الإسلام يحرم السحر.. والمصريون ينفقون عليه المليارات سنويا.. ليست مفاجأة.. القرآن ينفى وجود السحر
الإثنين، 29 مايو 2017 02:00 مكتب- حمدى عبدالرحيم
تأتى سيرة السحر فيندفع أحدهم قائلا: «نعم، السحر مذكور فى القرآن».
أحدهم هذا يريد توجيه الحديث للتأكيد على مقدرة الساحر وقدرات السحر، فإن طالبته بدليل نظر إليك مستنكرا ورماك بخمس كلمات فقط جاءت فى آية بسورة البقرة فى سياق الحديث عن السحر: «يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ». الكلمات الخمس هى دليله ودليل غيره لإثبات قدرة السحر على النفع والضر، وهو دليل عجيب جدا لأسباب:
الأول: اجتزاء جملة من آية.
الثانى: عدم ذكر الآية بأكملها.
الثالث: عدم ذكر الآية التى قبلها.
الرابع: عدم ذكر الآية التى بعدها.
الخامس: الجهل بتفاسير الآية.
ولكى نفلت من عيوبهم نقول: لا بد من تلاوة الآيات الثلاث معا وفى سياق متصل ليعرف السامع أصل القصة (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (103)سورة البقرة.
أظن أن الكلام واضح وهو حكاية عن أهل الكتاب، وعن ذلك يقول الأستاذ محمد هادى معرفة: «من سياق الآيات المتتابعة التى تتحدث عن عدم إيمان بعض أهل الكتاب بالقرآن المصدق لما أنزل إليهم، وهم يعرفون أنه الحق وكأنهم لا يعلمون واتبعوا الوحى الشيطانى المخالف له، والذى افتراه شياطين الإنس والجن على ملك سليمان، وينفى المولى عز وجل أن يكون هذا الكلام من قول سليمان إذ يقول: «وما كفر سليمان» بمعنى أنه برىء مما يتقولونه عليه، ولكن الشياطين الذين افتروا على النبى سليمان يعلمون الناس السحر، بمعنى التشريعات والأقوال المنسوبة كذبا، كما توضح الآية للنبى سليمان، وهى مناقضة بالطبع للقرآن الكريم والكتب السماوية المنزلة.
ذلكم كان السياق العام للآيات الثلاث الذى من دونه ينقطع خيط التواصل مع المستمع، وبعد إقامة بناء السياق نلتفت إلى إحدى مشكلات الآيات وهى ذكر اسميّ هاروت وماروت.
بداية هما ليسا ملكين من الملائكة بحال من الأحوال، ومن اعتقد خلاف ذلك فهو وشأنه، لأن الله عز وجل قال فى وصف الملائكة: «لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ».
ثانيا: ليس هناك وجه لحجة أن الملائكة فعلوا ما أمرهم الله به، لأن الله لا يأمر بالفحشاء، وليس أفحش من السحر كما سيأتى بيانه.
ثالثا: قال الشيخ الأستاذ محمد جمال الدين القاسمى فى تفسيره «محاسن التأويل: «الذى ذَهَب إليه الْمُحَقِّقُون أنَّ هَارُوت ومَارُوت كَانا رَجُلَين مُتَظَاهِرَين بالصَّلاح والتَّقْوى فى بَابِل، وكانا يُعلِّمَان النَّاس السِّحْر. وَبَلَغ حُسْن اعْتِقَاد النَّاس بِهِما أنْ ظَنُّوا أنَهما مَلَكَان مِن السَّمَاء، وما يُعلِّمَانِه للنَّاس هو بِوحْى مِن الله، وبَلَغ مَكْر هَذَين الرَّجُلَين ومُحَافَظتهما على اعْتِقَاد النَّاس الْحَسَن فِيهما، أنهما صَارَا يَقُولان لِكُلّ مَن أرَاد أن يَتَعَلَّم مِنهما: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)، أى: إنما نَحْن أوُلو فِتْنَة نَبْلُوك ونَخْتَبِرُك، أتَشْكُر أمْ تَكْفُر، ونَنْصَح لَك ألاَّ تَكْفُر، يقولان ذلك لِيُوهِما النَّاس أنَّ عُلومَهما إلَهِيَّة، وصِنَاعَتهما رَوْحَانِيَّة، وأنهما لا يَقْصِدَان إلاَّ الْخَير».
انتهى كلام القاسمى وهو واضح أشد الوضوح فى نفى انتساب هاروت وماروت للملائكة الكرام عليهم جميعا الصلاة والسلام.
ثم فى تفسير الآية سأنقل عن الأكابر لكى لا يقول لى أحد أن الشيخ فلان قال والشيخ علان فسّر، فعن شيخ المفسِّرِين ابن جرير: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ)، قال: لم يُنْـزِل الله السِّحْر.
وروى أيضا عن الربيع بن أنس (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) قال: ما أنْزَل الله عليهما السِّحْر.
ثم قال ابن جرير: فَتَأويل الآيَة: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) إلى: «ولم يُنْـزِل على الْمَلَكَين»، واتَّبَعُوا الذى تَتُلُوا الشَّياطِين عَلى مُلْك سُلَيمَان مِن السِّحْر، وما كَفَر سُلَيمَان ولا أَنْزَل الله السِّحْر على الْمَلَكَين، ولكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُون النَّاس السِّحْر بِبَابِل هَارُوت ومَارُوت، فَيَكُون حِينئذ قوله: (بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) مِن الْمُؤخَّر الذى مَعْنَاه التَّقْدِيم.
وقال الإمام القرطبى: «(وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) «مَا» نَفِى، والوَاو للعَطْف على قَولِه: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ)، وذلك أنَّ اليَهُود قَالُوا: إنَّ الله أنْزَل جِبْرِيل ومِيكَائيل بالسِّحْر؛ فَنَفَى الله ذلك، وفى الكَلام تَقْدِيم وتَأخِير، التَّقْدِير: ومَا كَفَر سُلَيمَان ومَا أُنْزِل على الْمَلَكَين، ولكِنَّ الشَّياطِين كَفَرُوا يُعَلِّمون النَّاس السِّحْر بِبَابِل هَارُوت ومَارُوت؛ فَهَارُوت ومَارُوت بَدَل مِن الشَّياطِين فى قَوله: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا).
ورجّح القاسمى كون «ما» نافية، ولفظ (الْمَلَكَيْنِ) هنا وارِد حَسب العُرْف الْجَارِى بَيْن النَّاس فى ذلك الوَقْت.
ثم خَلَص القاسمى إلى: «أنَّ مَعْنى الآية مِن أوَّلها إلى آخِرها هكذا: أن اليَهود كَذَّبُوا القُرآن ونَبَذُوه وَرَاء ظُهورِهم، واعْتَاضُوا عَنه بالأقَاصِيص والْخُرَافَات التى يَسْمَعُونَها مِن خُبَثَائهم عن سُلَيمَان ومُلْكِه، وزَعُمُوا أنه كَفَر، وهَو لَمْ يَكْفُر، ولكن شَياطِينهم هُم الذين كَفَرُوا، وصَارُوا يُعلِّمُون النَّاس السِّحْر، ويَدّعُون أنه أُنْزِل على هَارُوت ومَارُوت، اللذين سَمَّوهما مَلَكَين، ولم يَنْزِل عَليهما شَيء.. فأنْتَ تَرَى أنَّ هَذا المقَام كُله ذم، فلا يَصِحّ أن يَرِد فيه مَدْح هَارُوت ومَارُوت. والذى يَدُلّ على صِحَّة مَا قُلْنَاه فِيهما أنَّ القُرآن أنكَر نُزُول أيّ مَلَك إلى الأرْض لِيُعَلِّم النَّاس شَيئًا مِن عِند الله، غَير الوَحْى إلى الأنْبِيَاء، ونَصَّ نَصًّا صَرِيحًا أنّ الله لَم يُرْسِل إلاَّ الإنْس لِتَعْلِيم بَنِى نَوْعِهم، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالا نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[الأنبياء: 7].
أما الذى يترك ما قاله أهل الذكر وهم أهل العلم والاختصاص ويجرى خلف الإسرائيليات والقصص الشاذة، فسيجرى حتى تتقطع أنفاسه ثم لن يظفر سوى بالهراء. ثم هم يتحدثون كثيرا عن السحر كأنه حقيقة دامغة، ويتجاهلون أن عقل العاقل سيفرض عليه سؤالا بسيطا يقول: ولو أن للساحر وسحره نفعا فلم لا ينفع الساحر نفسه؟.
نرى فى قطاع لا يستهان به من المجتمع رجلا يسعى خلف الشيخ فلان لكى يقوم الشيخ بنفع علان أو ضره، وبعد أن يتمتم شيخه بغرائب الكلمات وبعد أن يرطن بخفى الأقوال، نجد الشيخ النافع الضار استغفر الله يمد يديه مستجديا زبونه لكى ينفحه بعض المال!
لو زعمت نفسى ساحرا قادرا على الضر والنفع، لاستوليت على أموال البنك المركزى ولمحقت أعدائى محقًا، أليس هذا ما يقوله العقل؟!.
ولقد فضح عز وجل السحر كله وأفعال مدعيه فى قوله تعالى عن سحرة فرعون: «سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ».
يقول الإمام الرازى: «واحتجّ به القائلون بأنّ السحر محض التمويه. قال القاضى: لو كان السحر حقّا لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم، فثبت أنّ المراد أنّهم تخيّلوا أحوالا عجيبة مع أنّ الأمر فى الحقيقة ما كان على وفق ما تخيّلوه». ويقول الشيخ الإمام محمد عبده: «السحر عند العرب كلّ ما لطف مأخذه ودقّ وخفى، وقد وصف الله السحر فى القرآن بأنّه تخيل يخدع الأعين فيريها ما ليس بكائن كائنا، والسحر إمّا حيلة وشعوذة، وإمّا صناعة علمية خفيّة يعرفها بعض الناس ويجهلها الأكثرون فيسمّون العمل بها سحرا لخفاء سببه ولطف مأخذه، ويمكن أن يُعدّ منه تأثير النفس الإنسانية فى نفسٍ أخرى لمثل هذه العلّة، وقد قال المؤرّخون: إنّ سَحَرة فرعون قد استعانوا بالزئبق على إظهار الحبال والعصيّ بصوَر الحيّات والثعابين».
ويقول سيد قطب: «وحسبنا أن يقرّر القرآن أنّه سحر عظيم، لندرك أيّ سحرٍ كان، وحسبنا أن نعلم أنّهم سحروا أعيُن الناس وأثاروا الرهبة فى قلوبهم { وَاسْتَرْهَبُوهُمْ } لنتصوّر أيّ سحرٍ كان، ولفظ { استرهب } ذاته لفظ مصوّر، استجاشوا إحساس الرهبة فى الناس وقسروهم عليه قسرا، ثمّ حسبنا أن نعلم من النصّ القرآنى فى سورة طه أنّ موسى (عليه السَّلام) قد أوجس فى نفسه خيفةً لنتصوّر حقيقة ما كان، ولكن مفاجأة أخرى تطالع فرعون وملأه، وتطالع السحرة الكهنة، وتطالع جماهير الناس فى الساحة الكبرى التى شهدت ذلك السحر العظيم: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ ﴾ 38.
إنه الباطل ينتفش، ويسحر العيون، ويسترهب القلوب، ويخيّل إلى الكثير أنّه غالب، وأنّه جارف، وأنّه مُحيق! وما هو إلاّ أن يواجه الهادئَ الواثقَ، حتّى ينفثئ كالفُقّاعة، وينكمش كالقُنفذ، وينطفئ كشعلة الهشيم! وإذا الحقّ راجح الوزن، ثابت القواعد، عميق الجذور.. والتعبير القرآنى هنا يُصوّر الحقّ واقعا ذا ثقل ﴿فَوَقَعَ الْحَقُ ﴾ وثبت واستقرّ وذهب ما عداه فلم يَعُد له وجود: ﴿وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وغُلب الباطل والمبطلون وذُلّوا وصَغُروا وانكمشوا بعد الزهو الذى كان يبهر العيون: ﴿فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ).
وقد عنى المُشرع المسلم بسن عقوبات على مَن يتعاطى تلك الخرافات والضلالات.
قال ابن قدامة: «تعلُم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم». الشافعية على تحريم السحر بما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات.. وعن عقوبة الساحر فذهب الحنفية إلى أن الساحر يقتل فى حالين: الأول: أن يكون سحره كفرا، والثانى: إذا عرفت مزاولته للسحر بما فيه إضرار وإفساد ولو بغير كفر.. وذهب المالكية إلى قتل الساحر، لكن قالوا: إنما يقتل إذا حكم بكفره، وثبت عليه بالبينة لدى الإمام، وعند الشافعية: إن كان سحر الساحر ليس من قبيل ما يكفر به فهو فسق لا يقتل به، إلا إذا قتل أحدا بسحره عمدا فإنه يقتل به قصاصا.
وذهب الحنابلة إلى أن الساحر يقتل حدا ولو لم يقتل بسحره أحدا، لكن لا يقتل إلا بشرطين: الأول: أن يكون سحره مما يحكم بكونه كفرا أو يعتقد إباحة السحر.
ثم بعد هذا البيان لخرافة السحر ولتجريمه نجد جريدة «الأهرام» تشير إلى أن المركز القومى للبحوث قد أكد فى دراسة حديثة له: «أن المصريين من طبقات مختلفة يصرفون نحو 10 مليارات جنيه سنويا على السحر والشعوذة، حيث تخطى الأمر الطبقة الفقيرة التى نلتمس لها عذر الجهل ووقع فى شرك هؤلاء طبقات راقية ومثقفة تنفق أموالها أملا فى حل مشكلاتها أو تحصينا من حسد وحقد المنافسين خوفا على كنوزها أو طمعا فى المزيد».
انتهى كلام القومى للبحوث وضع ما شئت من علامات التعجب!