الوصية الزرقاء

الأحد، 07 مايو 2017 06:32 م
الوصية الزرقاء
إيما خليل نور تكتب

الليلة الأولى (الكفن): 1

بقايا شموع.. صناديق ووسائد برائحة الصبر..

ضحكات ودموع ولمحات علي الجدران تملأ ضيق المكان..

 وباقات زهور تشدو بالرثاء حول الفراش..

كانت السماء تملأها مشاعرالغربان..

وأنا هنا أقف علي أرضاً مقطوعة الظل في ضجر الظهيرة..

احترق كفراشة الرسام.. وأطل

أطل علي ملائكة قادمون صاعدون حفاة الينا يحملون نعشاً اسوداً بلون النبيذ..

أطل علي أصوات أصدقائي والفضولوين والغرباء في الخارج تتدحرج فوق الرياح..

أطل علي اسم أبي المسافر من الشرق للغرب و علي أشقاء ثلاث بلا لقب..

أطل علي صورتي تهرب من نفسها وتحمل منديل أمي يهوي في الريح..

واسأل ..

ماذا سيحدث إذا عدت إليها طفلاً بلا دين.

لنشعر بالحنين لبدايتنا دون قصد..

ونري ما فعل بنا الزمان هناك وما فعلناه به..

واسأل ..

إلى أين أنت تذهب أيها الغريب؟

أمامك ظلمة و وراءك خوف و في داخلك قفـص..

وتضحكني أيها الغريب..فليس الغريب من جفاه الحبيب وتغافل عنه الرقيب..

بل الغريب من ليس له نسيب .. الغريب من ليس له من الحق نصيب.. الغريب من هو في غربته غريب..

فتعال نرقص علي أحداث هذه الغفوة.وعلي هذا الميراث من الجفوة..

فأنت الآن لا أهل لك ولا وطن ولا نديم..ولا كأس ولا سكن..

فقد غابت من كانت تعرف كيف تنفتح السماء..

ولا دور لك في المزاح مع العمر..

فماذا بعد حيناً تمطر السماء فيه الأحجار عليك..

 فقط هو الحنين في حبق النهار وعتمة الليل بعد ان اغتم المكان..

فقد كان على الذين يحبهم المرء أن يموتوا مع كل أشيائهم...

حتي وان كانت أشيائهم أولها وأخرها أوراقاً زرقاء..

 

2.الليلة الثانية (الوصية الزرقاء):

ثَقلتٌ رخام الكلام لتعبر إمرأتي بقع الضوء في قصيدتي حافية..

 ودبً في جسدي كلاماً لا أعلم إن كان يوماً قد ظَهر أو بَطن..

وأخذت أقول عنها وعن الفارق الهش بين النساء والشجر وفتنة الارض..

وأي لغة مقدسة تطيع مخيلتي في حواري مع السماء..

فقد نبتت علي جوانبها الأبجديات والمعني..

فبحضورها اغتم واُنسي من الجميع والقدر..

وأصير كالفقيرة تقف علي خيط ناي تطحنها كل يوم عربات الأمير..

هي..

أميرة نشأت علي رصيف الحلم والاشعار كحروف من نور من فم نبوي مطهر..

رقصت مع صغار الملائكة ونفر منها الجن..

مُهرة كان صمتها طفولة برد ورعد..

وشبابها هوية وبركان..

صبية تغيرًت في كل شئ وغيرًت كل شئ وكسرت جدار الكون..

إبنتي..

كانت تسرق من دودة القز خيطاً تصنع به سماء لتحفظها من الرحيل..

وتطلق رصاصة حلمها الي السماء.. لتُسقِط عنقود من عنب الجنة بدعائها الملآن..

 تسير ببطء في الدنيا كأنثي طاووس واثقة بكيدها وسحرها وبداخلها ماخفي من نداء..

وتدق علي حائط الليل فيخرج لها ألف مجنون ليلي آخر..

 كانت الارض تبتهج بملامسة قدمها العاري فتعيد عقرب الوقت لشرعية العاشق المقدس..

 وعلي يديها أشهد المجد وإن كانت أصغر من الهدف..

فقد تركت اسمها وعمرها المتعددين في كفي الخلود بعد أن استحقت قبور الأنبياء كأثرعلي حجر لا يموت...

ولايمكن أن أصورها امتداداً للحقيقة.. فالمرايا دوماً كانت أضيق منها..

وبنبرات من قلب يرممه الحريق أنعي ذاتي.. وأقر:

 لو كان لي أن أكون فتاة لكنت هي..

فأنا لم أعد أقدر علي أن أنافسها علي مافيها أكثر..

ولا أريد أن أطل علي الارض كي أري أحداً يحمل أعظم مني يركض خلفي.. فبعدها لن تشفع يوماً راياتي لأي معجزات..

ولا أريد أن أنظر بعدي كي أتذكر انني لم أمر علي الأرض يوماً فقد  أخدت هي الإسم عني وكل فضة الحور..

رفعت عنها اليد والقلب بعد أن أدركت أن لها صوت الحياة الأول وكل الدنيا والآخرة..

ولها أيضاً الحقيقة ذات الوجه الواحد.. أنها إبنتي وأنني صرت مع الجميع يعبد فيها ما يقول..

 

3. الليلة الثالثة (لم يخلق الله من النساء نبية):

لم يكن لدي شكوك بأنني ابنة أمي..

وكان فقط لدي بعض من يقين أنها مفارقة ومصادفة..

وكل اليقين أن كل هذا العمر لم يلدني رحم أمي إلا ساعات ورحل..

وبأنين العاجز كجرح طفيف في زراع الحاضر العبثي أدركت الآن

كم كانت تتذكر أمي حين تزور حلمي ما صار لغدها..

غدها المعدوم والمنتظر الذي لم تقرأه عيون القدر..

وكم كانت تصاب بالرعشة  قهراً وتستمر في شرب النبيذ وتقول لي في كل نظرة عين.. اليكي عني..

ولكن..

 ليس لي أي دور بما كنت أو أكون..

فقد عشت دوماً روحاً بين الإشارة والكلام..

و جسداً بين سحر الألهة وأطراف الهواجس..

 هو فقط حظ الوحيدون.. المتوحدون..

 والذكري لنا دوماً ورداً مقدساً في الليل..

نعم هي الوحدة مزاج الانبياء..

وقد أحسن الله الصنع بأن جعلني جارة ألوهته..

فأطيل سلامي علي أنا الذي لايموت لأن بي نفس الله..

ولكن من أنا (فالله لم يخلق من النساء أنبياء)..

فقط أنا لم أفطم علي تفاحة الخطيئة..

أنا..

أنا عذراء ليل العلاقات السريعة.. لم أجتهد يوماً في اكتشاف أشد مواقع جسدي سرية..

وصرت دوماً الجميلة يحاصرها الآخرون في حلبة الرقص الطويلة..

وأنا الحلم..الذي يدرب الجميع علي أسراره ويرحل..

فقط

أنا ألف ذات تجمع اشلائها في امرأة تلمع فقدها بالبرق..

 كتكرار لصدي الألم في أغنية لن تكتمل..

أنا زهرة وحيدة تنام في حضن صخرة ميتة.. وتغني كل ليل نصفها الفقود..

والآن..

 بعد  أن مزقتي يا أمي صدري المكشوف..

ومحوتي في هدوء عظامي عن لحمي.. لكي أن تعلمي أن خلف الكوالييس يختلف الأمر..

لم أكن الجميلة كما كنتي تظنين .. ولكن صناعي صنعوا مرآتي لأطيل تأملي..

 ولم يؤنسني سوي ملامحي فقط التي غابت في مرآتي وتاهت وسط زحام مرآة من حولي..

ولو كنت أذكي لحطمتها لأري كم أنا الآخرون..

 أحببت ذاتي الي حد العتمة..

فأنا لم أعد أري سواي بعد أن تجلت لي روحي علي السياج البعيد..

فرحماك وعطفك باللذي اقترب من ذاته..

فأنا أحب ذاتي كل يوم أكثر مما كنت أعرف..

وهو السراب..

وبدونه ماكنت أنا الآن..

وليس دوماً علينا كشف عوراتنا لكي تبقي حقيقتنا عذراء..

وإنها أسطورتي المذبوحة قبل رقصة الموت الأخير يا أمي.

الوصية زرقاء والأرض سوداء.. وثلاتون نهراً يصبون بقلبي ..

فلم يعد لي وطناً ولا منفي إلا أنا..

 و ما أملك فقط سوي دعاء الوحيدين..

اذ قال ربك للأرض كوني لهم..

وازرعي أحلامهم في رحم السماء..

ولا تتركي وحيداً إلا وجعلتيه يسكن داخلي..

فطوبي للذي لم يقف في طريق الخطاة والمستهزئين..

طوبي لمن كان الرب مسرته..

طوبي لمن أراد فقط قلباً لا حشو بندقية..

وطوبي لي أنا فقد كنت أظن أن غاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء..

ولكن كان هذا كل ميراثي من أمي وصية زرقاء..وأيام حداد ثلاث زرقاء

أما الارض (الأم) فلا أعرفها ولا رأيتها إلا كالحانوت يوم الدفن..

فحقاً كلما ادركت سراً من الحياة قلت ما أجهلك..

فالرفق بالقبور..

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة