم تتابعت بعدها القبائل العربية ثم العبرية.
والحقيقة فإن المستشرقين اليهود هم أول من ربط اليهود بالمنطقة العربية وتحديدًا فلسطين، حيث وجهوا الاستشراق الغربي نحو هذا الهدف من خلال هيكلة المنطقة العربية والإسلامية، وفقًا للمنظور الاستشراقي اليهودي، واجتهدوا في استحضار عوامل صراع شرقي - غربي بغية حشد الغرب في صفوفهم، واستخدموا آلاف المطبوعات الصادرة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، لتصل بسهولة ويسر للباحثين الغربيين.
ونتعرض هنا لعدة نقاط ثابتة لا يمكن العبث بها أو تغييرها، وقد تعرض لها المستشرقون اليهود في محاولات لبث مزاعمهم، أول هذه النقاط هي الارتباط العقدي الإسلامي بالقدس والمسجد الأقصى منذ بداية الرسالة، وأن رحلة الإسراء والمعراج حقيقة ثابتة عايشها النبي صلى الله عليه وسلم بجسده وروحه، وليس أدل على ذلك من وصف النبي صلى الله عليه وسلم للمسجد بتفاصيله كأنه يراه في حضور المشركين في مكة وهو الذي لم يره قبل الإسراء قط، وهو ما يدحض زعم المستشرقة الإسرائيلية حافا يافا و الأكاديمي الإسرائيلي مردخاى قيدار، أن قصة الاسراء والمعراج كانت فى بدايتها مجرد "أسطورة" و "زيف تاريخي" ثم صارت "حدثًا تاريخيًّا" وأساسًا "إيمانيًّا فى الإسلام".
وتزعم المستشرقة أنه منذ ذلك الحين ومكانة القدس عزيزة لدى المسلمين ، حتى وقعت تحت احتلال الحملات الصليبية فكانت عزتها وارتباط المسلمين العقدي بها سببا في العمل على تحريرها حين جاء صلاح الدين (عام 1187م - 583هـ) محررا لها بجيوش المسلمين ، وتلك الحقيقة تنفي زعم " يافا " أن الذي عزز مكانة القدس في الإسلام هو مجيء الحملات الصليبية، وتحويل قبة الصخرة إلى كنيسة مسيحية. كما ان قصة الإسراء والمعراج تدحض زعم يافا ومعها المستشرق عمانوئيل سيفان أن تقديس المسجد الأقصى ورثه المسلمون عن اليهودية والمسيحية.
إضافة إلى أن المستشرقين اليهود لا يرجعون إلى مصدر علمى لتوثيق أقوالهم، ولا إلى مصدر إسلامي وهو ما يخل بالمنهجية العلمية، فجميع أقوالهم تنم عن رؤية عنصرية شديدة وإنه من الأمور البديهية عند دراسة دين من الأديان الرجوع إلى مصادره الأصلية دونما لي للنصوص أو أخذها إلى معان بعيدة عن المفهوم الأصلي المراد من النص.
ومنذ وعد بلفور المشؤوم روج اليهود لمقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" ويعنون أن أرض فلسطين كانت خالية من السكان، وبالتالى يحق لليهود المجئ إليها وإقامة دولتهم فيها، وهي مقولة تجافي الواقع والحقائق التاريخية، فقد كان اليهود مجرد أقلية ضئيلة العدد حتى بدايات القرن العشرين.
ومع تحول التوجه الاستشراقي اليهودي إلى مراكز البحث المنتشرة في الجامعات العبرية، بل والجامعات الأوربية والأمريكية، نجد أن تلك المراكز ما هي إلا امتداد للفكر الاستشراقى اليهودي، حيث سخرت الصهيونية كل المقدرات لبث المزاعم المسمومة لإثبات أحقية وجودها بالقدس والمسجد الأقصى.
وعلى سبيل المثال نجد مركز "أوميديا " الإسرائيلي للأبحاث والدراسات التابع لجامعة حيفا، ويعمل فى مجال الأبحاث المتعلقة بالقضايا الإسلامية والعربية وعلى رأسها قضية القدس، يزعم في أبحاثه أن ارتباط المسلمين بالقدس ليس إلا "حلم سياسي" لا يمثل عقيدة دينية لدى المسلمين، وإنما هو "ارتباط سياسي"، جاء في أعقاب أحداث تاريخية منها الحملات الصليبية قديمًا، واستيلاء الجيش الإسرائيلى عليها حديثا عام 1967م.
وفي الختام أقول إن هذا القرار الجائر يزيدنا تمسكًا وتوحدًا من أجل الحق وحماية مقدساتنا وشعائرنا ومسجدنا الأقصى وكنائسنا ورموزنا الدينية.
ويحضرنى الآن في شأن القدس كلمات للشاعر الفلسطيني وائل الشيوخي، وما أفاض به وجدانه فيما يتعلق بانقسام الفصائل الفلسطينية، يقول الشاعر:
إسرائيل اليوم في عيد .. وموتنا هو الخبر السعيد
ما دام اليتيم فينا الوليد .. ونذبح من الوريد الى الوريد
سامحنا يا شهيد .. مات الذي من أجله رحلت
ما عاد صوت القدس يصيح .. القدس تموت
كما تحضرني قصيدة أخرى للشاعر العراقى أحمد مطر يعبر فيها عن انتهاكات مقدساتنا في القدس فيقول:
شارون يدنس معتقدى ويمرغ في الوحل جبيني
وأميركا تدعمه جهرًا وتمد النار ببنزين
وأرانا مثل نعامات دفنت أعينها في الطين
وشهيد يتلوه شهيد من يافا لأطراف جنين
فلنتوحد جميعا - عربا وفلسطينين، مسلمين ومسيحيين - للدفاع عن مقدساتنا وهو أشرف أنواع الدفاع، ولنشعل أنوار الحقيقة ومآذن المساجد واجراس الكنائس، فما بين وعد بلفور 1917 وقرار ترامب 2017 مائة عام من التجهيز الصهيوني والتأطير السياسي والديني حتى وصلوا إلى القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للدولة الصهيونية.. وأبدًا لن نستسلم، ولن نرضخ، ولن نترك مسجدنا الأقصى، ولنعتصم بحبل الله جميعًا ولا نتفرق، فلنا رب يحمينا ويحق الحق والعدل بإذنه تعالى.