خبراء لـ"صوت الأمة": نتائج إيجابية للاقتصاد أهمها توفير منتجات للسوق الداخلي وتقليل البطالة

السبت، 19 أكتوبر 2024 03:02 م
خبراء لـ"صوت الأمة": نتائج إيجابية للاقتصاد أهمها توفير منتجات للسوق الداخلي وتقليل البطالة
هبة جعفر

ارتفاع الفاتورة الأستيرادية، لازال الملف الذى تعمل عليه الدولة بقوة، خاصة بعد رصد تقارير حكومية أرتفاع قيمة الاستيراد لمنتجات صغيرة، يمكن تصنيعها في الداخل، لكنها تكلف الدولة مليارات الدولارات، وهو ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضى، حينما دعا المستثمرين إلى تصنيع المزيد من المنتجات محليًا لخفض فاتورة الاستيراد، وحل أزمة نقص الدولار في البلاد، منتقدًا ارتفاع فاتورة تكلفة استيراد سلع، مثل الهواتف المحمولة والشوكولاتة وورق الفويل بمليارات الدولارات خلال آخر 10 سنوات.

وعلق الرئيس السيسي، على التكلفة التي تكبدتها الدولة بين 2014 و2023 لاستيراد مجموعة من المنتجات، واستيرادت عطور ومزيلات عرق وماء تواليت بنحو 440 مليون دولار، وأن «الدولة استوردت مستحضرات تجميل بنحو 500 مليون، وحقائب يد بـ200 مليون، وشوكولاتة بـ400 مليون، وسراميك بـ235 مليون"، وأكمل: «وبتلموني تقولوا لي الدولار غلي ليه؟! مبقولش نقفل البلد.. لكن ورق الفويل بـ500 مليون دولار، الورق الفويل مبنعملوش! الجبنة بـ1.2 مليار دولار، ونقول للناس مش عارفين نعمل مصانع ننتج الحاجات اللي هما عاوزينها؟».

ما قاله الرئيس السيسى، دعا كثيرين للتساؤل حول المدة التي تحتاجها مصر لتصنيع هذه المنتجات داخليا، والقضاء على ظاهرة الاستيراد العشوائى للسلع غير الاستراتيجية او الأساسية.

من واقع ما رصدته "صوت الأمة" فإن الدولة تعمل على استراتيجية هامة لتعميق الصناعة المحلية وتقليل الفاتورة الاستيرادية وزيادة المكون المحلى في الصناعات المصرية، باعتبارها عمود نهضة الدولة واحداث ثورة شاملة خاصة في ظل التغيرات الاقليمية والدولية، وإزالة جميع التحديات التي تواجه قطاعات الصناعة المختلفة، وذلك من أجل توطين الصناعة وتشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية.

وكشف الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل والصناعة، عن خطط وزارة الصناعة واستراتيجيات تطوير البنية التحتية الصناعية وتعميق التصنيع المحلي وتوفير فرص العمل وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتضمنت تفاصيل استراتيجية تطوير الصناعة المصرية 2024-2030 التي تم الانتهاء منها، ووافق الرئيس السيسى علي إطلاقها، عن خطة للإجراءات العاملة لتوحيد الجهود واستعادة مكانة الصناعة المصرية والتوسع في الصناعات الصديقة للبيئة (الخضراء) لتصبح الصناعة قوية مستدامة بما ينعكس ذلك في تعظيم دورها في الاقتصاد الوطني، وقال الوزير إن مدة الاستراتيجية الوطنية للصناعة تمتد إلي 6 سنوات يتم التنفيذ على 3 مراحل، تستهدف كافة القطاعات، للتوسع في صناعات المستقبل والصناعة الخضراء والهيدروجين الأخضر، لافتاً إلي أنها تستهدف تحقيق عدد من الأمور في مقدمتها زيادة مساهمة القطاع الصناعي إلى 20% في الناتج القومي بحلول 2030، فضلا عن رفع مساهمة الاقتصاد الأخضر في الناتج القومي الإجمالي، فضلا عن تشغيل الأيدي العاملة وتوفير من 7 إلى 8 ملايين فرص عمل، بما يساهم في الحد من البطالة.

وأضاف الوزير، أن الاستراتيجية تستهدف تقديم الدعم الفني للمصانع الصغيرة ودمجها في الاقتصاد الرسمي، وحل مشكلات المصانع المتعثرة، لافتا إلي أنه تم بناء الاستراتيجية الوطنية للصناعة على أسس واقعية من خلال دراسة احتياجات السوق المصري، وحجم الخامات المتوفرة، والقدرات الإنتاجية للمصانع في كل تخصص. وتابع الاستراتيجية ترتكز على خدمة تطوير الصناعة، وفقا لأسلوب علمي من خلال المراكز البحثية، فضلا عن العمل على تقنين أوضاع المصانع غير المرخصة، ووضع خطة للنهوض بالصناعة في جميع الأنشطة الصناعية في وقت واحد، في حين كان يرى البنك الدولي أن تعمل في نشاط نشاط، لكن هذا الكلام لن يأتي معنا بشيء، لأننا تأخرنا كثيرا، وكان لابد من التحرك في كافة القطاعات في آن واحد.

ولفت الوزير، إلي استهداف فتح المجال للصناعات الكبري، وتوفير المواد الخام اللازمة لتوطين الصناعة المصرية، مثل الحديد والألومنيوم والهيدروجين الأخضر، موضحاً أن الاستراتيجية ترتكز على 7 محاور، الأول منها يشمل تعميق الصناعة من خلال إنشاء مصانع جديدة لتوفير جزء من احتياجات السوق المحلى ومستلزمات الإنتاج المستوردة، بهدف جذب مستثمرين وبجودة عالية وبأسعار منافسة للمُستورد.

وأكد كامل الوزير، أن عهد "تسقيع" الأراضى الصناعية انتهي، قائلا:" محدش هياخد حتة أرض بغرض إنشاء مجمع صناعي ويسقعها للبيع، العهد ده انتهى أوانه"، كاشفا عن تخصيص 267 مساحة أرض لإنشاء مشروعات صناعية وتم إبلاغ أصحابها، وانه منذ إطلاق منصة مصر الرقمية منذ 3 شهور بهدف تبسيط الإجراءات على المستثمرين واستصدار التراخيص للتيسير على المستثمرين وكذلك إصدار رخص التشغيل وسيتم تباعا إطلاق باقى الخدمات الأخري، وسيتم توفير أراض لكل المستثمرين وفقا لمتطلباتهم، وقال إن هناك إجراءات جديدة لدعم سياحة اليخوت، متابعا: "فى الأول كانت إجراءات الترخيص لسياحة اليخوت تتطلب موافقة 14 جهة ويستغرق الأمر تقريبا 35 يوما، الآن أصبحت الموافقات من جهة واحدة تستغرق تقريبا 30 دقيقة فقط، وهو ما سيتم تباعا فى قطاع الصناعة من خلال منصة مصر الرقمية الصناعية".

وأكد الوزير، أهمية محور تأهيل القوي البشرية ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة، للارتقاء بمستوى القوى العاملة، بما ينعكس علي حرفية الصناعة من جانب وتوفير العملة الصعبة من جانب أخر، بالإضافة إلى تصدير هذه العمالة إلي الخارج، كاشفا عن تصدير نحو 100 سائق قطار مصرى للعمل بسكك حديد ألمانيا، فضلا عن 140 فنيا ومهندسا في حفر الأنفاق بأنحاء العالم.

وكشف الفريق، عن نماذج للمصانع المتوقفة عن العمل بعد أن كانت تعمل، وتمت مساعدتها للوقوف مرة أخرى قائلا: "هناك مصنع اتحرق وكان مبلغ التأمين أقل من تكلفة إعادة تشغيله، وصاحب المصنع قعد فى بيته، أنا لم أقبل هذا، وقعدت معاه وقريبا هيفتح المصنع"، وتابع: "سنعطى قروضا لمساعدة المصانع المتوقفة والمغلقة والمتعثرة والجارى إنشاءها بما يؤدى إلى زيادة حجم النشاط الصناعى والطاقة الإنتاجية، وأضاف قائلا: "استصدرت قرارا من رئيس الجمهورية بعمل مبادرة لمساعدة المصانع المتوقفة بقرض 15% فائدة وتتحمل وزارة المالية باقى قيمة الفائدة وحاليا نرتب مع اتحاد الغرف والصناعات الألويات لمن سيتم إعطاءه هذا القرض، واتفقنا أننا سنعطى القرض للمتعثر واللى بنى مصنعه، ولم يشتر أدوات التشغيل حتى لا نرمى الفلوس لمصانع لم يتم إنشاءها".

وأضاف نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية: "بناء على تصديق رئيس الجمهورية جارى تنفيذ مقترح وزارة الصناعة بالتنسيق مع اتحاد الصناعات بأولويات قطاعات الصناعة المقترح إدراجها بالمرحلة الأولى لمبادرة تمويل الصناعات بقروض ميسرة بفائدة 15% على أن يتم تخصيص مبلغ القرض لشراء الآلات والمعدات وخامات التشغيل وليس للإنشاءات وجارى التنسيق مع اتحادات الصناعات والغرف الصناعية لتحديد المصانع الراغبة للحصول على القرض، تم حصر المصانع المتعثرة ماليا بـ26 مصنعا كمرحلة أولى وهم جاهزين ليشتغلوا من بكرا"، مشيراً إلى أن عدد المصانع المغلقة بلغ 5800 مصنع، قائم ولا يعمل وعدد المصانع المتعثرة فى مرحلة البناء 5500 مصنع بإجمالى 11500 أو 12 ألف مصنع تعثر ومتوقف.

أيمن عشري، رئيس غرفة القاهرة التجارية، قال إن عددًا كبيرًا من المصانع تعمل على تعميق نسبة المكون المحلي في المنتجات إلى 70% بهدف خفض فاتورة الواردات، وزيادة حجم الإنتاج الصناعي وفي الوقت نفسه توفير المزيد من فرص العمل للشباب، وتتعاون مع الحكومة لتحقيق هذا المستهدف لتقليل حجم الاستيراد من الخارج، بما ينعكس على توافر النقد الأجنبي في البلاد، موضحاً أن مصر تواجه تحديًا في "الاستيراد العشوائي لسلع يمكن تصنيعها محليًا أو لها بديل محلي بذات الجودة وبسعر منافس، مطالبًا بتنظيم الاستيراد من الخارج من خلال تطبيق نظام الاعتمادات المستندية، ووقف تهريب السلع من خلال المناطق الحرة.

 

حلول لمواجهة العشوائية الاستيرادية

الدكتور عبد المنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، يرى إنه رغم نجاح الدولة في خفض قيمة فاتورة الاستيراد وزيادة الاعتماد على المنتج المحلي، بوضع قواعد وضوابط لترشيد فاتوره الاستيراد، وعدم السماح بدخول أى بضائع إلا طبقا للمعايير الأوروبية بداء من مارس 2022، لكن لا تزال هناك سلع يتم استيرادها من الخارج، ومن الممكن تصنيعها محلياً وتوفير العملة الأجنبية بالإضافة إلى توفير المزيد من فرص العمل.

وأشار السيد لـ"صوت الأمة" إلى قرار وزارة الصناعة والتجارة رقم 43 لسنة 2016، والخاص بتسجيل المصانع والشركات الموردة، كان تأثيره قويا جدا على العديد من الصناعات، التي تراجعت وارداتها بصورة ملحوظة ولأول مرة ترتفع الطاقات التصنيعية للمصانع بشكل كبير، نتيجة افساح الطريق لها والحد من الاستيراد العشوائى واغراق السوق منها، وقد سجلت قيمة الواردات المصرية من مختلف دول العالم 83.2 مليار دولار عام 2023 مقابل 96.2 مليار دولار عام 2022 بانخفاض 13 مليار دولار، بانخفاض 13.5%، إلا ان عام ٢٠٢٤ شهد ارتفاع في فاتوره الاستيراد تجاوزت ٦ مليارات دولار شهريا، وتجاوزت في بعض الشهور ٧ مليارات دولار بسبب الزياده السكانية وبسبب الاستسهال والاتجاه نحو الاستيراد المباشر، مما يشكل حملًا ثقيلًا على العملة الأجنبية، وتزايد سعرها أمام العملة المحلية، وتأتي الفاتورة الاستيرادية الضخمة، في الوقت الذي شهدت فيه مصر على مدار السنوات الماضية عدم استقرار لسعر الدولار الذي تصاعد لحدود الـ 48.5 جنيه، مما أدى إلى ارتفاع العجز في الميزان التجاري لمصر، لأن فاتوره الاستيراد تتجاوز بكثير حجم الصادرات السنوية.

وقال السيد إن مصر تعاني من عشوائية الاستيراد وزياده استيراد السلع الترفيهيه والاستفزازية، حيث تستورد مصر من 25 إلى 30% من هذه السلع يمكن تصنيعها محليًا بسهولة، فضلًا عن عدم الالتزام بخطة واضحة رسمية في ملف الاستيراد، وأن الدولة تسعى إلى توفير 25 مليار دولار من فاتورة الاستيراد السنوية، من خلال حصر الفرص الاستثمارية في قطاع الصناعة، وتوطين هذه الفرص، إلى جانب تشغيل المصانع المتعثرة، وترشيد الاستيراد أصبح خيارا استراتيجىيا للدولة، ويجب على الحكومة الإسراع فى تنفيذه وإقراره، خاصة فى ظل ما تتعرض له الدولة من أزمات اقتصادية تتطلب اللجوء إلى حلول جرئية.

وقال الدكتور السيد إن هناك حلولًا لتقليل فاتورة الاستيراد منها، وضع خطة لترشيد الاستيراد من خلال التحول من الاستيراد إلى الإنتاج المحلي، مما يزيد من قدرة الدولة على المنافسة، وإحلال الواردات وهو يعني أن يتم استبدال المنتجات المستوردة بإنتاج وطنى ومحلى، وهنا يتم تنفيذ هذه الخطة من خلال زيادة قدرات الصناعة الوطنية وتوفير احتياجاتها من خامات ومستلزمات الإنتاج، وإفساح الطريق أمامها عبر الحد من الاستيراد العشوائي وضبط منظومة الاستيراد بصفة عامة، وربط برنامج دعم الصادرات، الذي تدعمه الدولة بقيمة 28 مليار جنيه، بزيادة المكون المحلي في المنتج، مما يسهم في توطين صناعة المنتجات محليًا في نحو 5 سنوات، ومنح المستوردين للسلع الترفيهية فرصه تصنيعها من خلال توفير الأراضي الصناعيه المرفقه، وتقديم الدعم المالي من خلال حصولهم علي التمويل اللازم للإنشاء والتشغيل وتقديم الدعم الفني من خلال مركز تحديث الصناعة، فأغلب السلع الترفيهية التي نستوردها يمكن تصنيعها في المصانع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وعرض تسهيلات عديدة على المستثمرين وأصحاب الأعمال لتشجيعهم على توطين صناعة السلع المختلفة.

وأشار السيد إلى أن هناك نتائج إيجابية عديدة يمكن أن تعود على الاقتصاد الوطني، من توطين الصناعة المحلية وتعميقها وزيادة المكون المحلي فيها وتقليل فاتوره الاستيراد، أهمها توفير منتجات للسوق الداخلي، وهذا سيقلل الاعتماد على المنتجات المستوردة ومن ثم ضبط الميزان التجارى، وزياده معدل التشغيل، وتقليل معدل البطالة خاصة في ظل الزيادة السكانية ودخول مليون شاب سنويا لسوق العمل.

من جهته قال الدكتور مصطفي أبو زيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، إنه منذ سنوات وتحديدا من عام ٢٠١٨ بدأت الدولة العمل على مسارين لتقليل فاتورة الواردات وتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، تمثل المسار الاول في تهيئة البنية التحتية الجاذبة للاستثمار الخاص المحلى والاجنبى عبر انشاء شبكة طرق وموانئ لربط المحافظات ببعضها البعض، لاختصار الوقت والمجهود ووتقليل التكلفة الاستثمارية للمشروعات وإنشاء المجمعات الصناعية، والمسار الثانى تمثل فى تهيئة البيئة الاستثمارية عبر اصدار قانون الاستثمار وقانون الإفلاس وقانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإطلاق استراتيجية تعميق التصنيع المحلى، والانطلاق نحو زيادة المكون المحلى مقابل المكون الاجنبى فى المنتجات تامة الصنع فى سبيل زيادة مساحة ومساهمة القطاع الصناعة فى زيادة حجم الناتج المحلى الاجمالى، لخفض التكلفة الاستيرادية لمستلزمات الإنتاج التى يصلح تصنيعها محليا، لان هناك صناعات تحتاج إلى تقنيات تكنولوجية فى عمليات التصنيع يصعب تصنيعها محليا، وتسعى الدولة إلى نقل وتوطين التكنولوجيا لعدة صناعات عبر جذب الشركات العالمية وكبار المستثمرين، مثلما يحدث فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

وأشار أبو زيد لـ"صوت الأمة" إلى دور المبادرة الوطنية ابدا لتطوير الصناعة المصرية، التي عملت منذ انطلاقها على تعميق التصنيع المحلى والدخول فى شركات لرفع مستوى الانتاجية والجودة، وقد ساهمت فى عودة اكثر من ١٥٠٠ مصنع معطل الى مسار الإنتاجية، ثم انطلقت لعقد شراكات دولية لنقل عدة صناعات بالتكنولوجية التصنيعية لها، بما يساهم أيضا فى زيادة تعميق التصنيع المحلى ورفع القدرات الفنية للكوادر البشرية المصرية، وبالتالى المساهمة فى تراجع حجم الواردات والذى ينعكس بدوره على تراجع عجز الميزان التجارى وايضا تخفيف الطلب على الدولار وبالتالى الاستقرار فى سعر الصرف ومع الاستمرار فى زيادة التصنيع المحلى وتلبية احتياجات السوق المحلى وتصدير الفائض للخارج.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق